د.سامر العامري: جراحة شرايين الدماغ شغف أكثـر منه شهادة إضافية

1٬700

فكرة الطائي /

إبداعات العقل العراقي لا تتوقف عند حد أو اختصاص في مجال محدد من المجالات العلمية الإنسانية، إذ يشهد العالم أجمع على ذكاء وتفوق العقل العراقي وقدراته العالية على العطاء والانجاز، وهذه العقول العراقية تترك بصمتها الخاصة في مجال اختصاصها، ليست على المستوى المحلي “الوطني” وإنما على المستوى العالمي ففي ميدان الطب تعددت الانجازات وتركت بصماتها في الميادين العلمية والاكاديمية العالمية. ولم تقتصر هذه الانجازات على الكبار والمعروفين من الاطباء العراقيين الذين طافت شهرتهم العالم واحتلوا مواقع متميزة في دول عدة وإنما أخذ الشباب نصيبهم في هذه الانجازات العلمية المتقدمة ليكونوا القدوة الحسنة لأساتذتهم الذين درّسوهم في المراحل المختلفة الجامعية و”البورد”.
اختصاص التحديات
اليوم نقف عند واحد من هذه العقول – البصمة وهو الدكتور “سامر سعد العامري ” اختصاصي جراحة الجملة العصبية “جراحة شرايين الدماغ” . وكان السؤال الاول الذي أردت أن يكون مفتاحا للحديث بيننا عن سبب اختياره لهذا التخصص الدقيق؟
– لأن جراحة الدماغ هو الاختصاص التحدي مقارنةً بفروع الطب الأخرى. ذلك لما للدماغ من صفات تجعل التعامل معه ممتعا وصعبا في آن واحد، لأنَّك تتعامل مع أقدس ما خلقه الله سبحانه. كما أنَّ عدم إمكانية تعويض الخلايا العصبية التالفة يضيف تحديا إضافيا من جانب آخر. أما تخصصي الدقيق بجراحة شرايين الدماغ فهو شغف أكثر من كونه شهادة إضافية، فلشرايين الدماغ روعة في التصوير والتركيب مع دقة في التفاصيل يجعلها من أعقد الأجزاء في جسم الإنسان ويمثل التخصص في علاج أمراضها حلما كان يراودني منذ بداية دراستي للطب.
إحساس لا يمكن وصفه
وعن مميزات اختصاصه، يقول العامري:
– تتطلب جراحة الدماغ ساعات عمل أكثر من تخصصات الطب الأخرى وتحتاج إلى طبيب بشخصية تقدر على اتخاذ القرارات الصحيحة تحت الضغط، لا سيما في ما يتعلق بالمواقف الفاصلة بين الحياة والموت في الحالات الخطرة التي تمثل عملا شبه يومي في تخصصنا. علما أنَّ الغالبية العظمى من العمليات التي أجريتها شخصيا خلال السنتين الأخيرتين تستغرق أكثر من ٦ ساعات، واستغرقت إحداها ١٢ ساعة، إذ كانت عملية رفع تشوّه شرياني وريدي من عمق الدماغ لشاب يبلغ من العمر ١٧ سنة وتكللت بالنجاح … الحمد لله.
والإحساس الرائع من زهو وفخر وشكر لنعمة الله بعد الانتهاء من إجراء عملية جراحية تؤدي إلى إنقاذ حياة مريض وعودته إلى الحياة الطبيعية، إحساس لا يمكن وصفه يضفي الاطمئنان الداخلي التام ويزيل التعب كله.
أساتذتنا قدوتنا
*ما هي بصمتك الخاصة في هذا الاختصاص؟
– كل ما نقوم به من إنجازات هو بفضل أساتذتنا علينا، ابتداء من الاستاذ سعد الوتري – مؤسس الجراحة العصبية في العراق ومرورا بكل من علّمنا أو نصحنا ووضع ثقته فينا يوما ما، واجبنا تجاههم وجزء من البرّ بهم هو أن نكون على قدر من المسؤولية ونكمل المسيرة ونطوّرها ونجعلهم فخورين بنا.
ما نعتز به شخصيا وقد يرقى ليعد بصمة هو الآتي: بعد العودة من التدريب الجراحي في طوكيو – اليابان الذي كان بمنحة من الفيدرالية العالمية لجراحة الاعصاب، قمنا بإجراء عمليات شرايين الدماغ الأكثر تعقيدا في اختصاصنا وقد تكون العمليات الاكثر دقة وصعوبة في الطب عموما. إذ قمنا بإجراء ١٠٠ عملية بالتمام خلال ٢٠ شهرا الماضية وكانت نسبة النجاح فيها أكثر من ٩٠ بالمئة، وهي من النسب الجيدة عالميا.
