المايسترو العراقي علاء مجيد أنا مجنون بالتراث العراقي

2٬403

أحمد سميسم – تصوير: بلال الحسناوي/

فنان قادم من جنوب العراق من مدينة العمارة بالتحديد.حمل على اكتافه منذ صباه عشقه وولعه بالموسيقى فكانت رفيقة دربه في حله وترحاله.هو فنان موسيقي استثنائي لما يتمتع به من مهارة وأفق واسع وحرص على عمله يصل حد الازعاج أحياناً،يتدخل في كل شاردة وواردة في سياق عمله الموسيقي فلا يترك مجالاً للصدفة او العشوائية أن تحددا مسار العمل،لذا تجده شغوفاً في عمله لايكل ولايمل حتى وان أعاد عزف (البروفات)لفرقته الموسيقية مئات المرات من اجل ان يخرج العمل صحيحاً وجميلاً
اختار ان يحلق في سماء الفن متنازلاً عن حلم الطفولة بأن يصبح طياراً، ما دفعه إلى الالتحاق بمعهد الدراسات الموسيقية، وكانت تسمى آنذاك بـ”معهد الدراسات النغمية” ليدرس آلة “الناي” والتراث العراقي والنظريات الموسيقية، ويواصل الدراسة في كلية الفنون الجميلة على يد أهم أساتذة الموسيقى وأعمدتها في العراق، ومنهم روحي الخماش، ومنير بشير، وشعوبي إبراهيم، وسلوى شامليان، وبياتريس اوهانسيان وغيرهم، كلف بقيادة الفرقة الموسيقية لبرنامج “أصوات شابة” الذي كان يعده ويقدمه الملحن الفنان فاروق هلال، الذي ظهر فيه اغلب الفنانين العراقيين الذين يتربعون على الساحة الفنية في الوقت الحاضر، أمثال الفنان كاظم الساهر، ومحمود أنور، ومهند محسن، وهيثم يوسف، وآخرين، كما كلف أيضاً بقيادة الفرقة الموسيقية لمهرجان بابل الدولي لدورات عدة، حصل على أوسمة وشهادات تقديرية من مهرجان بابل الدولي، كما نال لقب أفضل موسيقي شاب في العراق عام 1986 وشهادة التميز الإبداعي من تلفزيون دبي وشهادة الإبداع الفني من مهرجان ليالي دبي وشهادة الإبداع الثقافي من حاكم الشارقة وشهادة تقديرية من مهرجان الموسيقى العربية في القاهرة، عاد الى العراق مؤخراً بعد غربة طويلة لينفض الغبار عن فرقته الموسيقية “فرقة بابل للتراث العراقي”.
المايسترو العراقي الفنان “علاء مجيد” حل ضيفاً عزيزاً على “مجلة الشبكة العراقية” قلبنا بعض صفحات ذكرياته عبر هذا الحوار…
* كان حلمك ان تدخل مجال الطيران لكنك اخترت ان تحلق في سماء الفن، هل سرقك الفن من حلم الطفولة؟
– هذا صحيح، منذ طفولتي أكملت دورة تدريبية في الطيران بسماء بغداد وحصلت على درجة امتياز فيها، وكنت اخطط لأن أذهب الى ألمانيا آنذاك لأكمل مشواري مدرباً في مجال الطيران، لكن كان دخول الموسيقى في حياتي منعطفا آخر طغى على حلم الطفولة، فاخترت أن أحلق في سماء الفن بدلاً عن حلم الطيران، لذا وجدت نفسي في مجال الموسيقى وكنت أستمع للموسيقى وأتذوقها منذ البداية، ولدي ميل كبير لهذا المجال الجميل الذي يمتاز بالترافة والإنسانية والرسالة السامية، ولله الحمد أكملت طريقي في فن الموسيقى بعد عناء وجهد كبير.
*هل يمكن القول إن برنامج (أصوات شابة) قد منحك الشهرة والانطلاقة الحقيقية في عالم الموسيقى عندما كلفت بقيادة الفرقة الموسيقية للبرنامج آنذاك؟
