الحكومة تستجيب لمطالب المتظاهرين

1٬976

إياد عطية الخالدي / فريق العمل: ذو الفقار يوسف – آية منصور /

بينما أكدت المرجعية الدينية العليا دعمها لمطالب المتظاهرين، محذرة الحكومة وداعية إياها إلى تدارك الأمور قبل فوات الأوان، فإنها رفضت بشدة الاعتداءات التي تعرض إليها المتظاهرون السلميون والقوات الأمنية مطالبة الحكومة بتغيير أساليبها في التعامل مع مشكلات البلاد بما يحسن الخدمات وتوفير فرص عمل للعاطلين.

ونصحت المرجعية المتظاهرين بالمشاركة في الانتخابات كونها أفضل السبل لإحداث التغيير الذي ينعكس إيجابياً على حياتهم. وتحقيقاً لهذا الغرض طالبت المرجعية الدينية بأن يكون القانون الانتخابي عادلاً يراعي حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها وأن تكون المفوضية العليا للانتخابات مستقلة – كما قررها الدستور- ولا تخضع للمحاصصة الحزبية، وحذّرت من أن عدم توفير هذين الشرطين سيؤدي الى يأس معظم المواطنين من العملية الانتخابية وعزوفهم عن المشاركة فيها.

ومع أن الاحتجاجات خلّفت ضحايا كبيرة نتيجة المواجهات الدامية، إلا أنها حققت أهدافها بعد أن دقت ناقوس خطر كبير وضع الحكومة والقوى السياسية التي انبثقت عنها على محك اختبار كبير وهي تواجه تحديات حقيقية جرى تجاهلها رغم التحذيرات التي أطلقتها من قبل المرجعية ونخبة من مفكري البلاد ومثقفيها.
وفي سعيها لتلبية المطالب العاجلة للمتظاهرين أعلنت الحكومة عن حزمة قرارات، ولاسيما بعد أن أثبت المتظاهرون انتماءهم الوطني ووعيهم الكبير الذي فوت الفرصة على مخططات حاولت توجيه التظاهرات الى مسارات تهدف إلى تقويض النظام السياسي والانقلاب على الديمقراطية التي تظاهر الناس تحت خيمتها.
من مسرح الحدث
لم ينفض بعد عنه غبار معارك تحرير مدن العراق من تنظيم داعش، ولم تفارق ذاكرته تلك اللحظات العصيبة في الموصل والفلوجة وهو يتقدم مع رفاقه المقاتلين بين المفخخات والانتحاريين ليشاركهم في تطهير آخر شبر من براثن ذلك التنظيم الإرهابي، لقد وضع نفسه دائماً كمشروع شهادة وتضحية لحماية العراق وحرية شعبه وكرامتة كي تستمر ضحكات الأطفال ببلده وديمقراطيته التي ولدت في حقل ألغام من المؤمرات التي ليس بوسع إنسان على هذه الأرض أن ينكرها، لكن النقيب (حيدر الياسري) الذي وقف كي يحمي أبناء شعبه المتظاهرين للمطالبة بحقوقهم المشروعة لم يخطر في باله أن يخرج شخص مجهول من بين المتظاهرين ليلقي بوجهه مادة حارقة أفقدته الوعي لساعات وشوهت وجهه.

يؤكد النقيب حيدر الياسري أن المقاتلين في مختلف الأجهزة الأمنية ليسوا بحاجة لتوجيهات وأوامر لحماية المتظاهرين، فهم يدركون أن مهامهم حماية العراق والعراقيين، ومع ذلك كانت الأوامر والتوجيهات واضحة تؤكد على أهمية حماية التظاهرات السلمية.
من هم المتظاهرون ؟! يتساءل النقيب الياسري الذي شارك في كل المعارك الكبرى ضد تنظيم داعش وآخرها معركة تحرير الموصل ويجيب: إنهم إخوتنا وأبناء عمومتنا وأصدقاؤنا، فكيف لانحميهم وكلنا نعرف أنهم خرجوا يطالبون بحقوقهم المشروعة، لكن لم نتوقع أن تستغل جهات مشبوهة تلك المظاهرات وتحولها من احتجاجات سلمية الى مواجهات تهدف لزرع الفتنة بين قواتنا وبين المتظاهرين السلميين.

