العالمة سما حسان تتألق في سماء اليونسكو
إياد الخالدي /
بخطوات واثقة، تقطع سما طموحاتها العلمية كشابة عراقية مثابرة، يجمعها مزيج من المحبة والإعجاب بأستاذتها القديرة الدكتورة ريام ناجي، حاملة جوائز عالمية عدة في بحوث الأحياء، وأول عراقية تنال جائزة لوريال ـ اليونسكو، التي رأت نفسها في طالبة تحمل جذوة متقدة من الحماس والاجتهاد، كانت ثمارها عملا قاد سما حسان إلى جائزة اليونسكو عن بحثها الذي يقدم حلولا لواحدة من أعقد المشكلات البيئية للدول المنتجة للنفط خصوصاً.
الشابة التي لامست الثامنة والعشرين عاماً، تمتلك، بخلاف وجهها الطفولي الخجول، الحماس والإرادة على تحقيق أهدافها، يملؤها شعور بالفخر وهي تعتلي منصة «إكسبو 2020 دبي» العالمية، التي احتضنت نسخة 2022 من جائزة لوريال ـ اليونسكو التي تحتفي بالمنجزات العلمية لنساء الشرق الأوسط اللائي يشكلن نماذج مضيئة وملهمة للنساء في البحث العلمي.
تجاهل رسمي وإعلامي
وبين زحمة أخبار الخلافات بشأن تشكيل الحكومة، وأخبار عمليات الإرهاب، مر خبر فوز العالمة الشابة، طالبة الدكتوراه، سما حسان علي رحمة الله بجائزة لوريال ـ اليونسكو للعلوم، من دون أن تعير له الفضائيات ومنصات التواصل أدنى اهتمام، فيما شغلت زميلاتها، اللائي وقفن إلى جانبها على منصة التتويج، الفضائيات واحتل خبر فوزهن مساحة واسعة من التغطية الإعلامية، وحظين باستقبال باهر من كبار القادة والمسؤولين في بلدانهن وباحتفاء رسمي وشعبي بمنجزهن العلمي.
مع هذا، لم يسلب الاستقبال الفاتر، على المستويين الحكومي والإعلامي، حماس العالمة الشابة، فهي فخورة بفوزها على الرغم من شدة المنافسة وسعيدة بحصولها على الجائزة، ولا يمكن أن تصف تلك اللحظات الرائعة التي صعدت فيها إلى المنصة لتسلم جائزتها، وهي جائزة مهمة في حياة سما ومستقبلها المهني، كما أن حصولها على منحة تتيح لها التدريب في إحدى الجامعات الكندية أمر مهم، لكن فوز سما كان ينبغي أن يجد ما يوازيه من أصداء لنساء اختارتهن لجنة تقييم عالمية لكي يكونن ملهمات لسواهن من بنات بلادهن.
رسالة من سما
ولكونها عالمة شابة ملهمة لسواها من الشابات، تؤكد سما حسان على أنه لا ينبغي للمرأة أن تستسلم للتحيز في متابعة مسيرتها المهنية في العلوم.
وتأمل أن يشجع فوزها الباحثات في العراق والوطن العربي على الإيمان بأنفسهن، والقتال من أجل القضية التي اخترنها، إذ سيأتي الوقت الذي ستشرق فيه الشمس على جهودهن، فهي عندما عملت لم تفكر أبداً، قبل 10 سنوات، في أنها يمكن تلتحق بالعلماء الذين يكافئهم لوريال – اليونسكو، لكنها هنا اليوم تتلقى الحفاوة وهذا التقدير الساحق.
دعم من العائلة
ولدت سما علي حسان في بغداد بحي المنصور عام 1993، وهي البنت الوحيدة لأُسرة تضم شقيقاً لها، تدين بتفوقها وما تحقق لها لوالدها حسان علي (متقاعد في وزارة الصحة)، فهو من شجعها على مواصلة دراستها وكان، ووالدتها وشقيقها، عائلة رائعة عبدت الطريق لنجاح الابنة المجتهدة سما، التي لديها الكثير من المشاريع والأفكار التي تسعى إلى تحقيقها.
تخرجت سما في إعدادية الرسالة للبنات، ودرست في الجامعة المستنصرية حيث حصلت على «البكالوريوس» في علوم الحياة، و«الماجستير» من الجامعة نفسها.
سما تلفت الأنظار
بفضل تفوقها ودعم أساتذتها وعائلتها، لفتت سما حسان الأنظار إليها في مؤتمرات محلية ودولية، ونالت شهادات تقدير. وهي تعرف أن ما تلقته من تعليم في بلدها يحتاج إلى تعزيزه بما وصلت إليه الأبحاث في العالم.
