بغداد تختنق.. هل حانت ولادة “العــــــاصمة الإداريــــــة”؟
علي كريم إذهيب
شهدت خريطة بغداد خلال العشرين عاماً الماضية تكاثراً متعاقباً للنسمة السكانية، ما يتطلب توسيع دائرة التنمية والعمران خارج المناطق التقليدية للتكدس السكاني والتركيز العمراني والكثافة الاقتصادية.
تتباين الأسباب في بناء العواصم الجديدة، ما بين حل المشكلات العمرانية وتفادي تفاقمها، كوضع حد لحالة التمركز السكاني الشديد في المدن الكبرى، والاختناق المروري، وزيادة استهلاك الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي، ومحاولة جذب الاستثمارات إلى الأقاليم الداخلية في الدولة بهدف توفير فرص عمل ورفع المستوى الاقتصادي. وبالتالي فإن مهمة المخططين وصانعي القرار وضع تصور لحل تلك المشكلات من خلال إنشاء عواصم بديلة. وبدا واضحاً أن معظم الدول المتقدمة والنامية اشتركت في دوافع وأسباب إنشاء عواصم بديلة، وتناولت كل دولة التجربة بفكر يلائم الظروف العمرانية والاقتصادية والسكانية فيها.
43 مليون نسمة
المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، كشف عن النسبة التقديرية لعديد سكان العراق، إذ يقول في تصريح لـ مجلة “الشبكة العراقية” إن “النسبة التقديرية لسكان البلد تقدر بنحو (43) مليون نسمة وفقاً لتقديرات العام الماضي 2023.” مضيفًا أن “نسبة الرجال في البلد تبلغ (50.5%) فيما تبلغ نسبة النساء (49.5%) من مجموع السكان، وأن الوزارة مستعدة بجهودها الفنية الكاملة لإجراء التعداد العام للسكان بموعده المحدد في تشرين الثاني الجاري.”
بغداد تختنق
من جانبه، يقول رئيس مؤسسة عراق المستقبل للدراسات الاقتصادية المهندس منار العبيدي لمجلة “الشبكة العراقية” إن “بغداد وصلت إلى مرحلة اختناق كبيرة يصعب السكوت عنها، تتمثل بمشكلة أعداد السيارات الموجودة مقارنة بعدد الشوارع المبلطة والموجودة في داخل المدينة.” مضيفاً أن “عديد الشوارع المبلطة بين شوارع رئيسة وفرعية يبلغ بحدود 892 كم فقط، وتبلغ كفاءة الشوارع المبلطة المستخدمة بحدود 65%، وذلك بسبب السيطرات الأمنية التي تضيق الطرق وتحد من كفاءة الشوارع الموجودة وتقادمها. كذلك استخدام أجزاء من الشوارع كمواقف لوقوف السيارات ولأغراض أخرى، فضلاً عن غلق الكثير من الشوارع الرئيسة في بغداد، واعتماد جزء كبير منها على التقاطعات المرورية والساحات الدائرية.”
وأشار العبيدي إلى أن “مجمل أعداد السيارات الموجودة في بغداد يبلغ بحدود 3.6 مليون سيارة وبنسبة زيادة سنوية تبلغ 2%. فيما بلغت كثافة السيارات أثناء ساعات الذروة أكثر من 1059 في الكيلو متر الواحد المكون من 3 مسارات. بينما معدل كثافة السيارات الطبيعي يبلغ 450 سيارة في الكيلو متر الواحد من الشارع ذي المسارات الثلاثة بزيادة 183 % عن المعدل الطبيعي.” وبيّن العبيدي أن” عديد الشوارع المبلطة التي تحتاجها بغداد للحصول على معدل كثافة طبيعي وانسيابية في السير يبلغ بحدود 2000 كم، ما يعني أن بغداد لوحدها تحتاج إلى أكثر من 1200 كم شوارع جديدة مبلطة لتغطية الضغط الحاصل.” كما أشار إلى أن “ارتفاع أعداد السيارات لغاية 2030 سيتطلب زيادة في عديد الشوارع الجديدة المطلوبة بحدود 1500 كم جديد لتغطية الطلب المتزايد.” ويوصي العبيدي بضرورة إيجاد حلول عاجلة تؤدي إلى:
1 – تقنين إدخال عجلات جديدة، سواء السيارات أو العجلات الثلاثية الإطار أو الدراجات النارية.
2 – العمل على بناء مدينة إدارية خارج بغداد، ونقل كل الوزارات والهيئات الحكومية إليها لتقليل الضغط على الشوارع الحالية، ولاسيما في ساعات الذروة.
3 – تقسيم ساعات العمل في الجهات الحكومية، والعمل على تحديد أوقات عمل صباحية ومسائية في مختلف الهيئات والوزارات الحكومية لتقليل استخدام السيارات ساعة الذروة.
4 – إعادة العمل بالنقل الجماعي والحافلات الكبيرة وإدخال المزيد منها إلى الخدمة.
5 – الشروع ببناء جسور جديدة تربط بين الكرخ والرصافة.
6 – العمل على إنشاء المزيد من المجسرات والأنفاق التي من شأنها تقليل تأثير التقاطعات.
7 – منع التجاوزات الحاصلة على الشوارع وإلغاء مواقف السيارات المقامة عليها.
8 – إيقاف منح تراخيص بناء لبنايات تجارية أو سكنية من دون توفير مواقف سيارات أرضية داخل البناية.
توسع دار السلام
بدوره، يؤيد الاستشاري الاقتصادي مناف الصائغ توسعة العاصمة العراقية من خلال استحداث ونقل أماكن حكومية وغير حكومية ومكاتب رئاسات الوزراء والجمهورية والبرلمان والجامعات، وبناء مجمعات سكنية في مناطق أطراف بغداد.ويؤكد الصائغ في حديث مع مجلة “الشبكة العراقية” ضرورة “التفكير من قبل رئيس الوزراء والجهات ذات العلاقة ببناء عاصمة إدارية جديدة من أجل استيعاب الموارد البشرية التي تتزايد بشكل سنوي على أساس يبلغ مليون نسمة في السنة الواحدة.” مستشهداً بالتجربتين الماليزية والمصرية في ذلك. يضيف الصائغ أن “شوارع العاصمة حالياً لا تستوعب أعداد البشر فيها، التي وصلت إلى حاجز الـ 10 ملايين نسمة، وربما تصل إلى 15 مليوناً خلال السنوات الخمس المقبلة، وهذا مؤشر خطير على جودة الشوارع والطاقة والخدمات وغيرها، إذ إن أساس العاصمة يكفي لنحو مليون ونصف المليون نسمة، ولا يستوعب حجم الزيادة السكانية المضطردة.” ويشير الاستشاري الاقتصادي إلى أن الفكرة الأساسية لمشروع العاصمة الإدارية تهدف إلى إنشاء مدينة “بمواصفات عالمية”، تسهم في تخفيف الازدحامات في بغداد وحل أزمة الكثافة السكانية، إلى جانب تأمين فرص اقتصادية متعددة، ونوعية حياة مميزة. على أن تكون خطوات إنشاء العاصمة الجديدة انعكاساً للتجارب الدولية، بعد طرح مسابقات عدة لتخطيط وتصميم مباني العاصمة الجديدة، بمشاركة كبار المعماريين الذين يهتمون بمراعاة أدق التفاصيل، بدءاً من ارتفاعات المباني وصولاً إلى وضع تصور لألوان الحافلات وسيارات الأجرة في المدينة على وفق أحدث معايير التخطيط العمراني.”