صدمة
يقول المتظاهر (وليد رزاق) إن السبب الذي دفعه للخروج الى التظاهرات هو الحصول على فرصة عمل سواء في وظيفة أو التطوع في الجيش، ويضيف: لقد ذهبنا الى ساحة التحرير كل منا له سبب، فصديقي (سلام الصرايفي) كان أكثر غضباً واندفاعاً لأنه اشترى قطعة أرض وبناها قبل أن تهدّها الأجهزة المختصة معتبرة إياه متجاوزاً، إنه يريد سقفاً يحميه وعائلته المكوّنة من ستة أفراد وجدوا أنفسهم اليوم في العراء.
وقال متظاهر، طلب عدم الإشارة الى اسمه، إن أحدهم اقترب منه وحاول إعطاءه قنينة لاستخدامها ضد القوى الأمنية لكنه رفض وعرف فيما بعد أنها كانت (مولوتوف)، مؤكداً أن المتظاهرين لم يكونوا مسلحين ولم يحملوا سوى الأعلام العراقية والرايات الحسينية وأن الذين كانوا يرمون القوى الأمنية بالحجارة والمولوتوف اختلطوا بالمتظاهرين بعد ساعتين من بدئها تقريباً.

صور رائعة
يروي المتظاهر (محمد الشويلي) صوراً رائعة في بدء مظاهراتهم السلمية قبل أن تختطفها منهم جهات مجهولة حولت مسارها السلمي الى صدامات دموية، ويقول: كانت الحناجر تهتف بأصوات مجلجلة ضد الفساد وغياب الفرص العادلة في التعيين، ولكن عندما وصلنا الى أحد المستشفيات نبهنا عدد من المتظاهرين إلى أننا قرب المستشفى فعبرنا الى الجهة الأخرى بهدوء كي لانسلب المرضى راحتهم حتى عبرنا فعادت الهتافات السلمية.
ويروي (حسن خصاف) أنه عندما حدث تبادل لإطلاق النار بين مجموعة من المندسّين والقوات الأمنية قامت مجموعة بضرب أحد مقاتلي الأجهزة الأمنية، لكن عدداً من المتظاهرين حملوا المقاتل وخاطروا بحياتهم حتى تمكنوا من نقله إلى سيارات الإسعاف التي نقلته بدورها الى المستشفى.
ويقول (وسام رحم)، من أهالي بغداد الجديدة، إنها ليست المرة الأولى التي يخرج فيها إلى التظاهر ويعبر عن رأيه، لكنه فؤجئ هذه المرة بأن التظاهرات هي عبارة عن مواجهات، وقال إنه قرر عدم المشاركة منذ اليوم الثاني للتظاهرات، حيث حدثت صدامات عنيفة بعد قيام البعض باستفزاز القوات الأمنية، ماحوّل التظاهرات الى صدامات عنيفة ودامية وجعلني أحذر أصدقائي من تحول التظاهرات الى صدامات وأن مجهولين يدفعون الى تحويلها الى صدامات بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية.

وقال: للأسف استشهد جاري وصديقي (محسن) في التظاهرة قرب مول النخيل على يد مندس مجهول وجرح شباب آخرون كان هدفهم التعبير عن غضبهم من الفساد إذ أن منزلهم الذي جرى تهديمه بحجة أنه تجاوز اشتروه من أشخاص بأوراق ومكاتبات رسمية، لكن هدم بيتهم ولم يعيدوا لهم أموالهم ويحاسبوا من باعهم لأنه مسنود من جهات فاسدة.

يقول فارس حازم مهدي (23 عاماً) وهو يرفع رأسه الى السماء ويقسم : “أشهد أمام الله أن بداية التظاهرة كانت سلمية بأكثر ما يكون للسلام من وصف، فلا عصيّ ولا حرق ولا انتهاك او تخريب من قبل المتظاهرين ولا من القوات الأمنية، ولكن سرعان ما حدث صدام وتحولت التظاهرات الى مواجهات دامية بالرصاص الحي أصيب جراءها العشرات من المتظاهرين وعلى مايبدو فإن القوات الأمنية استفزها قيام مجهولين برمي عبوات حارقة ضدها فردت بعنف واختلط الحابل بالنابل.