علما أنّ كل هذه العمليات هي عمليات منقذة للحياة والمرضى معرضون للوفاة في حالة عدم إجرائها أو عدم نجاحها. علما أنَّني لم أقم بفتح عيادة خاصة حتى يومنا هذا وذلك للتفرغ لمتابعة المرضى لا سيما بعد العمليات للمتابعة والمبيت في يوم إجراء العملية لأغراض الفحص عن كثب وبواقع فحص سريري كل ساعة تقريبا ولمدة 24 ساعة كاملة بعد العملية على أن يكون الفحص من قبلنا شخصيا.
مختبر المهارات الجراحية
– كما قمنا بتشكيل فريق جراحي متخصّص بجراحة شرايين الدماغ وهو الاول من نوعه على مستوى العراق، إذ يتكوّن من ٣ اختصاصيين مع زملائي دكتور حيدر صالح الزبيدي ودكتور محمد أمين الراوي مع عدد من المقيمين الأقدمين المتميزين وأطباء تخدير مبدعين وحريصين وكذلك عدد من الممرضين الرائعين منذ اليوم الأول، الآن وبعد عامين على الشروع بعمليات شرايين الدماغ، فإن زملائي الاختصاصيين يقومون بإجراء بعض العمليات المعقدة وبمهارة ممتازة ونتائج متميزة مع وجودي لغرض المتابعة والمساعدة إن تطلّب الأمر، على الرغم من عدم سفرهم خارج القطر للتدريب على هذا النوع من الجراحات، وذلك يعد فخرا لنا ودليلا على نبوغهم وشغفهم للتعلم.
وهذا النوع من العمليات لم يكن موجودا سابقا في مستشفانا وهي المستشفى الام لجراحة الاعصاب في العراق – مستشفى جراحة الجملة العصبية في بغداد.
وقمنا بالتعاون مع الجمعيه العراقية لجرّاحي الاعصاب المتمثلة برئيسها الدكتور أسامة مجيد العوادي بإجراء سلسلة من الدورات التعليمية لطلبة كليات الطب المهتمين بالجراحة العصبية كتخصص مستقبلي، إذ يطّلعون على تفاصيل عملنا في ردهات الطوارئ والعناية المركزة وأيضا نسمح لهم بالدخول للعمليات مما يمثل تجربة فريدة على مستوى المنطقة ونالت الاستحسان والإشادة من قبل أهم المنظمات العالمية في التخصص. كما يتم اختيار بعض اللامعين من هؤلاء الطلبة ليكونوا جزءاً من فريقنا الجراحي لا سيما خلال العطلة الصيفية.
أما المشروع المتميز فهو تأسيس “مختبر المهارات الجراحية” لتعليم مهارات جراحة الأعصاب، إذ خصصنا واحدة من غرف دار الاطباء وبجهود شخصية قمنا بجمع مبلغ من المال لجلب أجهزة من الهند لأغراض التدريب واستخدمنا فيها تجربة معروفة في العالم لكن على نطاق ضيّق في التطبيق العملي على رأس خروف وفتح الدماغ، إذ يمكن تجريب كل الادوات لا سيما بالنسبة للأطباء الشباب ممن في بداية مسيرته في التخصص، إذ كلما نجرب أكثر كلما نقلل من فرص الخطأ داخل صالة العمليات.
كتب وبحوث
وأصدر العامري كتابين في الجراحة العصبية وأعدّ ١٢ كتابا في طريقها إلى الطبع. وحصد كتابه الأول (جراحة الاوعية الدموية) على تقييم عالمي وهو الآن يحتل الترتيب ١٦ في قائمة أفضل ١٠٠ كتاب في جراحة الاعصاب حسب موقع تقييم الكتب العلمية. وبعد مرور أكثر من عام على صدوره (أي في عام ٢٠١٨) تم تقييمه من قبل المجلة الامريكية لجراحة الاعصاب وأوصت به كمصدر لدراسة البورد الامريكي في جراحة الاعصاب. ونشر أكثر من ٧٠ بحثا علميا في التخصص الدقيق في مجلات عالمية رصينة خلال السنتين الأخيرتين، مما جعل مستشفى جراحة الجملة العصبية من المراكز ذات النتاج العلمي الغزير، ومن بين الافضل عربيا على مستوى النشر العلمي في التخصص.