العقال النجفي يلاقي رواجاً عربياً
النجف/ تحقيق وتصوير : صادق العزاوي/
تشتهر أسواق النجف الأشرف بصناعة العقال النجفي، فهناك الذي يرجح المختصون أنه يعود الى السومريين الذين اعتمروا العقال، مستندين بذلك الى وجود تمثال سومري لرجل يعتمر العقال، وهناك من يرى أن العقال مشتق من (عقال) البعير، أي الحبل الذي يعقل به البعير، وكان العربي في أثناء ركوبه بعيره يعقده على رأسه. كما أن العقال يوضع لتثبيت الغترة أو ما يسمى بـ ( اليشماغ).
وتشتهر مدينة النجف الأشرف بصناعة العقال منذ أمد بعيد، وهناك روايات تثبت وجوده خلال فترة حكم ملك الحيرة النعمان بن المنذر. ولتسليط الضوء أكثر على هذه الصناعة العريقة نلتقي الحاج (حميد كاظم حميد تويج) وهو واحد من أشهر العاملين في هذه الصناعة منذ ستين عاماً..
الوقار والرفعة
يقول الحاج حميد إن “العقال يمثل (التعقل)، لما يضفيه على مظهر الرجل، إذ يكسبه الوقار والرفعة، وتكون تصرفاته محسوبة ودقيقة من قبله ومن قبل الناس في مشيه وجلوسه وجميع تصرفاته.”
تعتبر صناعة العقال النجفي من أقدم الصناعات اليدوية في النجف، إذ تشتهر أُسر عدة في هذه الصناعة ومنهم: البو تويج، والشمرت، والجشعمي، والمؤمن، من الذين توارثوا هذه المهنة أباً عن جد عبر السنين.
خيوط الماعز
ولعل أهم ما يميز العقال النجفي هو خيوطه النسيجية التي يحصل عليها من الماعز والمرعز (الرخل)، إذ يكثر وجود هذا الحيوان في شمال العراق، ولاسيما في مدينة سنجار ويتميز بصوفه الناعم، كذلك هناك صوف آخر يستورد من الخارج وهو الصوف اللندني (من مدينة مانشستر)، وهو الأغلى من حيث السعر، إذ يصل سعر الكيلوغرام الواحد منه الى 150,000 دينار عراقي.
بعد الحصول على الصوف يجري غسله ومن ثم تفريقه أو تفريطه (يتبشتك)، ثم يغزل ويغسل مرة أخرى، ويصبغ حسب اللون المطلوب، بعد ذلك تلف معه خيوط من القطن لكي تشكل الحشوة الداخلية له، ثم يبرم على شكل أسطواني، وبعدها يتم فصله ليصبح طبقتين، واحدة تكون في الأعلى وأخرى في الأسفل، لننتقل بعدها الى مرحلة صناعة رقبة العقال التي تنتهي بما يعرف بـ (الشيرازة) أي التطريز، ثم يوضع هذا الشكل في القالب الخشبي لكي يأخذ شكله النهائي، وبعدها تبدأ عملية خياطته وشدّه، وأخيراً تصنع (الكركوشة) التي تعمل على حفظ توازن العقال لكيلا يسقط..
ألوان وأنواع
والعقال أنواع وأحجام وعلى أوزان مختلفة. وتتميز بعض العشائر بعقال خاص بها، فهناك عشيرة يكون العقال المصنوع لديهم سميكاً وبارزاً في الوجه، وعشيرة أخرى يكون عقالهم رفيعاً، إذ يكون سمكه بسمك الأصبع، أما بالنسبة لأنواع العقال فهناك الصغير والكبير والوسط. وتستغرق صناعة العقال إذا كان كامل البطانة بحدود ساعة من الزمن، أما منذ البداية فيستغرق بحدود ساعة ونصف الساعة.
والعقال النجفي مرغوب حتى في دول الخليج العربي وأيضاً في سورية، والسبب في ذلك يعود الى تميزه عن غيره بخيوطة الجيدة المتينة، وتكون صناعته بأيدٍ ماهرة ومحترفة.
أما العقال المرعزي فيمتاز بكثافة وخشونة الشَّعر، بينما يمتاز اللندني بنعومته وقلة شعره.
العقال الوسطاني يستلزم 60 متراً من الخيوط، في حين أن العقال السميك يستلزم 100 متر، والامتار هنا محسوبة، ويكون سعره مرتبطاً بحجم وسمك العقال. أما أثقل عقال في الوزن فهو الذي يبلغ وزنه مئتين وخمسين غراماً. وإذا زاد عن ذلك فيكون ثقيلاً على الرأس.
وعن تأثير المستورد على صناعتهم، أجابنا الحاج حميد قائلاً: “لا يمكن أن يؤثر ذلك على إنتاجنا لأنه مهما صنع من المستورد فلن يمكنه أن يصل الى جودة ومواصفات العقال النجفي.” مؤكداً أن “هذه المهنة لا يمكن أن تندثر إذ يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.” وأشار أيضاً الى إمكانية تطوير هذه الصناعة من خلال:
أولاً: دعم الدولة بجلب أحدث المكائن.
ثانيا: دعم وتطوير الأيدي العاملة الماهرة، وكذلك توفير الصوف الجيد، وبذلك تتطور هذه الصناعة.
وأخيراً فإن العقال النجفي المصنوع من خيوط (المرعز) يعتبر من أجود أنواع العقل، فهو لا يتأثر لونه ولا يتغير بسهولة، عكس العقال المصنوع من خيوط القطن أو خيوط النايلون. ويزداد الإقبال على شرائه خلال فصل الشتاء باعتباره زيّاً متوارثاً، كما أنه يمنح الدفء لمنطقة الرأس خلال ارتدائه في هذا الفصل.