سارة السهيل: المرأة تملك مقومات الحكاية والرواية بالفطرة

681

 محسن إبراهيم/

في داخلها طفلة تلهو وتمرح وتداعب أضواء القمر وتنام في عش عصفور صغير, خطت أحرفها الأولى بحس الطفولة المفعم بالبراءة والأمل، فكان الوطن هاجسها الأول كونها عاشت وسط أجواء السياسة والانتماء الوطني، فهي ابنة الشيخ طالب السهيل، الذي اغتالته النظام السابق الطفولة كنزها الثمين المليء بالبراءة والخيال الجامح، سبرت أغوار هذا الكنز وترجمته في بناء شخصية الطفل من خلال ماكتبته لأدب الأطفال, شاعرة تحمل في كينونتها مشاعر الأنثى ونبضا يفيض بالعطاء الدافئ
مع الشاعرة والكاتبة سارة السهيل كان لنا هذا الحوار:

* ما أول ماخطّه قلمك.. وكيف تتابعت الخطوات فيما بعد؟

– كان الشعر يملأ كل كياني، فتأثرت به في الطفولة المبكرة وخلال دراستي في المرحلة الابتدائية، فكتبت عدة مقاطع شعرية بحس طفولي مفعم بالبراءة والأمل وكتبت عن الوطن، خاصة أنني نشأت في أسرة لها باع في عالم السياسة والانتماء, كان أبي زعيما سياسيا دفع حياته ثمنا ايمانه بمبادئه السياسية و دفاعا عن وطنه، ولاشك في أن التجربة الشعرية الأولى قد اثمرت فيما بعد عن ديوان صهيل كحيلة ومن ثم نجمة سهيل وديوان شعري كامل “دمعة على أعتاب بغداد”.ثم كانت بعض التجارب في قصص الأطفال تأثرا بطبيعة الحال بما كنت أقرأه من قصص الأطفال المترجمة في مرحلة الطفولة، والتي تطورت في تجربتي فيما بعد واثمرت عن عدة أعمال للأطفال .

* أدب الطفل أخذ حيزا كبيرا مما تكتبين؟

– الطفولة في تقديري هي كنز العالم الثمين الذي يحافظ على انسانيتنا من الغرق في دوامات المادية التي يعيشها انسان القرن الحادي والعشرين، بل الطفولة ببرءاتها وأحلامها ونقائها وخيالها الجامح هي طوق النجاة لعالم صارأكثر وحشية وسفكا للدماء، فكم من انسان بائس عندما يبستم في وجه طفل مشرق بأنوار الأمان الداخلي تتغير مشاعره من الكآبة الى الفرح والأمل. وكم من مريض ينسى آلامه المبرحة عندما تبرق في عين طفل نظرة حنان، ولذلك فأن الطفولة تستحوذ على جانب كبير من كتاباتي فهي معين لا ينضب من الالهام .ومن جانب آخر، فقدت والدي في سن صغيرة جدا، وهذا بالطبع ترك في داخلي معاني ربما تصعب الكلمات عن وصفها لكنها تترجم بالفعل في لحظة الكتابة للأطفال وكل همي هو كيف أدخل الفرحة الى قلب طفل، كيف أنمي عقله وتفكيره، كيف أحقق له اشباع خياله ووجدانه معا .

*ما سر شغفك بأدب الطفل ومسرحه، هل الطفلة الصغيرة داخلك تلقي بظلالها على قلمك وإبداعك؟

