عدها البعض خطوة متأخرة التعليم: “لا مكان للشهادات غير الرصينة في العراق”

411

علي الهاشمي/

أثار موقف العراق بحذف جامعات إيرانية وتركية ولبنانية وجزائرية وتونسية ومغربية ويمنية وبحرينية ودول أخرى من قائمة الجامعات التي تعترف بها بغداد جدلاً واسعاً، بعضهم عده عزلاً علمياً تاماً للطلبة العراقيين وضربة قاضية للعقل العراقي، فيما وصفه بعض آخر بأنه قرار حزبي تجاري بامتياز.
هذا الإلغاء.. كيف قيّمه المختصون؟ وماذا يخفي في بواطنه؟ ومن هو المسؤول عن التصنيفات العلمية، سواء في العراق أم بالعالم؟ ولماذا عدته التعليم العالي قراراً طارداً للشهادات غير الرصينة؟
إلغاء التصنيف!
بعد قرار الإلغاء ضجت الأوساط الطلابية، ولاسيما الطلبة الحاصلين على شهادات من هذه الجامعات الملغاة، فضلاً عن الطلبة العراقيين المستمرين بالدوام فيها، ملقين باللوم على وزارة التعليم العالي، إذ وصفه غالبيتهم بأنه قرار فيه عجالة، وتساءلوا: ما مصير الشهادة التي حصلوا او سيحصلون عليها؟ هل تعترف بها وزارة التعليم العالي أم لا؟ ولماذا اتخذ قرار الحذف في هذا الوقت ؟ بعض المعترضين عزا اتخاذ هذا القرار لوجود نية مبيتة لفتح دراسات عليا داخل العراق تتبناها بعض الكليات الأهلية، لكن ربما السؤال الأهم هو: من هو المسؤول عن تصنيف الجامعات علمياً؟ وهل أن جميع الجامعات العراقية معترف بها علمياً وعالمياً؟
شروط معينة
ربما تكون الصداقة القديمة التي تربطنا بالدكتور موسى الموسوي، رئيس جامعة بغداد السابق، هي التي قادتنا لمعرفة رأيه بشأن موضوع الطلبة الدارسين في داخل وخارج العراق، وقيام العراق بحذف بعض الجامعات للعديد من الدول. فقلت للدكتور (الموسوي): أود أن أعرف كيف يتحقق الاعتراف بالجامعات عالمياً؟ فأجابني: “إن الاعتراف بالجامعات عالمياً يتضمن تحقيق شروط معينة، منها أن تكون الجامعة داخلة ضمن واحد أو اكثر من التصنيفات العلمية المعترف بها دولياً، ولديها موقع إلكتروني تنشر فيه ما تقدمه الجامعة من نشاطات وفعاليات ومناهج وبرامج تدريب ومتابعة الخريجين. كما يجب أن تكون المناهج والمفردات ووحدات التدريس وأعدادها متطابقة، او متوافقة، مع ما تقدمه الجامعات العالمية. الى جانب حصول الجامعة على جوائز ومشاركات في مؤتمرات ومنتديات عالمية، فضلاً عن أن يكون لديها منهاجان نظري وعملي، وأن تكون الجامعة قد شاركت بفعالية في خدمة المجتمعات، ويكون أداء خريجي الجامعة لسنوات عديدة في حقول العمل المختلفة داخل أو خارج البلد متميزاً أو مناسباً، وهذا يعني أن الجامعات العراقية الرسمية معترف بها رسمياً، وتثبت ذلك مئات مذكرات التفاهم التي تبرمها مع جامعات دول أخرى.”
وتابع الموسوي: “وعليه فإن إلغاء اعتراف العراق بجامعات دول أخرى يتخذ عن طريق وزارة التعليم العالي، وبالتحديد دائرة البعثات والعلاقات الثقافية حينما ترى أن الشروط -التي ذكرناها- غير منطبقة عليها، وأرى أن مصير الطلبة الذين يدرسون في الجامعات التي سحب الاعتراف منها أن تقبل شهادة الطالب إذا كان مستمراً بالدراسة والتحق بها قبل سحب الاعتراف.”
خطوة متأخرة!
فيما وصف نقيب الأكاديميين العراقيين الأستاذ المساعد الدكتور مهند الهلال الخطوة التي اتخذتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بأنها “رغم كونها متأخرة، إلا أنها ضرورية بعد ثلاثة أعوام من فوضى احتساب الشهادات الذي رافق قانون أسس تعادل الشهادات في عام (2020) الذي جرى الطعن به من قبل (النقابة) في المحكمة الاتحادية، على الرغم من بعض الملاحظات وأبرزها ما يتعلق بجامعات الابتعاث، إذ وجدت جامعات ابتعاث إيرانية خارج التصنيف، ولابد من الإشارة الى أن هذا الإجراء يتعلق بجامعات العالم التي تقبل الدراسة فيها.”