تحريض وفتنة
المحلل السياسي (نجم القصاب) نفى من وجهة نظره وجود مؤمراة خارجية في التظاهرات وذكر أن أغلب المحتجين هم شباب غاضبون لاينتمون الى أحزاب ولايرتبطون بمشاريع سياسية وأن الحكومة أقرت بحقوقهم وعدالة قضيتهم حين اعتبرتهم شهداء، إن هؤلاء الشباب العزل ليسوا طائفيين وخرجوا مطالبين بحقوقهم فقط.

من جهتها، أكدت الصحفية (نجلاء الخالدي) أن التظاهرات كانت عفوية وخرجت من رحم الغضب العراقي على الفساد وأن أغلب المتظاهرين يحملون مطالب مشروعة ويحلمون برؤية بلدهم عظيماً، لكن من البديهي أن المؤمرات حاضرة في المشهد وهو أمر ليس مستغرباً ومفاجئاً، وفي النهاية فإن القوى السياسية هي المسؤولة عن وصول العراقيين الى هذا الوضع الذي تحول الى بركان يمكن لأية جهة أن تفجره.

وفي الواقع لايوجد عاقل يضع أمامه شريط أحداث العراق منذ سقوط النظام السابق لغاية اليوم ليرى حجم هذه المؤمرات وهول الحشد الإعلامي الذي يحاول وأد التجربة العراقية الفريدة التي مازلنا رغم كل الفساد وكل الخراب مؤمنون تماماً بأنها الطريق الوحيد الذي يجب أن نمضي فيه لأنه طريقنا المعبَّد بالدم والتضحيات الغالية، إن العراق كان ولم يزل جزءاً من صراع ملتهب في المنطقة وإن من السهولة تحويل غضب الناس الناتج من فشل بعض أجهزة الدولة الى صراع لا ناقة للعراق فيه ولا جمل فما علاقة متظاهر، خرج يطلب خدمات وعملاً ويرفض الفساد، بالصراع الإقليمي في المنطقة وماعلاقته بتلك الشعارات التي تريد تقويض الديمقراطية التي هو يتظاهر تحت خيمتها وحمايتها ومن يطالب بحقوقه إن كان يدعو كما يدعون الى إسقاط الدولة؟
وفي معرض ردّه على تعليق لأحد المحللين الذين كان يتحدث لأحد الفضائيات يقول الكاتب والصحفي محمد الصواف: أسأل هذا المحلل وغيره هل هناك بلد تعرض الى المؤمرات أكثر من العراق؟ إن لم يكن هناك متآمرون فلماذا اشتعل العراق بحروب الفتنة ولماذا تحولت مدن العراق الى مسرح للحرب ومن الذي أرسل الانتحاريين الى العراق ومن الذي مولهم ومن الذي دعمهم ومن فجّر المخّخات وهل انتهى هؤلاء؟ هل توقفوا بعد هزيمتهم أم أنهم مازالوا ينتهزون الفرص لافتراس العراق وإعادته الى الوراء؟ لكن هذه المرة للأسف بدم أبنائنا واستغلالاً لغضبهم واحتجاجاتهم ضد الفساد وأنا أحمد الله أن شعبنا وجيشنا يثبت في كل مرة أنه أكثر وعياً وأكثر قدرة على إحباط المؤمرات التي يمكنني القول للأسف كان أعداء العراق وصوتهم حاضرين في التظاهرات، لكنه صوت نشاز أراد أن يركب موجة التظاهرات ويحولها الى مصادمات وحمّام دم يهدف إلى سلب أهم منجز في تاريخ العراق ألا وهو حريتهم ونظامهم الديمقراطي .
إن المحتجين والغاضبين ليسوا عملاء ولكن المتآمرين ليس بالضرورة أن يرسلوا رجالاتهم، وسوريا وليبيا أمامنا، فالدول التي تربصت بهما وحولتهما الى حروب وخراب وفتنة، لم ترسل جيوشها إليهما، إنما دمرهما أبناؤهما العاقين.
متى كان المتآمرون يحضرون الى المواجهة بأنفسهم لكنهم كانوا دائماً حاضرين يحركون الأحداث بأموالهم وأداودتهم.

