
حروب ترامب الجيوقتصادية هل يتأثر العراق؟
زياد الهاشمي
منذ عودته للبيت الأبيض قبل قرابة الشهر، انتهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسات اقتصادية متشددة حملت طابعًا قوميًا واضحًا تحت شعار “أميركا أولًا”، تستهدف إعادة ضبط الميزان التجاري وتعزيز نشاط الاقتصاد الأميركي عبر فرض تعرفات جمركية على الكثير من الدول.
فقد فرضت إدارة ترامب تعرفات جمركية جديدة بنسبة 25 % على جميع الواردات القادمة من المكسيك وكندا، وفي الجانب الآخر عبر المحيط الهادي، وجهت بفرض رسوم جمركية بنسبة 10 % على الواردات الصينية. وفي السياق نفسه انتقد ترامب الاتحاد الأوربي، متهمًا إياه بممارسات تجارية غير عادلة، معلناً عن خطط لفرض رسوم جمركية جديدة تتراوح بين 10 % و20 % على الواردات من الاتحاد الأوربي، بهدف دعم الصناعات المحلية الأميركية وتقليل العجز التجاري. هذه الإجراءات لم تكن مجرد قرارات اقتصادية اعتيادية، بل شكّلت تحوّلًا دراماتيكياً في الستراتيجية الأميركية تجاه التجارة العالمية، ما أدى إلى بث روح القلق والتوتر لدى الشركاء التجاريين للولايات المتحدة ورفع مؤشر الخوف العالمي أكثر من 21 %، وأثار العديد من التساؤلات حول مستقبل العولمة الاقتصادية والتأثير الأميركي الجديد على العلاقات الاقتصادية الدولية.
إجراءات ضد إيران
وبالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط، لم تكن إيران بمنأى عن العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، حيث أقدمت الولايات المتحدة على اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاقتصادية الصارمة ضمن سياسة “الضغط الأقصى”، عبر فرض طوق جديد من العقوبات الاقتصادية على إيران تحدّ من صادراتها في قطاع الطاقة وتقيد قدرتها على تحصيل العوائد المالية. وشملت هذه التدابير مراجعة أو إلغاء الاستثناءات الخاصة التي كانت تسمح لإيران سابقًا بتصدير الطاقة، ولاسيما الغاز، ما يعني أن العراق سيكون على رأس قائمة المتضررين نتيجة اعتماده العالي على واردات الغاز الإيرانية لتغذية محطاته الكهربائية، إذ إن إلغاء السماحات الأميركية سيؤدي إلى حرمان العراق من استيراد الغاز والكهرباء من إيران، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا لقدرة العراق على تلبية احتياجاته المحلية من الطاقة الكهربائية. ويعتمد العراق بشكل أساس على إمدادات الغاز الإيرانية التي تسهم بأكثر من 35 % من إجمالي الطلب المحلي العراقي على الغاز المستخدم في توليد الكهرباء، ما يجعل القرار الأميركي مصدرًا لتحديات كبيرة تهدد استقرار قطاع الطاقة العراقي.
من جانب آخر، فإن الإدارة الأميركية الجديدة قد أشارت أيضاً إلى قلقها من الاشتباه باستمرار استغلال المنظومة المصرفية والمالية العراقية في تمويل نشاطات تصنفها الولايات المتحدة في خانة الأعداء، وهذا ما تمت الإشارة اليه بشكل واضح من خلال الفقرة الثانية (رابعاً) من الأمر التنفيذي الرئاسي الصادر في 4 شباط 2025، الذي أكد أهمية اتخاذ إجراءات أميركية عاجلة لضمان عدم استغلال المنظومة المالية العراقية لدعم نشاطات تكسر الحظر الاقتصادي على إيران، وبموجب ذلك فإنه من المتوقع أن تقوم الخزانة والفيدرالي الأميركي بتفعيل سلسلة من الإجراءات الجديدة الموجهة لضبط حركة البترودولار العراقي، التي قد تشمل زيادة التدقيق على الحوالات الخارجية العراقية والمزيد من التشديد على النظام المصرفي العراقي.
مبادرات عراقية
في ظل هذه المتغيرات الجيوقتصادية المتسارعة، يجد العراق نفسه أمام ضرورة ملحة لاعتماد خطة تنفيذية متعددة المسارات لمواكبة المستجدات والتعامل مع تداعياتها بفعالية. ومن أبرز الخطوات العاجلة التي يمكن تبنيها لضمان استقرار قطاعي الغاز والكهرباء وتنويع مصادر الطاقة، التفاوض مع الولايات المتحدة للحصول على استثناء أخير يسمح بتفعيل عقد شراء الغاز التركمانستاني عبر إيران وحتى فترة الصيف المقبل، ما يمنح العراق هامشًا زمنيًا لمعالجة الأزمة. بالتوازي مع ذلك وعلى المدى القصير، فإنه من المهم تسريع عمليات الربط الكهربائي مع الشبكات الإقليمية، والتفاوض مع الكويت لإنشاء خط أنبوب غازي يمكن إنجازه خلال أشهر، يربط محطات الكهرباء العراقية بمحطة الزور الغازية الإقليمية والسعي لإبرام اتفاقيات مع الدول المصدرة للغاز المسال كقطر وأستراليا وماليزيا لاستيراد الغاز المسال لصالح العراق ومعالجته في محطة الزور ونقله كغاز جاف عبر الأنبوب نحو محطات الكهرباء العراقية. كما أصبحت سياسية تقليل الاستهلاك خياراً حتمياً، من خلال تقليص حجم الضائعات والتعديات على الشبكة الوطنية وتحديث نظام الجباية إضافة الى حملات توعوية تحث المواطنين على ترشيد استهلاك الكهرباء وتبني مصادر الطاقة النظيفة لتخفيف الضغط على الشبكة الوطنية.
وعلى المدى البعيد، فإن تعزيز استغلال الغاز الوطني، سواء الحر أو المصاحب، يمثل خيارًا ستراتيجيًا حاسمًا يهدف إلى تقليل الاعتماد على المصادر الخارجية، ما يسهم في تعزيز أمن الطاقة العراقي وضمان استقرارها بعيدًا عن التقلبات السياسية والاقتصادية الدولية. وعلى الصعيد المالي، فقد أظهرت الحكومة العراقية جدية في معالجة التحديات المصرفية، اتضح ذلك من خلال إصدار بيان مشترك مع البنك المركزي يوضح خطوات تطوير القطاع المصرفي بالتعاون مع شركة استشارية أميركية، وهو ما يعكس التزامًا رسميًا بإصلاح الأخطاء المتراكمة وإعادة هيكلة النظام المصرفي بما يضمن رفع مستوى الامتثال وحماية الدولار العراقي من عمليات التسرب غير النظامية، سواء عبر الحدود أو من خلال الحوالات غير القانونية. وإذا ما نُفذت هذه الإجراءات بدقة وفاعلية، فإنها ستمكن العراق من تخفيف الضغوط الأميركية، وتعزيز قدرته على المناورة بعيدًا عن التجاذبات الإقليمية والدولية، ما يرسّخ أمن الطاقة ويسهم في استقرار الاقتصاد العراقي.