وأضاف: “ما ينطبق على تنظيم أمور الدارسين في الخارج يجب أن ينسحب على الداخل أيضا، إذ أن طلبة الدراسات العليا بعد هذه الفوضى، وجد العديد منهم الاعتماد في دراستهم على المكتبات الرسمية في إنجاز مهاهم البحثية وكتابة بحوثهم وأطروحاتهم، كما نرى أن من المناسب إعادة النظر بتعليمات الترقيات العلمية، وأن علينا التخلص من التدخلات السياسية من قبيل إضافة توسعات في القبول أو الدور الثالث للفاشلين، وإضافة درجات قرار لا أساس لها.”
مجلس أعلى
وكشف الهلال أن “النقابة قدمت مقترحاً يتضمن تشريع قانون المجلس الأعلى للتربية والتعليم لرسم السياسات التعليمية بعيداً عن تدخلات التغييرات المستمرة في الوزارة، التي نراها واضحة في موضوع اختيارات القيادات الجامعية والتعليم الجامعي الأهلي، إذ أن غالبية السياسيين لديهم جامعات وكليات أهلية يحاولون فيها التدخل في الشأن العلمي، ما يحول دون تحقيق أهداف الرصانة العلمية، الأمر الذي أسهم في تخريج دفعات من طلبة الدراسات الأولية وهم لايفقهون أدنى متطلبات التخصص، ما أدى الى انتشار نوع جديد من (الأمية) بين الخريجين، اذ لا يشترط بالنجاح سوى دفع أجور الدراسة، أضف الى ذلك وجود أعضاء في لجنة التعليم النيابية يعملون لحساب جامعات وكليات أهلية الذي هو الآخر بات مشكلة كبيرة لابد من التوقف عندها، إذ أن هناك كلاماً كثيراً بخصوص سعيهم الى تعديل قانون التعليم الجامعي الأهلي لتحقيق مصالح المستثمرين وليس الرصانة العلمية، كما أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يجب أن تخرج من المحاصصة الحزبية في اختيار الوزير والإدارات الجامعية بغية ضمان مستقبل الأجيال في وطننا الحبيب.”
التعليم العالي تطمئن الطلبة
الدكتور حيدر العبودي، مدير دائرة الإعلام والعلاقات في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والناطق باسمها، حينما نقلنا له ردود أفعال الطلبة وما يدور في خلدنا من أسئلة عن الدليل الجديد للجامعات المعترف بها، وما موقف الطلبة الخريجين من الجامعات الملغى الاعتراف بها، وكذلك المستمرين في الدراسة، وإمكانية إيجاد خطط غير التوسعة، وهل أن بإمكان الكليات الأهلية أن تفتح أقساماً للدراسات العليا، فإن الرجل -والحق يقال- لم يبخل عنا بأية معلومة، إذ تحدث قائلاً: “إن الوزارة قررت اعتماد دليل جديد لجامعات الابتعاث والنفقة الخاصة، لأن منظمة التعليم العالي تحمل مشتركات وهوية عالمية، وعلى وفق هذه المشتركات يكون التنافس والتصنيف بين الجامعات، لذلك جاء الدليل الجديد الذي يعتمد المعايير العالمية، وأطمئن الطلبة في الجامعات الملغى الاعتراف بها بأن هذا الدليل يبدأ العمل به ابتداءً من الأول من أيلول المقبل، وأنه لا يؤثر على من باشر بالدراسة قبل هذا التاريخ في ضوء القرارات والإعمامات الصادرة سابقاً من دائرة البعثات والعلاقات الثقافية.”
كاشفة للجامعات
العبودي أضاف أن الوزارة تراعي خطط الجامعات وطاقتها وتلتزم السياقات العلمية والقانونية.
وتابع: “المسجلون في الدراسات العليا رسمياً أكثر من 32 ألفاً في الخارج، و 50 ألفاً في داخل العراق، هذا هو العدد الإجمالي، وهم موزعون على البرامج الدراسية كافة التي تبلغ 2098 برنامجاً على صعيد الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه.”
وكشف العبودي أن “التصنيفات العالمية التي اعتمدت معياراً في الدليل الجديد ستكون كاشفة عن نوعية الجامعات المطلوبة للدراسة، كما أن الدراسة داخل العراق متاحة للجميع على وفق التنافس وحسب ضوابط التقديم والقبول، أما عن القبول في الجامعات والكليات الأهلية فإن المادة التاسعة من قانون التعليم العالي الأهلي رقم (25) لسنة 2016 قد أعطت مساحة مشروطة إذ نصت على الآتي:
(للوزارة الموافقة على استحداث برامج الدراسات العليا في الجامعة أو الكلية غير المرتبطة بجامعة أو معهد وذلك بعد توفر المتطلبات المادية والعلمية والجودة للاختصاصات النادرة وحسب حاجة البلد).”