حكومة المرحلة
ومنذ اليوم الأول لانطلاق التظاهرات أكدت الحكومة أحقية المتظاهرين ومطالبهم العادلة، لكن المشهد كان واضحاً أمام القيادات في البلد إذ حذر رئيس الجمهورية برهم صالح من المتربصين والمجرمين باستهداف المتظاهرين وقوات الأمن على حد سواء.
وأعلن الرئيس عزمه على “إجراء تعديل وزاري جوهري” يستجيب لمطالب الشارع في وقت كان مجلس محافظة بغداد يصوت على استقالة المحافظ فلاح الجزائري، بينما واصل مجلسا الوزراء والنواب ورئيسيهما عادل عبد المهدي ومحمد الحلبوسي إصدار وتشريع حزمة من القرارات والقوانين التي وصفت بالتاريخية .

ووسط الأسى والألم الرسمي والشعبي استعادت بغداد ومدن العراق حياتها الطبيعية لكن بعد أيام من الاحتجاجات التي أزهقت فيها أراوح أبناء العراق من المتظاهرين ومنتسبي الأجهزة الأمنية وهي دماء ما كان ينبغي أن تسيل وأرواح ماكان ينبغي أن تزهق وتظاهرات ماكان ينبغي أن تتحول الى فتنة يستغلها أعداء العراق وشعبه.

حزمة إصلاحات
وعلى الرغم من التضحيات الجسيمة فإن الاحتجاجات حققت أهدافها ووضعت الحكومة والقوى السياسية في البرلمان أمام مسؤوليتها وعلى محك اختبار كبير فإما أن تمضي سفينة العراق تحمل الجميع الى شاطئ الأمان وإما أن تغرق السفينة بكل من عليها، هذا هو التحدي الكبير والبيئة الجديدة للعمل والتفكير السياسي الذي وفّرته الاحتجاجات ودفع مختلف القوى الفاعلة الى التفاعل معه والارتقاء الى مستوى تطلعات الشعب وسقف طموحاتها الكبير.
وكانت نتائجه الأولى حزمة قرارات عالجت الملفات التي لايمكن الانتظار في حلّها فتحولت الى أوامر واجبة التنفيذ، وحتى تجد القرارات طريقها سالكة فقد أزاحت الحكومة في هذا الاتجاه نحو ألف مسؤول فاسد لطالما استغلّوا هموم الناس واعتاشوا على آلامهم ومعاناتهم.
– وفتح باب التقديم على الأراضي السكنية المخصصة لذوي الدخل المحدود، وتنفيذ برنامج وطني للإسكان يشمل بناء 100 ألف وحدة سكنية .
– وفي إطار حل ناجع لرفع العوز عن كل عراقي فقد تم منح 150 ألف شخص من العاطلين، ممن لا يملكون القدرة على العمل، منحة شهرية.
– ومن أجل فتح المزيد من نوافذ العمل فقد تم الاتفاق على توفير ما لا يقل عن 45 ألف فرصة عمل للمواطنين.
– وفتحت وزارة الدفاع باب التطوع للشباب من عمر (18 – 25)، وتتخذ وزارتا الدفاع والداخلية «الإجراءات الأصولية» لإعادة المفسوخة عقودهم في المحافظات كافة.

وشملت القرارات اعتبار الضحايا من المتظاهرين والأجهزة الأمنية «شهداء»، وشمولهم بالقوانين النافذة، ومنح عوائلهم الحقوق والامتيازات المترتبة على ذلك.
التزام

وتعهد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، خلال جلسة الحكومة، بالالتزام بتقديم الفاسدين للقضاء داعياً القوى السياسية إلى التعاون لتوفير جميع شروط الإصلاح.
وكان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي شدد على وجوب وضع «الحيتان الكبيرة» من الفاسدين في السجون.
على صخرة الوعي

وإذا كان الحزن يملأ الصدور لأن دماء أبناء العراق والمتظاهرين الشجعان أريقت على الأرض، لكن المفرح هو أن الشعب العراقي قدم درساً في التضحية ونكران الذات، فعندما شعر المتظاهرون بخطورة الوضع ووجود مخططات تقود الى تخريب بلادهم وتجعل منهم ومن مظاهراتهم ودمهم المسفوك مشاريع لأجندات خارجية، سرعان ما انسحبوا لتتحطم على صخرة الوعي العراقي مخططات خبيثة أرادت السوء بالعراق وقواته الأمنية ومتظاهريه الشجعان.