– لاشك في أن اهتمامي بعالم الطفولة ناتج عن أنني ما زلت أشعر بداخلي أنني طفلة تلهو وتمرح وتداعب أضواء القمر وتنام في عش عصفور صغير وتنظر لضوء الشمس كزهرة عباد الشمس فتتفتح وتنبض بالحياة، ولما كان قلبي عامرا بمعاني الطفولة، جاء عقلي وخيالي ليعكسا ما يحمله القلب من تبني لفضاء الطفولة الواسع، فكانت كتاباتي للأطفال من قصص ومسرحيات ومنها مسرحية “سلمى والفئران الأربعة ” وغيرها .وايماني بالطفولة وأهميتها في حياتنا ومستقبلنا، فأنا أحاول الاسهام في بناء شخصية الطفل عبر كتابة أدب الأطفال الذي يكتسب أهمية متزايدة في البناء العقلي والنفسي والوجداني للطفل ويطلق العنان لخيالهم نحو المزيد من التفكير والتذكر والتعلم وتنمية مهاراتهم وتقويم سلوكهم الاخلاقي كما أنني سعدت بأنني عملت مناهج تعليمية للأطفال للصفوف المبكرة, شعرت بأنني ممكن أن أحول العلم إلى متعة حقيقية إذا عرفت كيف أصل الى الأسلوب الذي يجذب الأطفال إلى المعلومة وربما هذا ما جعلني مؤخرا أكمل دراسة الماجستير في علم النفس.

*من الأقرب إلى سارة السهيل الشاعرة، أم كاتبة قصص الأطفال، أم كاتبة المقالات؟

– الكاتب ينضح بما فيه من خبرات انسانية وثقافية واجتماعية، ومن لحظات تدفق شعوري تختار لنفسها القالب الذي تصب فيه لحظة الابداع، فكل لحظة كتابة هي لحظة ابداع، اما عن تجربة معايشة او عن لحظة تأمل وتخيل، وعلى ذلك فإنه لا يمكن استشعر أيا من هذه الحقول أعمق من الأخرى في داخلي، فكل تجربة قصصية للأطفال لها فرحة ميلادها كما كل تجربة شعرية لها اشراق خروجها للنور فلا تمييز بينهما في التفضيل، أما كتابة المقالات برغم أنها تتضمن أيضا التعبيرعن موقفي تجاه قضايا معينة، أنها تمثل تجارب عقلية في الكتابة أكثر منها ابداعية متخيلة، وكتابة المقالات تعد ضرورية للكاتب حتى يظل مرتبطا بقضايا واقعه، ويسهم ولو برأيه في علاجها بعيدا عن العالم المتخيل الافتراضي للابداع الشعري .

*هل تنفصل الشاعرة عن كينونتها الأنثوية؟

– الشاعرة تحمل مشاعر الأنثى ككيان ينبض بالحنان ويفيض بالعطاء الدافئ، كما تحمل الشاعرة في كينونيتها انسانية الإنسان في اي مكان بالعالم ذكرا او انثى وذلك عندما تعبر بنبضات شعرها عن اي قضية انسانية، وبالتالي فانه لا انفصال بين الانثى الشاعرة، والشاعرة الإنسان فكلاهما يعطي الآخر بعدا انسانيا واحدا .

* ما الذي يمكن أن تضيفه المرأة الى حقل الإبداع؟

– المرأة طوال مسيرة عمرها مبدعة عبر العصور والأجيال، فكلنا تشربنا قيمة الابداع من جداتنا وأمهاتنا وهن يحكين لنا القصص الخيالية المفعمة بالخيال، وتحمل في طياتها كل معاني القيم الأخلاقية والروحية التي تبث عبر هذه القصص، ولم يخل جيل عربي من الأهازيج الشعرية التي كانت تهدهد بها الأمهات الأطفال حتى يهدأون وينامون على أنغام وايقاعات هذه الأهازيج. ويحمل تاريخ الأدب العربي في عصوره القديمة والحديثة أسماء شاعرات وأديبات نابغات، مثل الخنساء، ومي زيادة، و نازك الملائكة ، وفدوى طوقان، ونوال السعداوي، وغيرهن الكثيرات. فالمرأة تملك مقومات الحكاية والرواية بالفطرة، كما تملك المشاعر بحكم طبيعتها الأنثوية فتفيض شعرا وخيالا وإبداعا.

