صراع النفط والتنمية ارتفاع الأسعار يهدد العالم بالركود

442

ملاذ الأمين /

عندما ترتفع أسعار السلع بفعل الطلب المتزايد، ينبغي على الإدارة الاقتصادية زيادة الإنتاج لخلق حالة من التوازن بين العرض والطلب وضمان استقرار السوق وتجنب الآثار السلبية المترتبة على ذلك، سواء أكانت سياسية ام اقتصادية.
إن عملية خلق التوازن بين العرض والطلب تحتاج الى سياسة هادئة تعتمد على دراسة علمية دقيقة للسوق ولرغبات المستهلكين وإمكانية تشتيت أذواقهم نحو سلع أخرى بديلة لامتصاص تصاعد وتيرة الطلب ريثما يجري اتخاذ تدابير زيادة الإنتاج وتوفيره لسد حاجة السوق الاستهلاكية المتزايدة.
وكان رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، قد توقع الشهر الماضي دخول الاقتصاد العالمي في مستنقع الركود التضخمي لفترة من الوقت، ما لم تتمكن الاقتصادات الكبرى من زيادة الإنتاج بمعدلات قوية.
ركود تضخمي
ومن أهم أسباب الركود التضخمي هو ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية مع ارتفاع أسعار الطاقة اللازمة لتشغيل المصانع والآليات ووسائل النقل، الأمر الذي يدخل السوق في دوامة ارتفاع أسعار البضائع، التي ستنقل العدوى الى جميع أنواع الخدمات الأخرى، ما يؤدي الى هبوط في قيمة العملة الوطنية قياساً الى العملات الأجنبية، ويجر الى ركود اقتصادي تدفع ثمنة الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
ومن أهم واجبات الحكومات عند ارتفاع الأسعار لأي من الأسباب هو المحافظة على معيشة وحياة الطبقات الفقيرة عبر تخصيص رواتب لهم او مواد إغاثية، لكونهم أفراداً ضمن المجتمع الذي يجب أن تتكفل بحمايته وتطويره وتوفير حياة آمنه لهم.
ولدينا في هذا المضمار تجارب عالمية كثيرة، فعندما يتدنى المستوى الاقتصادي لطبقة معينة في المجتمع، فإن أفرادها يشعرون بأنهم قد تعرضوا الى الظلم من قبل الطبقات الأخرى فتترتب على ذلك الآثار النفسية العدوانية و(تتقولب) في إطار عدم تجريم السرقة إن كانت مرتكبة ضد الطبقات الغنية، ما يعني أن الفوارق الطبقية الكبيرة بين الطبقات تسمح بتبني الجرائم تحت شعار تحقيق العدالة، إلا أنها تحمل في طياتها الفوضى وانحلال المجتمع وهجرة غالبية شبابه.
دورة اقتصادية
وربما يكون ارتفاع أسعار السلع في بداية أمره ظرفاً صعباً على الطبقة الفقيرة، إلا أنه وبعد فترة وجيزة تعمد الطبقة الرأسمالية او الحكومة الى زيادة الإنتاج وافتتاح معامل جديدة مع خطوط إنتاجية أخرى استجابة لطلبات السوق ولتحقيق أرباح إضافية في دورة اقتصادية جديدة، وفي أحيان كثيرة يتوجه أصحاب رؤوس الأموال الى إنتاج سلع بديلة تحقق انعطافاً في أذواق المستهلكين وتفتح أبواباً جديدة للاستهلاك وللإنتاج معاً، الأمر الذي يتطلب أيادي عاملة جديدة وتوسعة في التسويق تنعكس بالإيجاب على سوق العمل والحاجة الى أيد عاملة جديدة.
قطاعات إنتاجية جديدة
وفي الدول التي تعتمد على عائدات تصدير النفط دون تحقيق تقدم في المجالات الاقتصادية الأخرى، فإنها يجب أن تعمد الى إنشاء قطاعات إنتاجية أخرى تدر وتداور الأموال لتحقيق بيئة اقتصادية تضمن توفير فرص العمل للشباب والاعتماد على أنفسهم في معيشتهم مع عوائلهم، فغالبية الدول الخليجية النفطية أهملت في العقد السابق، القطاع الإنتاجي غير النفطي، فتعرضت الى أزمات اقتصادية عند تضاؤل الطلب على النفط، الذي تسبب بكوارث وأمراض اجتماعية صعبة العلاج، ما جعلها تتوجه الى استثمار الأموال في إنشاء معامل مختلفة والدخول في شراكات مع الشركات العالمية الرابحة مثل شركة مارسيديس وشركة تويوتا وشركات أميركية لإنتاج النسيج، ما يشير الى انتباهة هذه الدول الى المستقبل الذي سيكون خالياً من النفط والانبعاثات الحرارية.
كما ينبغي أن تستثمر الدول المنتجة للنفط الزيادات الناجمة عن ارتفاع أسعاره في مشاريع مستقبلية، حتى وإن كانت في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة لتحقيق الأمن الغذائي بعد انخفاض الطلب على النفط، لتتمكن هذه الدول من الانتقال بسهولة الى العهد الجديد، عهد الطاقات النظيفة لحماية الكوكب.
مستقبل الأجيال
وفي العراق الذي يعتمد في موازناته على واردات النفط بنسبة تزيد على 90%، فإنه قد اتخذ إجراءات لمرحلة ما بعد النفط تتضمن الاستثمارفي القطاع الزراعي الذي يشمل استصلاح الأراضي الزراعية وتنظيم الري وافتتاح مشاريع إروائية جديدة مع إنشاء سدود وبحيرات لخزن المياه والاستفادة منها في مواسم الجفاف، كذلك نفذت الحكومة خططها الطموحة في القطاع الصناعي وفي جميع وحداته وشجعت الاعتماد على الصناعات الوطنية لتقليص الاستيراد، كما خصصت مساحات واسعة في المحافظات لإنشاء مناطق صناعية بالاستفادة من المواد الأولية المتوفرة، سواء عن طريق الاستخراج أوعن طريق الزراعة.
إن التوجة نحو الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية، سواء أكانت زراعية أم صناعية أم سياحية وغيرها، وهذا يعني تأسيس مستقبل آمن للأجيال المقبلة، فالعراق في زمن ما بعد النفط سيكون زراعياً بالدرجة الأولى بما يمكنه من تصدير ما يزيد عن حاجته الى الخارج. كذلك فإن التوجه نحو الصناعة الحديثة سيجعلة بلداً صناعياً، اذ تنتشر المنشآت الصناعية على خارطة الوطن من الشمال الى الجنوب لإنتاج ما يحتاجة المواطن مع تصدير الفائض منه الى الخارج، ناهيك عن القطاع السياحي الذي يعد مورداً اقتصادياً موازياً للنفط لو جرى استغلاله بشكل علمي وتجاري من قبل الوزارات المعنية والشركات السياحية العالمية.