في تهديد للأمن الغذائي العالمي هل يأمن العراق من تبعات الصراع الروسي- الأوكراني؟

291

إيفان الخفاجي/

يتفق الخبراء الاقتصاديون ومحللو أسواق الطاقة والغذاء بشأن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العالم، بوصفها أزمة إنسانية وأمنية، نظراً لأن طرفي النزاع مصدران محوريان للطاقة والغذاء على مستوى العالم، ويحذرون من أزمات في أسعار الوقود والغذاء في العالم.

يقول كولين إس هندريكس، الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، في تحليل نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، إنه “في حين يمكن رفع إنتاج النفط بسرعة لمواجهة النقص العالمي؛ وهو ما يسعى إليه كبار منتجي الطاقة عادةً من أجل جني الأرباح والحفاظ على استقرار السوق، إلا أن النقص في المواد الغذائية يصعب تعويضه ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم أزمة الجوع في العالم.” يضيف هندريكس: “من المُرجح أن ترتفع أسعار النفط والغاز أو تنخفض كثيراً في الأيام والأسابيع المقبلة، لكن مع تغيير طفيف في الأسعار على المدى الطويل. من ناحية أخرى، قد تتقلص إمدادات الغذاء في العالم، إذ توفر أوكرانيا 8% من صادرات القمح العالمية، و13% من الذرة، وسوف يتعطل هذا الحصاد. وتقدم روسيا 18% من القمح المُصدر، و39% من زيت السلجم، لكن إذا قيدت روسيا الصادرات أو رفضت الدول في جميع أنحاء العالم نقل أو استيراد منتجاتها، فقد يؤدي ذلك أيضاً إلى تفاقم الجوع في جميع أنحاء العالم.”
وأوقفت أوكرانيا بالفعل صادرات الحبوب وأغلقت موانئها حتى تنتهي الحرب. والهدف هو ضمان الإمدادات الغذائية الكافية لوقف الشراء المدفوع بالذعر المتفشي، الذي أخلى أرفف البقالة في معظم الأسواق من السلع، ويعتمد احتمال توقف الشحنات في المدى الطويل على مدى استمرارية الحرب حتى موسم الحصاد الصيفي، عندما تُحصد المحاصيل الشتوية في أوكرانيا: القمح الشتوي والشعير والغاودار وبذور السلجم، المزروعة في أواخر الخريف.
ويخشى المراقبون من لجوء الجيش الروسي الى تدمير المحاصيل عمداً باعتبار ذلك جزءاً من ستراتيجية تجويع الشعب الأوكراني وإرغامه على الاستسلام، كما يمكن أن يؤدي عنف الحرب إلى تدمير الموارد مثل الجرارات وآلات الحصاد ومنشآت المعالجة والبنية التحتية لنقل الأغذية. ويشيرون الى الهجوم الروسي في البحر الأسود الذي أدى إلى تدمير سفينة شحن مستأجرة من شركة كارغيل، وتدمير الجيش الروسي أكبر طائرة شحن في العالم، وهي “أنتونوف إيه إن-225 ميريا”، التي قامت -على مدى عقود- بعمليات نقل جوي للطوارئ والإمدادات الطبية. كما يحذرون من أن يترك المزارعون والعمال الزراعيون حقولهم للانضمام إلى القوات المسلحة، أو البحث عن مأوى، أو الفرار من القتال.
وعلى الرغم من أن الزراعة الروسية لن تتعطل بسبب القتال، فقد حظرت روسيا عمداً صادراتها؛ بهدف الحفاظ على انخفاض أسعار المواد الغذائية في الداخل. لكن هذه المرة، من غير المُرجح أن توقف روسيا صادراتها من الحبوب السائبة. وتُعد الحبوب أحد المنتجات القليلة، إلى جانب الطاقة، المستثناة من العقوبات الغربية، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الآثار الكارثية التي ستُحدثها مثل هذه العقوبات على قضية الجوع العالمي، لكن الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي يقول: “إن روسيا تُنتج أيضاً نسبة كبيرة من منتج زراعي رئيس آخر هو الأسمدة، وقد تحركت بالفعل لحظر تصدير نترات الأمونيوم، أحد أكثر الأسمدة استخداماً في العالم، وسيضر ذلك بنمو المحاصيل في الأرجنتين والبرازيل ودول أخرى مصدِّرة للأغذية.” ويحذر من “أنه على عكس إنتاج النفط، الذي يمكن زيادته بسرعة، لا يمكن للمزارع أن يعود بالزمن إلى الوراء ليزرع محاصيل إضافية لتعويض إنتاج أوكرانيا المفقود. ويمكن أن يكون ارتفاع الجوع العالمي كارثة، وقد تكون له عواقب سياسية وخيمة أيضاً. وعمَّت الاحتجاجات على أسعار الغذاء البلدان النامية والمتوسطة الدخل في الماضي، ولاسيما أثناء ارتفاع الأسعار في فترات الكساد في 2007 و2008 و2010 و 2011. ويمكن أن يضر ذلك بالاستقرار في الديمقراطيات وشبه الديمقراطيات، ولاسيما في وقت تتراجع فيه الديمقراطية في أجزاء كثيرة من العالم.”
