جهود النزاهة ترتطم بجدار الفساد بعكّاز.. العراق يلاحق أمواله المنهوبة

444

“مجلة الشبكة” ـ طارق الأعرجي /

أكثر من 150 مليار دولار جرى تهريبها خارج العراق، بحسب تصريحات الرئيس برهم صالح، ليس بوسع المراقبين أن يتخيلوا إمكانية استردادها ففي الوقت الذي تعمل فيه دائرة الاسترداد في هيئة النزاهة على استعادة مبالغ من موظفين صغار نجحوا في تهريبها، آخرها استرداد أكثر من تسعة ملايين دولار من الأموال المختلسة من قبل إحدى الموظفات في أمانة بغداد، نجحت الهيئة في استصدار قرار من القضاء اللبناني باستروادها،
الهيئة ذاتها فجرت غضباً شعبياً عندما أعلنت الحكم بالسجن -مع وقف التنفيذ- على وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب وفرض غرامة قدرها 700 دولار مقابل عقد قيمته 800 مليون دولار تشوبه مخالفات، مبررة القرار القضائي بأن “المدان لم يسبق الحكم عليه عن جريمة أخرى، وأن الظروف الجرمية وظروف المدان بماضيه تبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود لارتكاب جريمة ثانية، لذا قررت المحكمة ايقاف تنفيذ (…) وإلزام المحكوم علي بالتعهد بحسن السلوك خلال مدة ايقاف التنفيذ.”
مدير عام دائرة الاسترداد في هيئة النزاهة الدكتور معتز العباسي قال لـ “الشبكة” إن “هناك توجهاً لتفعيل الدعم الحكومي في الجانبين السياسي والدبلوماسي في متابعة ملفَّات استرداد أموال الفساد المهربة خارج العراق.” مبيناً أن “هيئة النزاهة بصدد تأليف لجنةٍ من عددٍ من الدوائر المختصة تتولى مهمة الإعداد والتنسيق لعقد مؤتمر دولي بالتنسيق مع عدد من المنظمات الدولية لرعاية هذا المؤتمر والمشاركة فيه للضغط على الدول التي تمتنع عن تسليم المدانين او الأموال المهربة فيها.”
ملفات كبيرة
ويقر العباسي بوجود العديد من المعوقات التي تعترض استرداد الأموال التي هربها وزراء ورؤساء هيئات ومحافظون ومديرون عامون، ممن فتحت الهيئة بحقهم (84) ملفاً لاستردادهم، الذين ورد ذكرهم في ملحق التقرير السنوي للهيئة، والاعتراض عموماً يأتي من الدولة التي يوجد فيها المطلوب، ولعل أهم أسباب ذلك هو “منح المتهم حماية تلك الدولة من خلال تزويده بجنسيتها أو الدفع بأن هناك دافعاً سياسياً لطلب الشخص، إضافة الى ورود أسباب فنية، منها عدم صدور قوانين في تلك الدول تسمح بتسليم الموجودين على أراضيها أو عدم اكتمال ملف التسليم، حسب وجهة نظر تلك الدولة”.
وسائل غير تقليدية
يضيف العباسي أن “دائرة الاسترداد شرعت بوضع خطة لتنفيذ مخرجات المؤتمر الدولي لاسترداد أموال العراق المهربة، المنعقد في بغداد للمُدة (15 – 16/أيلول/2021)، ومنها إيجاد وسائل غير تقليدية لاسترداد الأموال، بالتعاون مع كل من وزارة الخارجية وعدد من دوائر الهيئة، ومن هذه الوسائل التي تضمنتها الخطة تفعيل الدعم الحكومي في الجانبين السياسي والدبلوماسي في متابعة ملفَّات استرداد أموال الفساد المهربة خارج العراق. كما سيجري بحث ودراسة قوانين بعض الدول بشكل معمق بغية إيقاع الحجز على أموال الفساد في الخارج والتواصل مع الجهات الدولية المعنية.” كاشفاً عن “تقديم مقترح لإقامة مؤتمر دولي للهيئات والمؤسسات المختصة بمكافحة الفساد المالي والإداري في بغداد، وأن الهيئة بصدد تأليف لجنة من عدد من الدوائر المختصة التي تتولى مهمة الإعداد والتنسيق لعقد هذا المؤتمر، كذلك يجري التنسيق مع عدد من المنظمات الدولية لرعايته والمشاركة فيه”.