ولأنها تشتغل بالعلوم وتمتلك نظرة واقعية، فإن الباحثة سما تركز على دراسة مخلفات استخراج النفط، وتأثيرها على الكائنات الحية بما فيها الإنسان، وهو بحث يضعها في الميدان وقرب الحقول النفطية، لكنها أثبتت جدارتها في كل مرة على تحدي المصاعب.
اهتمام دولي
أثار بحث الطالبة سما اهتمام وتقدير اللجنة العلمية، نتيجة لتأثيره على زيادة معايير جودة الحياة والاهتمام بالقضايا البيئية، وهو أمر يساعد منظمة الصحة العالمية على حل المشكلات المتعلقة بالتلوث البيئي، ولاسيما أن منطقة الشرق الأوسط منطقة غنيه بالنفط، فهو يشكل العصب الرئيس للطاقة، التي أدت –بالتالي- إلى الإضرار بالبيئة وبنوعية حياة الإنسان، ومن هنا يأتي اهتمام منظمة الصحة بالبحث، لأنه يبحث في إيجاد طرق علاج بايولوجية للحصول على بيئة سليمة صالحة للعيش، وهو ما يحقق ويدفع بالتنمية المستدامة إلى أمام.
مع الدكتورة ريام
إن لقاء عالمة شابة مع أستاذة قديرة تشرف على بحثها، هي الدكتورة ريام ناجي عجمي، شكل لها دافعاً إضافياً، ومنحها القدرة والخبرة على تجاوز الصعاب، كانت ناجي بالفعل الداعمة الأولى لها بعد الله سبحانة وتعالى، فقد رأت في سما نفسها، فغرست كل ما تمتلكه من معرفه علمية في العالمة الشابة بهدف تحقيق أحلامها.
تأسس برنامج “لوريال – يونسكو من أجل المرأة في العلم”، عام 1998 انطلاقاً من إيمان راسخ بأن العالم بحاجة إلى العلم، وأن العلم بحاجة إلى المرأة، وسعى البرنامج من أجل المرأة في العلم، وإلى تشجيع النساء العالمات وتحفيزهن وتكريمهن في جميع أنحاء العالم.
وفي كل عام، يقوم البرنامج بتكريم النساء اللواتي نجحن في القيام باكتشافات استثنائية في مجال عملهن في أكثر من 110 دول.
شكراً لجامعتي.. شكراً لأساتذتي
وشكرت الباحثة سما حسان رئيس الجامعة المستنصرية الأستاذ الدكتور حميد فاضل التميمي، الذي استقبلها بعد فوزها بجائزتها العلمية العالمية،
الذي بارك للباحثة ومشرفتها الأستاذة الدكتورة ريام ناجي عجمي، هذا التميز العلمي الرائد، عاداً هذا الفوز تأكيداً على قدرة الباحث العراقي في رفع اسم ومكانة البلد في المحافل الدولية والعالمية، مؤكداً أن هذا الفوز سيكون حافزاً لسما في المجال الذي أحبته، فالعلوم الطبيعية واسعة وهي شغوفة بكشف أسرارها.
كما شكرت الباحثة سما عميد كلية العلوم د. محمد فرج، عميد الكلية الذي تابع لحظات فوز طالبته المجتهدة بالجائزة بحماس وفخر، مؤكداً استعداده لتقديم كل ما في وسعه للارتقاء بعمل كليته التي تميزت ببحوثها الرصينة التي حققت العديد من الجوائز العالمية، ما أسهم في تقدم الجامعة المستنصرية وتعزيز مكانتها العلمية ورصانة شهادتها.
تصف سما وأستاذتها د. ريام ناجي، عميد الكلية د. محمد فرج، بأنه أستاذ مليء بالمحبة والحماس لرؤية نجاح طلبته وزملائه في الكلية.
ولا تنسى الباحثة الفائزة بجائزة لوريال ـ اليونسكو تقديم الشكر إلى أساتذتها الذين تتلمذت على أيديهم منذ دخلوها الجامعة لغاية مرحلة الدكتوراه، ولاسيما د. هدى فاروق، د. عالية عصام، د. هاشم كاظم، د. آلاء جبار، د. إيمان ناطق.
تهدف هذه الجائزة، أيضاً، إلى تحسين وضع المرأة في العلوم عن طريق التعريف بالباحثات النساء اللواتي ساهمنَ في مجال التقدم العلمي.