الأرض والخبز والناس
على الرغم من أن العرب لا يشكلون سوى 5% من إجمالي سكان العالم، إلا أنهم يستهلكون قرابة 25% من نسبة الاستهلاك العالمي من القمح، وإذ تتصدر مصر قائمة الدول العربية المستوردة للقمح بما يعادل 13 مليون طن سنوياً، فإن العراق يقبع في ذيل قائمة الدول العربية المستوردة للقمح، كونه يعتمد بالدرجة الأساس على وفرة المحصول المحلي الذي يقارب في ظروف الزراعة الطبيعية 4 ملايين طن، لكنه يستورد أكثر من مليون طن سنوياً لتحسين الجودة من خلال خلطه مع القمح المحلي. ويرى الخبراء أن العراق إذا ما تمكن من الحفاظ على معدل إنتاجه من القمح، فإنه سيكون بمأمن من الأزمة الغذائية التي ستجتاح العالم وتزداد حدتها كلما طال أمد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بالتزامن مع تناقص مخزونات الدول المستوردة، إذ من المتوقع أن تتضاعف أسعار القمح عالمياً مع تصاعد الأزمة العالمية.
في الخامس من آذار الجاري، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) عن ارتفاع المعيار القياسي لأسعار الأغذية العالمية في شباط الماضي، ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، وقد تصدّرت الزيوت النباتية ومنتجات الألبان هذا الارتفاع.
وفي العراق ارتفع سعر الزيت النباتي بنسبة كبيرة في السوق المحلية، حيث قفز سعر اللتر الواحد من 2750 ديناراً الى أكثر من 4 آلاف دينار.
ويوضح الخبير الاقتصادي نبيل جبار، في حديث تابعته “الشبكة”، أن “الزيوت بشكل عام ترتفع أسعارها من السوق العالمية، وهذه تأثرت بالحرب الروسية الأوكرانية، فجميع بورصات الغذاء مرتبطة معاً، وهذا التأثر يشمل جميع البلدان، سواء التي تستورد الزيت من أوكرانيا أو لا.” ويشير إلى أن “قضية ارتفاع أسعار الزيت ممكن أن تستمر لفترة طويلة، والأمر بحاجة الى مراجعة، على عكس قضية القمح، إذ أن هناك احتمالاً أن يمر العراق بعجز بسيط يسده بالاستيراد من أي بلد، ولاسيما أنه حقق الاكتفاء الذاتي من القمح خلال السنوات الأربع الماضية.” ويؤكد أن “معامل الزيوت العراقية، أغلب موادها الأساسية تستورد من أوكرانيا، إذ أن معامل الزيت العراقية لا تنتج، بل إن عملها هو التعبئة فقط، إذ تجلب الزيوت بواسطة سيارات حوضية وتقوم المعامل بالتعبئة وتكتب عليها صنع في العراق.” مبينا أنه “بصورة عامة هناك شح في المحاصيل الغذائية حالياً، خوفاً من تطور الأحداث، وأن الأمن الغذائي أًصبح محط اهتمام الدول جميعها”.
ويستورد العراق معظم حاجته من الزيوت من تركيا، غير أن تركيا هي الأخرى تستورد موادها الأولية من أوكرانيا لمعاملها. وتأثرت صناعات وتعبئة الزيوت في تركيا بقرار روسيا منع مرور 16 سفينه تركية محمل بالزيت من البحر الأسود، الذي يربط تركيا وروسيا وأوكرانيا، وما تزال هذه السفن عالقة في البحر ولم تسمح لها روسيا بالمرور، ما أدى الى حدوث أزمة سريعة وارتفاع كبير في الاسعار، انعكس بشكل سلبي على السوق المحلية العراقية.
