نافـــــذة بيـــــــــع الـــــــــــدولار بين استنـــزاف المــــــوارد وتحقيق الاستقــرار

131

ضرغام محمد علي/

تعد آليات تحديد سعر صرف العملة المحلية إزاء العملات الاجنبية أبرزها الدولار الامريكي الذي يغطي مساحة تتراوح بين الـ 45 الى 60 بالمئة من التبادل التجاري العالمي من السياسات النقدية التي تتباين بين دولة وأخرى بالاعتماد على نوع الدخل الوطني ومتانة الاقتصاد وشكل الاقتصاد ونوع المورد. وتصنّف بشكل عام الى ثلاثة أنماط رئيسة؛ الأول هو سعر الصرف المقيّد وهو الذي تحدّده الحكومات او البنوك المركزية وتلتزم به مؤسسات الدولة والفعاليات الاقتصادية وهو معمول به في أغلب الاقتصاديات العربية ومنها الخليجية والاردن.
في حين أن النمط الثاني من التعامل مع سعر الصرف هو سعر الصرف شبه المقيد الذي يتم فيه تحديد سعر صرف مع وجود سوق موازية وتداول حرّ كما يحصل في العراق رغم أن التصور المرسوم على الورق أن سعر الصرف مقيّد الا أنَّه يتغيّر مع العرض والطلب، أما النمط الثالث وهو سعر الصرف المعوّم إذ إن تحديده يخضع للعرض والطلب ومدى متانة الاقتصاد وتنوع الموارد وهو ما موجود في العديد من اقتصاديات العالم.
ويمرّ حاليا تحديد سعر الصرف بأزمة حقيقية غير مسبوقة في العراق كلما زادت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي المحدّد من قبل البنك المركزي العراقي الذي يدرج في الموازنة العامة وبين سعر الصرف التجاري في السوق الموازية التي لا تزال الحكومة والبنك المركزي تحاولان تقليلها الى الحد الادنى عبر الأدوات النقدية للبنك المركزي ولعل أهمها ما قام به البنك المركزي مؤخرا من زيادة سقف المبيعات اليومية من الدولار الى مستوى يصل لمعدل 250 مليون دولار يوميا كمبيعات نقدية وحوالات خارجية لتغطية الاستيرادات والتعاقدات والالتزامات الحكومية والخاصة بهدف زيادة المعروض الدولاري لردم الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي.
الا أن المؤاخذات على سياسة زيادة المبيعات بهذا الشكل الخطير أنَّها قد تؤدي الى استنزاف خطير للعملة الاجنبية بشكل غير مدروس في ظل تراجع لأسعار النفط وبالتالي لعائدات العراق الدولارية إضافة لاحتمالية تعرّض العراق الى عقوبات من البنك الفيدرالي الامريكي في حال عدم وجود غطاء تجاري قانوني لعمليات البيع للدولار مع وجود شبهات تهريب عملة بحسب العديد من تقارير البنك الفيدرالي.
وبهذا فإنَّ مخاطر رفع سقف المبيعات بهذا الشكل الكبير الذي يتراوح بين دعم سعر الصرف الرسمي من جهة وسحب العملة المحلية لتغطية نفقات الموازنة القادمة في حال إقرارها التي تعدّ أعلى موازنات الإنفاق في تاريخ العراق وتحتاج الى شراء الدينار لتغطية مفرداتها التشغيلية والاستثمارية.
ورغم كون كلا الحالتين ملحة وضرورية الا أنَّها بحاجة الى إعادة مراجعة حقيقية لجعل سقف المبيعات معقولا ولا يستنزف الاقتصاد العراقي الريعي الهشّ ويتعامل في الوقت ذاته مع تلبية حاجة السوق الفعلية من العملة الاجنبية وتشديد الرقابة على منع تهريب العملة ومحاربة غسيل الأموال بموجب التعهدات العراقية مع البنك الدولي وهو ما يبرز الحاجة الى دراسات معمّقة بين الحكومة والبنك المركزي من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى لتحقيق التعامل الأمثل مع موارد العراق من العملة الاجنبية.
جدير بالذكر أنَّ البنك المركزي طرح فكرة إقامة مزاد لبيع العملة الاجنبية بعد عام 2003 مع تحفظ العديد من الاقتصاديين على مفردة مزاد كون سعر الصرف محدّداً سلفاً وأن تلبية حاجة المصارف يكون على أساس الحصص وهو ما يفقد مفردة المزاد موضوعيتها وتم تغيير التسمية الى نافذة بيع الدولار كتصحيح لوصف هذه العملية التي لم تفلح كل السياسات الاقتصادية في إيجاد بديل عنها لتغطية حاجات السوق المحلية الاستهلاكية بامتياز.