نحو الاقتصاد الرقمي.. المصارف نقطة الانطلاق

27

ياسر المتولي/

تتصاعد فعاليات الثورة الصناعية الرابعة في فورة تنافسية عالمية تتمثل أدواتها بالتحول الرقمي في مختلف الأنشطة العامة والخاصة، لا بل في مناحي الحياة كافة، فيما يخطو العراق خطوات بطيئة لمواكبة التطورات المستقبلية التي يحققها العالم المتقدم.

نختزل هذه الخطوات بجزيئة محاولات البنك المركزي العراقي بتوجهه نحو استحداث المصارف الرقمية (الإلكترونية) المتخصصة والسعي لإجازة عدد منها بهدف توسيع الخدمات المالية.
يأتي هذا في وقت دخول جانب من هذه الخدمة في عدد من المصارف الخاصة بافتتاح فروع متخصصة بهذا الإجراء، وهنا المطلوب تقييم هذه التجربة بعناية ومقارنة مزاياها وعيوبها لمعرفة آثارها الإيجابية والسلبية في عملية تطوير الخدمات المصرفية شريطة توخي المخاطر العرضية في بداية التجربة.
من جهتهم، يرى بعض المتابعين للوهلة الأولى أن التطور والذكاء الاصطناعي غير مرحب بهما بدافع اكتساحهما واختصارهما لعدد كبير من الوظائف، ما ينعكس على زيادة نسب البطالة بين الشباب، فيما يرى الخبراء بدفاعهم عن هذا الرأي ودحضه بالقول إن برامج الذكاء الاصطناعي تعني توليد فرص جديدة، وإن البيئة العراقية هي بحاجة إلى توطينها، كما أن على البنوك الرقمية تقديم خدمات مالية لدعم هذا المجال، فضلاً عن أن الواقع الرقمي بحاجة إلى أعلى مستويات الحماية الخاصة بحسابات الجمهور.
مساحة التمويل
إن من مزايا تفعيل آليات الاستثمار الإلكتروني وبرامجه، أنها تسهم في زيادة مساحة التمويل والسيطرة على فرص الاستثمار المقبلة، ولاسيما بعد ربطها بمشاريع واقعية تعزز ثقة المواطن بعملية الاستثمار وتقطع الطريق على شركات الاحتيال أصحاب التمويل الوهمية على طريقة (سامكو) القديمة.
ولضمان حقوق المستثمرين، يرى الخبراء إمكانية أن تقوم المصارف الرقمية بفتح حسابات الاستثمار بالذهب الورقي، واستقبال الودائع الذهبية. بالمقابل، فإن الأمر يتطلب من البنك المركزي القيام بتغيير قوانين الاحتياطي القانوني وتشريع خاص باحتياطي الذهب القانوني، أي بما يعادله من الذهب. وهنا فإن هذا التشريع سوف يسهم في سداد ودائع الزبائن نتيجة الاحتفاظ بقيمته خلال المدة الزمنية الخاصة باحتفاظ مقدار الاحتياطي القانوني في حال انهيار أحد المصارف، لا سمح الله، بحسب الخبراء.
معيار المقارنة
من مزايا هذه المصارف الرقمية أنها تختصر لنا عامل الزمن، فلا داعي للانتظار طويلاً من أجل الحصول على إحدى خدمات المصارف (القروض مثلاً)، خصوصاً أن القروض في النظام المصرفي المتقدم اصبحت متوفرة ببطاقات إلكترونية يمكن تسلمها بعد نصف ساعة من التقديم. ويدعو الخبراء صناع القرار إلى منح المزيد من إجازات ممارسة المهنة لهذا النوع من المصارف، أو إعادة تأهيل مصارفنا التقليدية بعد تطوير كوادرها، لخلق بيئة تنافسية إيجابية تحقق هدف البنك المركزي نحو الشمول المالي، فضلاً عن تذليل الكلف التي يمكن تخفيضها من خلال أمرين:
الأول زيادة المصارف الرقمية لخلق بيئة تنافسية. والثاني تشريع نسب ثابتة للخدمات المالية من قبل البنك المركزي وعدم تركها لمجالس إدارات المصارف، مع الأخذ بنظر الاعتبار معيار المقارنة بين جودة وكلف عشرة مصارف أجنبية رقمية في دول متطورة.
تحديد الكلف
أما فيما يخص عيوب التحول، ومنها أن المزاجية قد تلعب دوراً في تحديد الكلف، إذ إن كلف استحصال الرواتب الموطنة مثلاً، هي أعلى من مقدار الزيادة السنوية للموظف العراقي، ما يتسبب بتقلبات كثيرة للموظف في تغييره للمصرف وتوطين الراتب عند مصرف آخر. من أجل ذلك يتعين على البنك المركزي تحديد كلف الخدمات، وإلزام الجميع بها لضمان انسيابية العمل بشكل ميسر.
إن سبب اختيار هذه الجزئية في توضيح مزايا وعيوب العالم الرقمي هو لتوضيح أن المصارف الرقمية هي نقطة الانطلاق نحو اقتصاد رقمي رصين، وأن المؤشرات تؤكد حتمية مواكبة العالم الرقمي، الذي من دونه يتأخر البلد عن ركب العولمة بنسختها الجديدة، ويتحمل آثارها الموجعة.