محنة الزيت ومنحة الحكومة
ويربط الخبير الاقتصادي، خالد العضاض، بين ارتفاع أسعار الزيت عالمياً والحرب الروسية الأوكرانية، إذ أن 60 بالمئة من زيت الطعام في العالم مصدره هاتان الدولتان اللتان تصدران المواد الأولية الى العراق وتركيا وباقي الدول، قبل أن يجري تعليبه وتسويقه، ومع توقف الإمدادات الاوكرانية من زيت الطعام الى الأسواق بات من الصعوبة على الشركات الحصول عليها من مناشئ أخرى، سواء أمريكا أو أستراليا، فتلك البلدان لا توجد لديها الكميات الكافية لتغطية النقص العالمي الحاصل”.
وبهدف كبح جماح الأسعار التي عصفت بالأسواق العراقية، بادرت وزارة التجارة بتشكيل خلية أزمة لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مؤكدة وجود حراك لاتخاذ إجراءات تحقّق الأمن الغذائي. وقال المتحدث باسم الوزارة محمد حنون، في حديث للعراقية الإخبارية، تابعته “الشبكة”: إن “الوزارة شكلت خلية أزمة برئاسة الوزير علاء الجبوري والوكلاء والمستشارين والمديرين العامين لوضع آلية لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي حصلت بسبب حرب روسيا وأوكرانيا، التي تسببت بارتفاع الأسعار عالمياً”.
وأضاف أن “الحكومة العراقية ستناقش وضع ستراتيجية الأمن الغذائي، واتخاذ إجراءات عاجلة لمعرفة مفردات البطاقة التموينية”.
وتابع قائلاً: “جرى إطلاق حصة السلة الغذائية كاملة، فقد أطلقنا اليوم حصة بلغت 460 ألف طن من الحنطة للمطاحن الأهلية والحكومية، وهي خطة لمواجهة الأسعار.” مؤكداً وجود إجراءات كبيرة لتحقيق الأمن الغذائي.
وأوضح أن “الوزارة تناقش مجموعة من الآليات لمواجهة ارتفاع الأسعار، من خلال توفير مخزون ستراتيجي وتجهيز مواد تموينية على مدى 6 أشهر، ووضع خطط طارئة لمواجهة أي ارتفاع في الأسعار عالمياً.”
في السياق ذاته، أقّر مجلس الوزراء حزمة إضافية من القرارات الخاصة بمواجهة ارتفاع الأسعار العالمية ودعم الأمن الغذائي، فقد قرر مجلس الوزراء تقديم منحة حكومية بقيمة 100 ألف دينار لمرة واحدة باسم “منحة غلاء معيشة” تقدم الى المتقاعدين ممن يتقاضون راتباً أقل من مليون دينار شهرياً، والموظفين الذين يتقاضون راتباً أقل من خمسمئة ألف دينار شهرياً، بالإضافة الى المشمولين بالرعاية الاجتماعية ومعدومي الدخل.
كما قرر المجلس أيضاً تصفير الرسم الكمركي على البضائع الأساسية من مواد غذائية ومواد بناء ومواد استهلاكية ضرورية لمدة شهرين وإعادة النظر بالقرار بعد معاينة الأزمة.
ومن قرارات المجلس أيضاً، إطلاق حصتين للمواد الغذائية في البطاقة التموينية فوراً والبدء بإجراءات توفير حصة شهر رمضان، وإعادة النظر بموازنة البطاقة التموينية، وتأجيل استيفاء الضرائب على التجار من مستوردي المواد الغذائية.
ارتدادات الزلزال الروسي في أوكرانيا تتواصل في الأسواق العالمية، ففي حين تتخذ الدول المستقرة حزمة إجراءات متعلقة بأمنها الغذائي، يبدو العراق قلقاً من تداعيات هذه الارتدادات بسبب الأزمة السياسية التي تعيق تشكيل حكومة جديدة قادرة على التعامل الجدي معها وفق صلاحياتها التي تفتقدها الحكومة الحالية التي هي حكومة تصريف أعمال يومية، في ظل غياب موازنة العام الجاري، التي تنتظر ولادة الحكومة الجديدة والتحرر من العمل وفق نظام 1/12 من موازنة العام الماضي، التي تعيق أية إجراءات على خلفية الاستفادة من الوفرة المالية المتحققة من الطفرة الكبيرة بأسعار النفط العالمية.