مــاذا ينتظــر الاقتصـــاد العراقي في عام 2025 ؟

13

زياد الهاشمي

بدأ العد التنازلي لنهاية عام كان مليئاً بالمتغيرات والتحديات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، وبداية عام جديد قد لا يقل سخونة عن العام الذي سبقه، ما يستدعي محاولة استقراء أهم التحديات المحتملة التي قد تواجه الاقتصاد العراقي خلال العام المقبل، بهدف تسليط الضوء عليها، أملاً في أن يسهم ذلك في تحفيز البحث عن معالجات وحلول من قبل الجهات المعنية. فمع بداية العام 2025،

سيدخل النظام المصرفي والمالي والاقتصادي العراقي مرحلة جديدة كلياً، ترتبط بطي صفحة منصة البنك المركزي لتحويل الدولار ووقفها بشكل نهائي، والتحول الكامل نحو نظام التحويل المباشر من خلال عملية تعزيز الأرصدة عبر سلاسل البنوك المراسلة عبر العالم. هذا النظام الذي بدأ العمل به قبل بداية هذا العام من خلال مصارف عراقية عدة أثبت فاعلية كبيرة في عمليات التحويل الدولاري المطلوب لتمويل التجارة الخارجية العراقية من جهة، وتغذية المالية العامة للدولة بالدينار من جهة أخرى. وبالرغم من هذا التحول الكبير، إلا أن هناك نسبة من الحوالات لاتزال تجرى من خلال المنصة التي لم تتم تصفيتها وتصفيرها بشكل كامل حتى الآن، التي قد يؤدي بقاؤها بعد تاريخ وقف المنصة دون تصفير إلى بعض الإشكالات التي قد تتسبب ببعض التأثيرات على الأسواق، يمكن تجاوزها إن تمت إدارة الفترة الانتقالية بفاعلية.
قيود محتملة
كما سيحمل العام الجديد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كرئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية، الذي مهد لهذه العودة بسلسلة من التصريحات والمواقف المثيرة للجدل، التي كانت منها تهديداته المتكررة بفرض العقوبات أو التشديدات الاقتصادية الموجهة لإيران في سياق رغبته في إعادة القيادة الإيرانية إلى طاولة المفاوضات التي لم تنته إلى اتفاق حاسم خلال رئاسته الأولى. التشديدات الرئاسية الأميركية قد تشمل قيوداً محتملة على حركة الدولار القادم من الفيدرالي، إلى جانب أن هناك توجساً من أن تتسبب الإجراءات المحتملة للإدارة الأميركية الجديدة بالتأثير مباشرة على قطاعات عراقية حيوية، قد تكون أهمها تدفقات الغاز الإيراني إلى العراق، التي قد تتعثر أو تنخفض بشكل كبير، ما يجعل منظومة الطاقة الكهربائية العراقية تحت ضغط البحث عن مصادر بديلة أو اتفاقات أخرى تغطي حجم الطلب المحلي على الغاز، ومن أول الحلول السريعة هو التأكيد على تفعيل عقد توريد الغاز التركمانستاني عبر إيران إلى العراق، لتجنيب العراق أية آثار سلبية للإجراءات الأميركية المحتملة على الجانب الإيراني.
الطلب على النفط
من جانب آخر، فإن التقارير الدولية، ولاسيما التقارير الصادرة من منظمة الطاقة ومنظمة أوبك وشركات الطاقة الكبرى، تشير إلى توقعات باستمرار تباطؤ الطلب العالمي على النفط خلال عام 2025، ما يعني أن أسعار النفط المتوقعة لن تتجاوز في أحسن الأحوال عتبة الـ 70 دولاراً للبرميل، بل قد تنخفض إلى مستويات 60 دولاراً في حالة ارتفاع مستويات المعروض النفطي العالمي. أسعار النفط الواطئة هذه لن تناسب الكثير من الاقتصادات الريعية، ولاسيما الاقتصاد العراقي، الذي تريد حكومته سعر برميل مرتفعاً فوق الـ 70 دولاراً، حتى يتسنى لها تنفيذ بنود موازنتها دون ضغوط، لكن، ومع أخذ المؤشرات الدولية على محمل الجد، فإنه من الضروري اعتماد سعر برميل تحفظي في الموازنة الجديدة، وتبني سياسة إنفاقية ذات انضباط مالي لتجنب الوقوع في فخ العجز العالي والاضطرار للتوسع في الاقتراض الداخلي والخارجي لتغطية أبواب الصرف الحكومي.
الربط البري
أما التحدي الآخر فيتعلق بجانب النقل، فبالرغم من إنجاز الأرصفة الخمسة لميناء الفاو، فإن المهمات المقبلة لقطاع النقل التجاري العراقي ستحمل المزيد من التحديات، أولها إكمال الربط البري بين ميناء الفاو وبقية الشبكة العراقية للنقل، وإيجاد مشغل دولي مناسب قادر على البدء بتشغيل الميناء بكفاءة وتسويقه دولياً لجذب حصص سوقية مناسبة من خلال تعاقدات مع شركات الشحن البحري العالمية وشركات اللوجستيات، كما أن مشروع طريق التنمية لايزال يراوح في مكانه بسبب تأخر التوصل إلى اتفاقات استثمارية دولية تسهم في تمويل هذا المسار الستراتيجي. هذا التأخير في الحصول على الاستثمارات اللازمة لتمويل مسارات المشروع يتطلب زيادة العمل المشترك مع الدول الأربع الموقعة على مذكرة تفاهم مشروع طريق التنمية، لتقييم نموذج عمل المشروع وإجراء التعديلات المطلوبة لكي يكون النموذج أكثر قرباً واتساقاً مع متطلبات سوق النقل وسلاسل الإمداد العالمية.
تداعيات إقليمية
ولا يفوتنا ختاماً، الإشارة إلى التغيير الدراماتيكي والسريع في سوريا وتسبب بإنهاء النظام السياسي الذي قد يحمل العديد من المؤثرات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة خلال عام 2025، لكن الوقت لايزال مبكراً لمعرفة كيف سيكون شكل المسار السياسي وطبيعة الوضع الأمني في سوريا لاستقراء انعكاسات هذا التغيير الجيوسياسي الكبير على الواقع الاقتصادي العراقي.
لكن، وبشكل عام، فإن العراق لم يكن لديه قبل مرحلة التغيير تبادل تجاري كبير مع الطرف السوري، إذ إن طبيعة التجارة البينية كانت منحصرة ببعض المواد الغذائية والاستهلاكية وبعض أصناف التجارة غير النظامية، التي قد تختفي بشكل كامل مع استمرار حالة إغلاق الحدود البرية بين البلدين.