
طريق التنمية.. هل يغيّر خريطة الاقتصاد العراقي ؟
أحمد جعفر
في ظل مساعي العراق لتعزيز موقعه الاقتصادي والستراتيجي على خريطة التجارة الدولية، يبرز مشروع “طريق التنمية” كأحد أهم المشاريع الطموح التي تعوّل عليها الحكومة لتحقيق تحول اقتصادي شامل، عبر تحويل البلاد إلى مركز محوري للنقل والتجارة بين آسيا وأوربا.
على الرغم من التفاؤل الكبير الذي يحيط بالمشروع، إلا أنه يواجه عقبات وتحديات معقدة تتعلق بآليات التمويل، وضمانات التنفيذ، والبيئة الاستثمارية، فضلاً عن التنافس الإقليمي المتزايد على مشاريع الربط التجاري، في وقت يسعى فيه العراق لإيجاد بدائل تنموية تقلل من اعتماده على العوائد النفطية.
في هذا السياق وضمن فعاليات الدورة الـ(48) لمعرض بغداد الدولي، نظم مركز الدراسات التابع لوزارة التجارة ندوة حوارية تناولت مستقبل “طريق التنمية”، وناقشت أبرز التحديات التي تعترض مسيرته، وسط حضور نخبة من الخبراء الاقتصاديين والمسؤولين الحكوميين.
وشهدت الندوة إجماعًا على أن المشروع يشكل رؤية اقتصادية واعدة تهدف إلى تحقيق تكامل اقتصادي شامل، وتعزيز بيئة الأعمال، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، ما يسهم في خلق آلاف فرص العمل ودفع عجلة التنمية المستدامة في العراق.
التخطيط والتنفيذ
شدد المشاركون في الندوة على أهمية وضع سياسات واضحة وآليات تنفيذية دقيقة لضمان نجاح المشروع، مع التأكيد على تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق الأهداف المرجوة.
في هذا السياق، قال الباحث والأكاديمي الدكتور وليد ساهر حمد، في حديثه خلال الندوة التي حضرتها مجلة “الشبكة العراقية”: “إن وزارة التجارة تلعب دورًا محوريًا في دعم وإنجاح طريق التنمية.” مشيرًا إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تكاتف جهود مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بجميع قطاعاته.
واشار إلى أن “إكمال طريق التنمية وميناء الفاو ممكن أن يغيرا شكل التجارة العالمية، ويدعما العراق في جهوده نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي والعلاقات الإقليمية”.
وكان العراق قد أكمل في العام الماضي تصاميم السكك الحديد الخاصة بالمشروع، فيما أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن تنفيذ “طريق التنمية” يحتاج إلى خمس سنوات لإنجازه بالكامل.
ويمتد المشروع على مسافة 1,200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى تسهيل حركة البضائع بين أوربا ودول الخليج، خاصة قطر والإمارات، عبر شبكة متطورة من الطرق البرية والسكك الحديد، ما يعزز من مكانة العراق كمحور اقتصادي رئيس في المنطقة.
أهمية المشروع
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي أنمار العبيدي، خلال الندوة، أن مشروع “طريق التنمية” يمثل اليوم ضرورة اقتصادية ملحة، خاصة في ظل الاقتصاد الريعي الذي يعاني منه العراق.
وأوضح أن “المشروع يعد خطوة جوهرية في مساعي العراق لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، إذ يسهم في تحويل البلاد إلى مركز حيوي للنقل والتجارة، عبر ربط ميناء الفاو الكبير بالحدود الشمالية بشبكة متطورة من السكك الحديد والطرق السريعة، ما يعزز قطاع النقل والخدمات اللوجستية، ويدعم التجارة الإقليمية والدولية.”
التحديات والمخاطر
في السياق ذاته، حذّر الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش من تداعيات التأخير في تنفيذ المشروع، مؤكدًا أن التباطؤ في التنفيذ قد يؤدي إلى إهدار فرص اقتصادية كبرى وتأجيل الاستفادة منه لسنوات إضافية.
وأوضح حنتوش خلال الندوة أن “التأخر في ربط ميناء الفاو بأوربا لا يعني مجرد تأخير زمني، بل يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة، ويفقد العراق ميزة التنافسية لصالح مشاريع إقليمية بديلة.”
وأشار إلى أن “العراق أمام التزامات كبيرة تجاه شركائه الدوليين والإقليميين، ولاسيما أن المشروع يشمل 14 محافظة عراقية ويمتد إلى أكثر من 10 مدن اقتصادية، ما يجعله واحدًا من أضخم المشاريع الستراتيجية في المنطقة”.
وأكد حنتوش أن نجاح المشروع لا يعتمد فقط على اكتماله من الناحية الإنشائية، بل على كفاءة تشغيله وإدارته واستثماره بأفضل الطرق الممكنة.
أضاف أن غياب رؤية واضحة لكيفية إدارة الطريق قد يؤدي إلى تكرار إخفاقات سابقة في المشاريع التنموية الكبرى، مطالبًا بـتأسيس شركة وطنية متخصصة لإدارة ميناء الفاو وطريق التنمية وفق أسس اقتصادية سليمة، بعيدًا عن العشوائية والارتجال.
وختم حديثه بالتأكيد على أن “العراق يمتلك فرصة تاريخية للتحول إلى مركز تجاري إقليمي، لكن نجاح هذا التحول مرهون بالإدارة الكفوءة والتخطيط الستراتيجي الفعال.” داعيًا إلى تسريع الخطوات التنفيذية، واستغلال الإمكانيات المتاحة لضمان استكمال المشروع بأفضل صورة ممكنة.