شكوك وعلامات استغراب بشأن أسلوب تنفيذه حلم “قطار بغداد المعلق” يعود إلى الواجهة

382

 طارق الأعرجي/

بينما‭ ‬يواصل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إنجاز‭ ‬مشاريع‭ ‬متطورة‭ ‬للقطارات‭ ‬المعلقة،‭ ‬يواجه‭ ‬مشروع‭ ‬القطار‭ ‬المعلق‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬عثرات‭ ‬عديدة‭ ‬صاحبته‭ ‬منذ‭ ‬انطلاقته‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الفائت،‭ ‬حين‭ ‬أبرمت‭ ‬الحكومة‭ ‬آنذاك‭ ‬مذكرة‭ ‬أولية‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬الفرنسية‭ ‬لوضع‭ ‬تصاميمه‭ ‬وتنفيذه‭ ‬لاحقاً،‭ ‬لكن‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الإيرانية‭ ‬أوقفت‭ ‬إنجاز‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬وظل‭ ‬مجرد‭ ‬حلم‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬البغداديين‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬عاد‭ ‬الحديث‭ ‬مجدداً‭ ‬عن‭ ‬قطار‭ ‬بغداد‭ ‬المعلق،‭ ‬وتبنى‭ ‬مجلس‭ ‬محافظة‭ ‬بغداد‭ ‬المشروع،‭ ‬وبالفعل‭ ‬شرع‭ ‬بالتعاقد‭ -‬مع‭ ‬شركة‭ ‬فرنسية‭ ‬أيضاً‭- ‬لوضع‭ ‬تصاميمه،‭ ‬لكن‭ ‬التصاميم‭ ‬التي‭ ‬كلفت‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬ركنت‭ ‬على‭ ‬رفوف‭ ‬المحافظة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينفض‭ ‬الغبار‭ ‬عنها‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬أثناء‭ ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬الى‭ ‬باريس‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬الحلم‭ ‬البغدادي‭ ‬العتيق‭.‬

وبينما‭ ‬تؤكد‭ ‬وزارة‭ ‬النقل‭ ‬استعداد‭ ‬شركتين‭ ‬عالميتين‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مشروع‭ ‬القطار‭ ‬المعلق‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬بغداد‭ ‬بمسافة‭ ‬20‭ ‬كيلو‭ ‬متراً‭ ‬بأحدث‭ ‬المواصفات‭ ‬العالمية‭ ‬بعد‭ ‬إنجاز‭ ‬دوائر‭ ‬الكهرباء‭ ‬والاتصالات‭ ‬أعمالها‭ ‬الخاصة‭ ‬برفع‭ ‬التعارضات‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬المشروع،‭ ‬فإن‭ ‬مراقبين‭ ‬اقتصاديين‭ ‬يستغربون‭ ‬إصرار‭ ‬الوزارة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬إصلاح‭ ‬سكك‭ ‬الحديث‭ ‬وتطويرها،‭ ‬وفشلها‭ ‬في‭ ‬جلب‭ ‬قطارات‭ ‬عالية‭ ‬الجودة‭ ‬الى‭ ‬بغداد‭. ‬

وبالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬المشاريع‭ ‬المصرية،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬كبرى‭ ‬رغم‭ ‬الأموال‭ ‬السخية‭ ‬المهدورة،‭ ‬والتي‭ ‬تحوم‭ ‬حولها‭ ‬الشبهات،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬خلل‭ ‬إداري‭ ‬كبير‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬معظم‭ ‬وزارات‭ ‬الدولة،‭ ‬حيث‭ ‬يتصدر‭ ‬المسؤولية‭ ‬فيها‭ ‬أشخاص‭ ‬محسوبون‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحاكمة،‭ ‬مقابل‭ ‬إبعاد‭ ‬قسري‭ ‬للكفاءات‭ ‬عن‭ ‬تنفيذ‭ ‬دورها‭.‬

مشروع‭ ‬حيوي

يقول‭ ‬معاون‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬لسكك‭ ‬حديد‭ ‬العراق،‭ ‬رئيس‭ ‬مهندسين‭ ‬أقدم،‭ ‬حاكم‭ ‬جاسم‭ ‬نور‭ ‬الحسني،‭ ‬لـ‭ “‬مجلة‭ ‬الشبكة‭” ‬إن‭ “‬مشروع‭ ‬القطار‭ ‬المعلق‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬المهمة‭ ‬والحيوية‭ ‬للشركة‭ ‬ولوزارة‭ ‬النقل،‭ ‬وهناك‭ ‬متابعة‭ ‬واهتمام‭ ‬شخصي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وزير‭ ‬النقل‭ ‬الكابتن‭ ‬ناصر‭ ‬حسين‭ ‬الشبلي‭ ‬بهذا‭ ‬المشروع،‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يخطو‭ ‬خطوات‭ ‬جادة‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬صلبة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البدء‭ ‬بإزالة‭ ‬التعارضات‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬خط‭ ‬السكة‭.”‬

