عضوية العراق في أوبك.. مكاســـب البقــــاء ومخاطــــر الخروج
زياد الهاشمي
وافقت دول تحالف (أوبك بلس) خلال اجتماعها الأخير في جدة، على التخفيض الطوعي السادس للإنتاج النفطي حتى نهاية عام 2025، وبمقدار 1.66 مليون برميل يوميًا، كانت حصة العراق منها 220 ألف برميل يومياً، يضاف لها 211 ألف برميل، كتخفيضات طوعية إضافية على العراق خلال عام 2025، نتيجة تراكم تخفيضات سابقة لم يجر تنفيذها بشكل كامل.
هذه التخفيضات أسهمت إسهاماً مباشراً في خسارة العراق لطاقات إنتاجية بلغت إجمالاً 3.26 مليون برميل من النفط، بين أعوام 2020 وحتى عام 2024، التي كان يمكن أن تسهم بشكل مباشر في رفد المالية العراقية بموارد ضرورية للغاية، يحتاجها العديد من القطاعات الحكومية سواء على المستوى التشغيلي أم الاستثماري.
منتج مستقل
التخفيضات المستمرة، وخسارة العراق لعائدات مالية ضخمة، بالإضافة إلى الاعتقاد شبه السائد بضعف تأثير العراق ضمن منظمة الأوبك، قد فتحت المجال للكثير من المطالبات بضرورة خروج العراق من منظمة الأوبك والعمل كمنتج نفطي مستقل يتمتع بحرية واستقلالية كاملة في تحديد مستويات إنتاجه النفطي، وإدارة علاقاته النفطية بطريقة تناسب مصالحه الستراتيجية، بمعزل عن الضوابط والضغوطات التي تفرضها عضوية العراق في منظمة أوبك. وبكل تأكيد، فإن وجود العراق ضمن هذه المنظمة قد تسبب فعلاً في تحمله كلفة اقتصادية كبيرة، أفقدته حصصًا سوقية لصالح دول أخرى خارج أوبك. وفي هذا إضعاف لقدرة العراق التنافسية في الأسواق الدولية. إضافة الى ذلك، فإن قرارات أوبك، وخصوصاً خلال فترة تشكيل تحالف أوبك بلس، قد أسهمت بشكل ما في التأثير على قدرة العراق في التحكم الكامل بسياساته النفطية وتلبية العديد من متطلباته الداخلية.
تقلبات السوق
من جانب آخر، لا يخفى عن الكثير المكاسب الاقتصادية المتحققة التي لايزال العراق يتمتع بها، منها مساهمة العراق الفعالة من خلال أوبك في تحقيق استقرار أسواق النفط العالمية ودعم أسعار النفط، خصوصاً خلال فترات زيادة المعروض النفطي العالمي وضعف الطلب، وهذا ما يسهم في تقليل تقلبات السوق وحماية مصالح الدول الأعضاء التي تعتمد بشكل رئيس على إيرادات النفط، والمساهمة في رفع أسعار النفط تدريجياً، ما يحقق المزيد من العوائد للدول الأعضاء، بالإضافة إلى تخفيف الأثر التنافسي من منتجي النفط خارج التحالف، مثل منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، من خلال تعزيز التعاون بين الأعضاء لضمان نفوذ التحالف في الأسواق العالمية. كما يمكن ان تساعد آلية تخفيضات الإنتاج التي يقدمها العراق وغيره من الدول على تعويض انخفاض العوائد وإعادة ضبط العرض مقابل الطلب خلال الأزمات الاقتصادية، أو التباطؤ العالمي، كما حدث أثناء جائحة كورونا، أو في فترات ضعف النمو الاقتصادي، ما يدعم مداخيل دول أوبك ويحافظ على استدامة أسواق الطاقة.
جذب الاستثمارات
أما من الناحية الجيوسياسية، تعد أوبك أيضًا منصة متقدمة لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين الدول الأعضاء، إذ تُسهم في تبادل الخبرات والمعارف والعمل المشترك لتوسيع نطاق الشراكات وجذب الاستثمارات. بالإضافة إلى ذلك، تسعى المنظمة لوضع خطط سوقية مشتركة تهدف إلى رفع مستوى التنسيق بين الأعضاء وتقليل التنافس فيما بينهم، ما يخلق بيئة أكثر استقرارًا للإنتاج والتسويق النفطي.
على صعيد الإنجازات، تمكن العراق خلال العقدين الماضيين من تحقيق زيادة كبيرة في حصته الإنتاجية ضمن دول أوبك، بنسبة تجاوزت %57، وهي الزيادة الأعلى بين جميع الأعضاء. هذه النجاحات تُظهر قدرة العراق على الاستفادة من وجوده في المنظمة لتعزيز مصالحه الاقتصادية والسياسية، مع الحفاظ على دوره كلاعب رئيس في صناعة النفط العالمية.
خيار آمن
لذلك يمكن القول إنه بالرغم من الأعباء التي يتحملها العراق نتيجة تحديد سقف الإنتاج، أو الالتزام بالتخفيضات الطوعية، فإن بقاءه ضمن إطار منظمة أوبك يوفر له حماية من الانكشاف المباشر أمام السوق العالمي المعقد، فمثل هذا الانكشاف قد يُحمل العراق مسؤولية إدارة إنتاجه وصادراته بشكل منفرد، ما قد يؤدي إلى مواجهات شديدة في حرب الأسعار والمنافسة على الحصص السوقية، سواء منافسات مع شركاء الأمس داخل أوبك، أو اللاعبين الرئيسين الكبار خارج المنظمة.
وقوع العراق في مثل هذه الظروف الصعبة قد يتسبب في استنزاف الكثير من الموارد السياسية والبشرية والمالية للعراق، لاسيما في ظل بيئة سوقية شديدة التعقيد لم يعتد العراق على إدارة مخاطرها بمفرده. بالتالي، فإن استمرار العراق ضمن دائرة عمل منظمة أوبك واتفاقياتها يُعد الخيار الأكثر أمانًا واستقرارًا وواقعيةً. مع ذلك، ينبغي على العراق التركيز دائماً على التفاوض من أجل زيادة حصته الإنتاجية في المستقبل، كهدف مرحلي قصير المدى، يمكن أن يمثل تحقيقه إنجازًا مهمًا يُسهم في تعزيز الإيرادات الاقتصادية للعراق دون المخاطرة بالخروج من إطار أوبك وخسارة الدعم الجيوسياسي والاقتصادي الذي يتمتع به العراق اليوم من خلال وجوده ضمن إطار منظمة أوبك.