تباين مواقف
وعن مدى التعاون الدولي في مجال استرداد الأموال المهربة والمطلوبين الهاربين خارج العراق، أكد أن “التعاون الدولي في مجال الاستجابة لطلبات المساعدة القانونية المتعلقة بحصر أموال الفساد المهربة الى الخارج واستردادها وملاحقة المطلوبين دولياً متباين من دولة الى أخرى، وهذا يرتبط بأمور عدة، منها مدى مواءمة قوانين الدولة المطلوبة منها المساعدة أو التسليم مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية، كما يرتبط ذلك بالعلاقات وتبادل المصالح بين الدول، إضافة الى ارتباطه بالجهد الدبلوماسي المبذول من الدولة طالبة المساعدة أو التسليم؛ وعليه فإن التعاون الدولي متباين من دولة إلى أخرى، ولا يمكن تقييمه بشكل عام.”
المحاكم الدولية
واستبعد العباسي إمكانية تأليف محاكم دولية تحقيقية خاصة باسترداد الأموال والمطلوبين، واصفاً هذا الأمر بأنه بالغ الصعوبة في الوقت الحاضر للعديد من الأسباب، لعل أولها صعـوبة حصول التوافق الدولي على هذا النوع من المحاكم، ولاسيما أن اللجوء الى القضاء الدولي في هذه المسائل ما زال غير مطروح، إذ أَن هناك العديد من الوسائل الدولية الخاصة بحل النزاعات، وبالرغم من ذلك لا يوجد مانع قانوني من تنظيم ملف دولي لاسترداد أموال الفساد المهربة الى الخارج، حتى إن كان المتهم أو المدان موجوداً داخل العراق، لأن دائرة الاسترداد وفقاً لاختصاصها المحدد بالمادة (10/سابعاً) من قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم (30) لسنة 2011 المعدل، تقوم بتنظيم ملفَّين دوليين، أحدهما يتعلّق بملاحقة المطلوب دولياً؛ بغية استرداده، والآخر لملاحقة أموال الفساد المهربة الى الخارج، وقد ينظَّم الملفان بحق ذات المتهم أو المدان الهارب، وقد ينظم أحدهما دون الآخر وحسب متطلبات العمل، ويوجد لدى دائرة الاسترداد عدد من الملفات تتعلّق باسترداد الأموال دون المتهم أو المدان المطلوب.
مبالغ منهوبة
وعن حجم المبالغ المنهوبة من العراق قبل عام 2003 وبعده، أوضح أن “هيئة النزاهة الاتحادية ممثلةً بدائرة الاسترداد مكلفة بمتابعة واسترداد أموال الفساد المهربة إلى خارج العراق ما بعد عام 2003، عملاً بقانونها رقم (30) لسنة 2011 المعدل، أما الأموال المنهوبة التي تعود لحقبة النظام البائد، أي ما قبل عام 2003، فهـي مـن اختصاص صنـدوق اسـترداد أمـوال العـراق مـن الخارج، بحسب قانونه رقم (9) لسنة 2012 المعدل, والحجم التقريبي لأموال الفساد المهربة، يكون تحديده بموجب قرارات قضائية تصدر عن محاكم الموضوع (محاكم الجزاء، محاكم البداءة) التي تلزم المدان الهارب بأداء مبالغ الضرر التي ألحقها بالمال العام، أو التي استولى عليها بغير حق إلى الجهة المتضررة من جراء فعله الإجرامي، ويطلق عليها في دائرة الاسترداد (الأموال المحكوم باستردادها)، وتبلغ تلك الأموال مايقارب التسعمئة وثلاثين ملياراً، وثلاثمئةٍ وتسعة وستين مليون دينار، وأكثر من مليار وأربعمئة وستة عشر مليون دولار، إضافة الى أكثر من أحد عشر مليوناً، وستمئة وأربعة عشر ألف يورو.