لمعالجة أزمة الكهرباء ما الجدوى من بيع منظومات الطاقة الشمسية بـ “التقسيط”.. ؟
علي كريم اذهيب
تُعدّ أزمة الكهرباء في العراق من أبرز المشكلات المزمنة التي تواجه البلاد منذ عقود، وتتسبب في معاناة كبيرة للمواطنين، ولاسيما في فصل الصيف حين تشتد درجات الحرارة. تعود هذه الأزمة لأسباب متعددة، منها:
1. البنية التحتية المتهالكة:
*معظم محطات توليد الكهرباء في العراق قديمة وتحتاج إلى صيانة وتأهيل.
*شبكات النقل والتوزيع تعاني من ضعف شديد، ما يؤدي إلى فقدان نسبة كبيرة من الكهرباء المنتجة أثناء نقلها.
2. الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري:
*معظم محطات الكهرباء تعتمد على النفط والغاز، ومع ذلك تعاني المحطات أحياناً من نقص في الوقود نتيجة سوء الإدارة أو الأعطال.
3. الفساد وسوء الإدارة:
*يُعد الفساد المالي والإداري من الأسباب الرئيسة لتفاقم أزمة الكهرباء، حيث أُهدرت مليارات الدولارات على مشاريع لم تكتمل أو كانت غير فعّالة.
4. النمو السكاني وزيادة الطلب:
*الزيادة السكانية الكبيرة في العراق وزيادة الطلب على الطاقة لم تقابلها زيادة مماثلة في إنتاج الكهرباء.
5. الأوضاع الأمنية:
*تعرّض محطات الكهرباء وخطوط النقل لهجمات إرهابية متكررة، ولاسيما في المناطق التي شهدت صراعات مسلحة.
6. الاعتماد على استيراد الكهرباء:
*يعتمد العراق على استيراد جزء كبير من احتياجاته الكهربائية من دول مثل إيران، ما يجعله عرضة لتقلبات العلاقات السياسية والتجارية
مبادرات تشجيعية
وبغية تشجيع الطاقة النظيفة والمتجددة في العراق وجعلها مهمة للسلوك الفردي بعد معاناة طويلة مر بها العراق في توفير الطاقة، بدأ البنك المركزي مبادرته بإشاعة استعمال منظومات الطاقة الشمسية على مستوى المنازل ومشاغل العمل والنشاطات الزراعية ، وجاء ذلك باتجاهين ، الاول توفير التمويل المصرفي لشراء منظومات الطاقة الشمسية للمواطنين عن طريق تقديم قروض ميسرة ، والآخر تشجيع تصنيع منظومات الطاقة الشمسية من جانب القطاع الخاص عن طريق توفير التمويل الميسر لإنشاء مصانع إنتاج منظومات إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، بحسب مستشار الحكومة العراقية للشؤون المالية والاقتصادية الدكتور مظهر محمد صالح.
الطاقة المتجددة
في كانون الأول من عام 2022، كان البنك المركزي العراقي قد أصدر ضوابط تمويل منظومات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، التي ستتيح للمواطنين والمؤسسات المختلفة شراء منظومات الكهرباء المتولدة من الطاقة المتجددة ضمن موارد مبادرته من خلال المصارف.
وتأتي هذه المبادرة، انسجاماً مع توجهات الدولة العراقية للالتزام بمقررات مؤتمر باريس للمناخ، إذ أطلق البنك المركزي العراقي مبادرته للتحول إلى الطاقة النظيفة ضمن هذا الإطار، لذا تشكلت لجنة رأسها نائب المحافظ، ضمت في عضويتها ممثلين عن وزارتي البيئة والكهرباء والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، فضلاً عن ممثلي القطاع الخاص من الخبراء والمستثمرين.
وقال صالح إن “أزمة الكهرباء هي إرث تاريخي بعد توقف الاستثمار في الإنتاج والتوزيع طوال المدة التي خاضها النظام المباد في حروبه بين الاعوام 1980 – 2003″.
وأضاف في حديثه لمجلة «الشبكة العراقية» أن «إنتاج الكهرباء يتزايد بمتوالية عددية، والطلب يتزايد بمتوالية هندسية، والضائعات الفنية بسبب النقل المتهالك تأكل قرابة 30 ٪ من الإنتاج، والضائعات التجارية تقارب 30 ٪ أيضاً، لذا فإن الحاجة الفعلية للكهرباء في وقت الذروة بنحو 50 ألف ميغاواط، والإنتاج بحدود 28 ألف ميغاواط.»
وأشار إلى أن «التخطيط الحكومي الآن يتجه نحو الطاقات النظيفة، ولاسيما الطاقة المتجددة (الشمسية)، وفي النية انشاء هيأة حكومية لدعم وتطوير الطاقات المتجددة مع الاستمرار بالطاقات التقليدية.»
دعم الطاقة الكهربائية
ويبدي المستشار الحكومي تأييده لهذا النهج الجديد الذي يعمل على النهوض بالطاقة الكهربائية التقليدية، ولاسيما باستغلال الغاز المصاحب الذي سيتوقف حرقه وتصفيره تماماً لمصلحة إنتاج الطاقة الكهربائية التقليدية، إذ يسير العراق بالاتجاهين لبلوغ هدف الاكتفاء الذاتي من الكهرباء في نهاية العقد الحالي.
لذا، من وجهة نظر مستشار الحكومة، فإن العراق يسير بشكل متسق ومنظم باتجاه الطاقة المتجددة، وبثلاثة أركان:
الأول: مبادرة البنك المركزي العراقي لتمكين المواطنين من شراء منظومات الطاقة الشمسية.
الثاني: تشجيع الحكومة والبنك المركزي معاً على تمويل المصانع الوطنية لإنتاج وحدات الطاقة الشمسية بأقل التكاليف وأعلى المواصفات العالمية.
