هل تخلى البنك المركزي عن مهمة تمويل التجارة الدولية؟ 2025.. العراق بلا منصة لتحويل الدولار
أحمد جعفر
مع بداية عام 2025، سيتوقف العمل في المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية بالعملة الصعبة، إيذاناً بدخول مرحلة جديدة تعتمد على تعزيز التعاون بين المصارف العراقية ونظيراتها الدولية الكبرى. ويهدف البنك المركزي من خلال هذا الإجراء إلى التخلي عن المسؤولية المباشرة لتمويل التجارة الدولية، والاقتصار على تقديم الدعم والمساعدة في تسهيل هذه العمليات بين المصارف المحلية والمصارف المراسلة.
في مطلع عام 2023، استحدث البنك المركزي المنصة الإلكترونية من أجل مراقبة حركة بيع الدولار وعمليات غسل الأموال، عقب العقوبات التي أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية بحق 32 مصرفاً أهلياً. وعملت المنصة على تعويض المصارف العراقية التي لا تمتلك حسابات مراسلة مع مصارف أميركية لأغراض تعزيز عملة الدولار، إذ إن إلغاءها سيجعل التحويلات مقتصرة على المصارف التي تمتلك حسابات مع مصارف أميركية مراسلة فقط.
مصارف بلا عمل
وعلى الرغم من تفاؤل البنك المركزي بتلك الخطوة، يرى مختصون في الشأن الاقتصادي أن إنهاء العمل بالمنصة سيضع النظام المصرفي العراقي أمام تحديات، إذ ستخرج بعض المصارف من المنافسة وتكون بلا عمل. وفي ظل وجود بنوك جاهزة للعمل بهذا النظام الجديد، تبقى أخرى بحاجة إلى تطويرها ودفعها باتجاه أن تكون لديها حسابات مع بنوك مراسلة أميركية، من أجل منع أي ارتفاع قد يحصل في سعر صرف الدولار.
خطوة نحو الشفافية
يقول مظهر محمد صالح، المستشار المالي والمصرفي لرئيس الوزراء، في تصريح لمجلة “الشبكة العراقية”، إن “عملية التحويل الخارجي للعملة الصعبة مرت بثلاث مراحل رئيسة: الأولى كانت عبر نافذة بيع العملة، ثم انتقلت إلى المنصة الإلكترونية، وأخيراً إلى التعزيز المالي من خلال مصرف مراسل.”
وأضاف أنه “خلال عام 2024 جرى تحقيق أكثر من 90 بالمئة من عملية التحويل من المنصة الإلكترونية إلى آلية البنوك المراسلة مباشرة، بينها وبين المصارف العراقية، ذلك يعني أن المتبقي منها داخل المنصة قليل جداً، الذي سينجز تحويله بذات الآلية قبل نهاية هذا العام.”
وأشار صالح إلى أن “البنك المركزي لا يُعتبر مسؤولاً عن تمويل التجارة الخارجية بشكل مباشر، بل يقتصر دوره على تقديم الدعم والمساعدة في تسهيل هذه العمليات.” موضحاً أن “هذه الخطوة تمثل تقدماً إيجابياً، ولن تؤثر على أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، ولاسيما مع استقرار الحوالات المالية في الوقت الراهن.”
ويرى صالح أن “تلك الخطوة ستحفّز المصارف على المنافسة وإنشاء حسابات لدى مصارف مراسلة لتعزيز كفاءتها.”
استعدادات للمنافسة
من جانبه، أكد المدير التنفيذي لرابطة المصارف الخاصة، علي طارق، في تصريح لمجلة “الشبكة العراقية”، أن “هذه المرحلة تتطلب تعاوناً مكثفاً بين المصارف المحلية والبنك المركزي، لضمان الانتقال السلس نحو التعاملات المراسلة، بما يخدم المصالح الاقتصادية الوطنية ويعزز شفافية النظام المصرفي.” كما لفت طارق إلى أن “خطوة إنهاء المنصة تمثل بداية لمرحلة جديدة تعتمد على تعزيز التعاون مع المصارف الدولية الكبرى، وهو ما سوف يساعد العراق في بناء شبكة مصرفية قوية تسهم في تحقيق الاستقرار المالي وتسهيل عمليات التجارة الخارجية، خصوصاً مع شركاء العراق التجاريين الرئيسين، مثل الصين وتركيا والإمارات.”
البنوك الدولية
إلا أن الخبير المالي والمصرفي مصطفى أكرم حنتوش، أشار في تصريح خص به مجلة “الشبكة العراقية”، إلى أن “إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية سيضع النظام المصرفي العراقي أمام تحديات جديدة.”
واعتبر حنتوش أن “هذه الخطوة قد تؤدي إلى احتكار المشهد المصرفي من قبل عدد محدود من المصارف، ما يستدعي تدخل البنك المركزي لتوسيع نطاق التنافس.”
ودعا حنتوش البنك المركزي العراقي إلى “اتخاذ إجراءات فاعلة لدعم المصارف المحلية في فتح حسابات لدى البنوك العالمية الكبرى، مثل (جي بي مورغان) و(سيتي بنك)، أسوة بالمصارف الأجنبية التي تتمتع بامتيازات مماثلة.”
كما اقترح العمل على “تأسيس فروع للمصارف العراقية في الدول التي تمثل شريكاً تجارياً رئيساً للعراق، كالصين والإمارات، بهدف تسهيل التجارة وتعزيز التدفقات المالية الدولية.”
وشدد حنتوش على “أهمية تعزيز البنية التحتية المصرفية العراقية لمواكبة التحولات الاقتصادية العالمية.” مشيراً إلى أن “تطوير العلاقات المصرفية مع البنوك المراسلة الكبرى سيمنح المصارف العراقية القدرة على توفير حلول مالية أكثر تنوعاً، ما يسهم في تعزيز ثقة المستثمرين وتقليل الاعتماد على وسطاء غير رسميين في عمليات التجارة.”
مصارف مسيطرة
أما الخبير في الشأن الاقتصادي مصطفى الفرج، فذكر في تصريح لمجلة “الشبكة العراقية” أن “الآلية الجديدة ستقوم على علاقات مباشرة بين البنوك الأهلية ونظيرتها المراسلة والمعتمدة، ما يعني سيطرة خمسة مصارف أهلية في العراق على التحويل المالي من أصل عشرات المصارف العاملة.”
وأضاف أن “تلك المصارف الخمسة ذات رؤوس الأموال الأجنبية، هي من تسيطر على الحوالات في الوقت الحاضر، بسبب حساباتها مع مصارف عالمية دون غيرها من المصارف.” مشيراً إلى أنها “بدأت تحقق أرباحاً كبيرة من عملية التحويلات المالية. وتلك المصارف هي: (الأهلي العراقي)، و(مصرف المنصور)، و(مصرف بغداد)، و(مصرف الائتمان)، و(مصرف أبو ظبي).”
وانتقد الفرج “استحواذ تلك المصارف على عملية التحويل بالدولار على حساب المصارف العراقية الأخرى، في ظل غياب الرؤية الواضحة للبنك المركزي بشأن السياسة النقدية للبلاد”.