وأضاف‭ ‬أن‭ “‬الشركة‭ ‬عقدت‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الاجتماعات،‭ ‬حسب‭ ‬توجيهات‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬لمجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬لحل‭ ‬مشكلة‭ ‬التعارضات‭ ‬وتذليل‭ ‬العقبات،‭ ‬لأن‭ ‬مسار‭ ‬القطار‭ ‬المعلق‭ ‬سيقام‭ ‬على‭ ‬الجزرات‭ ‬الوسطية‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها،‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الشعب‭ ‬وبمسافة‭ ‬20‭ ‬كيلو‭ ‬متراً،‭ ‬مرورا‭ ‬بمدينة‭ ‬الصدر،‭ ‬والجامعة‭ ‬المستنصرية،‭ ‬وصولاً‭ ‬الى‭ ‬جسر‭ ‬الصرافية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الى‭ ‬مدينة‭ ‬الكاظمية،‭ ‬وأخيراً‭ ‬محطة‭ ‬قطار‭ ‬العلاوي‭.”‬

وأوضح‭ ‬أن‭ “‬التعارضات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭ ‬أنابيب‭ ‬الماء‭ ‬والمجاري‭ ‬وأسلاك‭ ‬ومغذيات‭ ‬الكهرباء‭ ‬والاتصالات،‭ ‬ويجري‭ ‬حالياً‭ ‬رفعها‭.” ‬منوهاً‭ ‬بأن‭ “‬الشركة‭ ‬اتخذت‭ ‬خطوات‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الدوائر،‭ ‬التي‭ ‬أبدت‭ ‬اهتماماً‭ ‬واسعاً،‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬المعنية‭ ‬لإيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬للتعارضات،‭ ‬إذ‭ ‬قطعنا‭ ‬شوطاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬مع‭ ‬دوائر‭ ‬ماء‭ ‬ومجاري‭ ‬بغداد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنجزت‭ ‬دوائر‭ ‬الكهرباء‭ ‬والاتصالات‭ ‬المعالجة‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭”.‬

وبين‭ ‬الحسني‭ ‬أن‭ “‬التخصيصات‭ ‬المالية‭ ‬المخصصة‭ ‬للمشروع‭ ‬حولت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تنفق‭ ‬بسبب‭ ‬وصولها‭ ‬يوم‭ ‬29‭ /‬12‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬وعليه‭ ‬تحول‭ ‬التخصيص‭ ‬الى‭ ‬موازنة‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تقر‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.” ‬معرباً‭ ‬عن‭ ‬أمله‭ ‬بإقرارها،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬البدء‭ ‬بالتنفيذ‭ ‬يجري‭ ‬بإقرار‭ ‬الموازنة،‭ ‬لأن‭ ‬المشروع‭ ‬يعتمد‭ ‬مبدأ‭ ‬الاقتراض‭. ‬مبيناً‭ ‬أن‭ “‬جمع‭ ‬التفاصيل‭ ‬الخاصة‭ ‬بالبدء‭ ‬بالمشروع‭ ‬جاهزة،‭ ‬لأن‭ ‬مشروع‭ ‬القطار‭ ‬المعلق‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬أدراج‭ ‬محافظة‭ ‬بغداد‭ ‬لمدة‭ ‬قاربت‭ ‬العشر‭ ‬سنوات،‭ ‬واتخذت‭ ‬فيه‭ ‬إجراءات،‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬إنجاز‭ ‬الدراسات‭ ‬والتصاميم‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمشروع،‭ ‬وبعدها‭ ‬جرت‭ ‬إحالته‭ ‬الى‭ ‬وزارة‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2021‭.”‬

وخصصت‭ ‬الموازنة‭ ‬لمشروع‭ ‬القطار‭ ‬مبلغاً‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬الـ‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬عراقي،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬4‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬فقط،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬لأي‭ ‬باب‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشروع‭ ‬خصص‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬بالضبط،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬ينفذ‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الاقتراض‭.‬

ألستوم‭ ‬الفرنسية‭ ‬وهونداي‭ ‬الكورية

وكشف‭ ‬معاون‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬السكك‭ ‬عن‭ “‬استعداد‭ ‬شركتي‭ ‬ألستوم‭ ‬الفرنسية‭ ‬وهونداي‭ ‬الكورية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬العمل،‭ ‬وبمدة‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬لإنجاز‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬وبمسافة‭ ‬20‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬يتضمن‭ ‬التنفيذ‭ ‬الكامل،‭ ‬بمعنى‭ ‬إنشاء‭ ‬سكة‭ ‬قطار‭ ‬معلق‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬قطارات،‭ ‬ومدة‭ ‬تشغيل،‭ ‬أما‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬للمشروع‭ ‬فتحدد‭ ‬مساراتها‭ ‬حسب‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬وحاجة‭ ‬المواطنين‭.”‬

ويظهر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬استغرابهم‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬التجاري‭ ‬الرابح‭ ‬بعملية‭ ‬اقتراض،‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ ‬فوائد‭ ‬باهظة،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬منح‭ ‬المشروع‭ ‬الى‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬بطريقة‭ ‬الاستثمار‭.‬