والثالث، تكوين هيأة وطنية للإشراف على توسيع استخدام وإنتاج وحدات الطاقة الشمسية، وتشجيع الاستثمار فيها على وفق أحدث المواصفات التكنولوجية والمقاييس العالمية لدخول عصر الطاقات النظيفة والمتجددة.
كما يؤكد وزير الكهرباء زياد علي فاضل أن» الوزارة حققت تقدماً مهماً في هذا الملف، من خلال تنفيذ ثلاثة عقود مع شركات متخصصة لإضافة 1700 ميغاواط إلى المنظومة الوطنية.»
آلية التمويل
من جهتها، ترى المتخصصة المصرفية بتمويل منظومات الطاقة الشمسية، المهندسة سها الكفائي، في حديثها لمجلة «الشبكة العراقية» أن «آلية تمويل منظومات الطاقة الشمسية تعتمد على ثلاثة أطراف (المصرف المانح، والشركة التجارية، والزبون، فرداً أو شركة). ويجري ذلك بعقدين :الأول إبرام عقد قانوني رصين بين إدارة المصرف والشركات المتخصصة لبيع المنظومات، يضم تفاصيل متنوعة، منها فنية وقانونية تحمي المصرف وتحمي الزبون سنوات عدة. والثاني بتقديم إدارة المصرف المانح العقد الثاني (خدمة المرابحة الإسلامية) للزبائن أفراداً وشركات، وهي شراء المنظومة من التاجر نقداً وبيعها بالتقسيط للزبون بعد تقديمه الضمانة الكافية للمصرف بسعر المنظومة المتفق عليها بين التاجر والزبون وفق شروط ومحددات الزبون .
ضعف المناعة
تعليقًا على ذلك، يشخص الباحث الاقتصادي وليد عبد النبي إبراهيم ضعف المناعة في قروض تمويل منظومات توليد الطاقة، قائلاً إن” هناك مجالاً لاستقطاع عمولة إدارية لمرة واحدة (6 %) من مبلغ القرض، موزعة بواقع (1 %) من قبل البنك المركزي و(5 %) من قبل المصرف المانح (سواء كان مصرفًا حكومياً أو أهلياً)، فيما تبلغ مدة القرض (5) سنوات من تاريخ تمويل المصرف، وتملى عبر الاستمارة الإلكترونية على موقع التمويل الحكومي.»
يضيف إبراهيم خلال حديثه مع مجلة «الشبكة العراقية»: «يمنح المصرف مدة سماح شهر واحد، قبل مباشرة المصرف بتسديد الأقساط، كما يضيف غرامة على المصرف تعادل (1 %) على مبلغ التمويل والفائدة بنسبة (5 %) على الجزء غير المستخدم من المسحوب (بعد انتهاء مدة الميسر). وتحسب الفائدة من تاريخ تغذية الوضع الحالي في المصرف، المفتوح لدى البنك المركزي.
ويمنح المصرف القرض مقابل ضمانات مناسبة، بما في ذلك استرجاعه إذا شمل المقترض، مع التوجه إلى المورد أن تكون المنظومة بما يتناسب مع النظام المركزي للتقييس أو النوعية.
محاولة لإنجاح المشروع
بعد نحو 9 أشهر من تخصيص المجموعة، دعا البنك المركزي المصارف المجازة إلى تسهيل الإجراءات للحصول على قروض جديدة، واعتمادات جديدة يقترحها المقترض. من هذه المبادرة حق اختيار المصرف المقرض من دون حاجة نقل توطين راتبه، إن كان لديه مصرف آخر، وتستحصل الأقساط المستحقة على المقترِض عبر نظام المقاصة الإلكترونية.
وعند حديثه عن ضعف المناعة قال الباحث إبراهيم: «لم يستجب أي مصرف عراقي لهذه المبادرة التي جرى تخصص نحو تريليون دينار عراقي لإنجاحها، إلا مصارف قليلة جداً لا تتعدى ربما الخمسة مصارف عراقية خاصة. ما يشير إلى أن هذه المبادرة ولدت ميتة من رحم معاناة المواطن العراقي جراء أزمة الطاقة الوطنية المستمرة في كل صيف وشتاء.»
جدوى اقتصادية
ترى المتخصصة في شؤون الطاقة المتجددة الدكتورة سندس العزاوي أن «هناك جدوى اقتصادية من تمويل شراء منظومات الطاقة الشمسية بالتقسيط من خلال مبادرة البنك المركزي العراقي. لكن هناك مشكلة تكمن في ضعف ثقافة المواطن العراقي بخصوص ذلك.»
تضيف قائلة في حديثها مع مجلة «الشبكة العراقية» إن «ثقافة المواطن العراقي حالياً لا تتجه لاستخدام الطاقة الشمسية، لأنه لا يرى عملاً حقيقياً بهذا الخصوص، وهناك تخوف كبير جداً في كون المواطن يرى ويسمع بأن منظومة الطاقة الشمسية غير عملية وتتعرض للتلف أو الضياع».
وأكدت العزاوي أن «الرؤية السوداوية للمواطن العراقي تجاه منظومة الطاقة الشمسية غير صحيحة، ويجب عليه مغادرة الاعتماد على المولدة الخارجية لتزويد منزله بالطاقة الكهربائية، بالاعتماد على الطاقة الشمسية، كونها طويلة العمر وصيانتها كل 5 سنوات بتغيير البطارية.»
وأشارت الأكاديمية إلى «ضرورة توعية المواطن العراقي بشراء منظومات الطاقة الشمسية، والاهتمام الكبير من قبل الحكومة العراقية في مجال التوعية، ليس فقط في المنازل، بل الدوائر الحكومية والقطاع الخاص.»