*كيف تنظر سارة السهيل إلى الصخب الدائر حولها في الحياة عموما؟

– الصخب ارتبط بالحياة في كل العصور، فلم يخل عصر من هذا الصخب حتى في زمن الأنبياء العظماء، ففي كل عصر وجدنا الحروب هنا وهناك، وجدنا تصارع الأفكار والفلسفات وقفزات العلوم، ووسط هذه الصرعات يرتاح الانسان على شاطئ هادئ جميل السمات حين يسمع صوت الكروان وهو يسبح بحمد ربه فجرا، وحين يذهب لحفل موسيقي هادئ او يحضر أمسية شعرية تهدهد كيانه فيتحول لطفل بريء، ولهذا كانت الآداب والفنون واحة نستظل بظلها من هجير الحياة, لكن في هذا الوقت نحن نعاصر مرحلة صعبة جدا أزعم أنها من أكثر الأزمان قسوة.

*رشحت لنيل لقب الشخصية الأكثر تأثيراً بالعالم ضمن مائة شخصية أخرى صفي لنا شعورك؟

– بالطبع فرحتي كانت غامرة بهذا الترشح، وشعرت بالامتنان والاعتزاز لكل حرف وفقني الله الى كتابته، ولكل عمل اثر في طفل او انسان، وأدركت أن الكتابة قيمة كبرى، وتنمو بتفاعل الجمهور معها، كما خلق هذا الترشح بداخلي حافزا أكبر للابداع والكتابة وأهمية العمل الذي ينفع الناس كي يدوم تأثيره وفائدته .

*سارة السهيل تعيش لتكتب أم تكتب لتعيش؟

– في تصوري أن حياة كل انسان منا عبارة عن صفحات من كتاب يسجل فيه رحلة عمره بما فيها من أفراح واتراح واختيار ومواقف، والقرآن الكريم عبر عن هذا في قوله تعالى “اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”، فنحن بني البشر جميعا نكتب صفحات حياتنا كل بطريقته، فأنا أعيش لاكتب صفحات حياتي، وأكتب لكي أعيش الحياة، فالحياة سجل حافل بالكتابة ولكل مرحلة عمرية لها خصوصيتها في الكتابة ارتباطا بما يعيشه الانسان من خبرات ومعارف وثقافات دون انفصال بينها .

* لنتكلم عن سارة الانسانة؟

– أنا انسانة بسيطة جدا، اكتسبت من أبي صفات انسانية راقية، علمني معنى الوطنية وحب الأهل والناس والعشيرة، وأن أكون سندا لغيري، وأن أعطي من وقتي وجهدي لخدمة الناس، وعلمني التواضع ونبذ العنصرية بكل أشكالها, أما والدتي فعلمتني قيمة العلم والعمل والمثابرة والاجتهاد، كما علمتني أهمية حب الكون لصفاء النفس، فالطبيعة هي الدواء والشفاء من كل أمراض العصر وعلمتني أن القيم الروحانية تعلو على القيم المادية, في حياتي جزء كبير للحياة العامة والمشاركات بين الناس، وفي أي بلد أكون لأنني أؤمن أنني يجب أن أكون إيجابية بكل شبر أمر عليه بهذه الأرض فأنا أحب كل أرض وكل انسان, لدي اهتمامات بالرسم والتصوير الفوتوغرافي و الموسيقى, أكره الكذب وأتبع الصدق مهما كانت نتائجه, أحب الحيوانات كثيرا, أتمنى أن أعيش في غابة أو على سفح جبل بين الطبيعة الخلابة تحفني الزهور و تحيط بي الحيوانات العب معهم وأدعو كل الأصدقاء ليعيشوا بجانب بيتي.أعيش مع الناس في مأساتهم، فأحيانا أكون شاعرة تبكي بحرقة لالم طفل فقد والديه، وأما تنتظر عودة فلذة كبدها من الهجرة، وأبا يستند الى ابنه وهو يسير في الشارع بعد ان أهلكت الأيام عافيته .