– بلا شك برنامج (أصوات شابة) كان له الدور الكبير في بناء شخصيتي القيادية إذ كنت في عمر العشرين حينها واأقود فرقة موسيقية كبيرة لبرنامج مهم (أصوات شابة) الذي خرج من جلبابه كثير من الفنانين العراقيين الذين يتربعون على عرش النجومية الآن، فضلاً عن أن برنامج أصوات شابة قد منحني الخبرة والقدرة على كتابة الموسيقى للأغاني والقدرة على القيادة وإدارة الفرقة الموسيقية الى جانب القيادة الفنية، اما الشهرة والأضواء فهي تحصيل حاصل، إذ كنت أطل من على الشاشة في كل يوم جمعة، وبكل صراحة لم تكن النجومية هاجسي وطموحي في بداياتي بقدر اهتمامي بجودة العمل والإبداع والنتاج الفني المتميز.
* لو أردنا ان نقارن ما بين “فرقة طيور دجلة” و”فرقة بابل للتراث العراقي” ماذا ستكون المعطيات؟
– لو يكون السؤال ما بين فرقة (طيور دجلة) التي أسستها في السويد وبين نظيرتها فرقة (الغناء العربي) في لندن التابعة لأكاديمية الغناء العربي كون الفرقتين متقاربتين الى حد ما في الشكل والمضمون، فرقة طيور دجلة مكونة من نساء عراقيات فقط لم يدرسن الموسيقى انما حبهن للتراث العراقي جعلهن يجتمعن في هذه الفرقة ويقدمن الأغاني الجميلة التراثية بمساعدتي وتدريبي المستمر لهن، الفرقة دخلت عامها الثاني عشر من عمر تأسيسها ومستمرة بعطائها وأصبحت معروفة على مستوى العالم، عند تسنمي منصب عميد الأكاديمية الموسيقية العربية في لندن شكلت فرقة الغناء العربي التي تضم أعضاء من مختلف الجنسيات العربية، نساءً ورجالاً محترفين في حين فرقة طيور دجلة تضم نساء عراقيات فقط، كما أسست الأكاديمية الموسيقية العربية في لندن وأصبحتُ عميد هذه الأكاديمية الفنية المهمة التي تعنى بالتراث العربي عموماً.
* هناك أصوات طالبت بأن تكون فرقة بابل للتراث العراقي فرقة الدولة العراقية الرسمية برأيك هل سيتم هذا الموضوع أم سيبقى في فلك المطالبات؟
– في البدء أشكر هذه الأصوات والآراء التي طالبت بأن تكون فرقة بابل للتراث العراقي التي سيكون اسمها (الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي) هي فرقة الدولة الرسمية، حتما هذه المطالبات لم تكن اعتباطاً لولا أن المطالبين وجدوا ان الفرقة تتوفر على مستوى فني متقدم جداً هذا من جهة، ومن جهة اخرى تضم الفرقة طاقات كبيرة متوهجة بالإبداع من الأساتذة والطلبة يقدمون التراث العراقي بطريقة تسحر الجمهور بعزفها وغنائها وتكنيكها العالي المنضبط ونكهة التراث العراقي العصري المصاحب لها وهذا نادراً ما يحدث في الفرق الموسيقية التي تعزف وتغني في ذات الوقت.
* كانت هناك قطيعة بينك وبين شبكة الإعلام العراقي هل تبددت هذه القطيعة؟
– نعم كانت هناك قطيعة بيني وبين شبكة الإعلام العراقي لدرجة أن اعمالي الفنية لم تبث من على الشاشة وكانت لديّ وجهة نظر بقناة العراقية، لكن عند لقائي مؤخراً برئيس الشبكة الدكتور نبيل جاسم ومدير التلفزيون عباس حمزة جرى التفاهم والحديث فيما بيننا بكل محبة واحترام وتبددت تلك القطيعة.
* هل ساهمت في اكتشاف مواهب عدد من الفنانين العراقيين الذين يتمتعون بالنجومية الآن؟
– نسبة غير قليلة من الفنانين الشباب من جيل الثمانينيات كان لي دور في دعمهم وليس تقديمهم او اكتشافهم لأني لست ملحناً، إذ كنت أساهم في اصطحاب الفنانين الى الملحن فاروق هلال عبر برنامج أصوات شابة للمشاركة في البرنامج أمثال الفنان كاظم الساهر الذي ساعدته في الوصول الى الملحن فاروق هلال وسجلت له سبع أغانٍ بقيادتي واشرافي، فضلاً عن فنانين آخرين.
* ما الذي تطمح اليه مستقبلا؟
– أتمنى على الدولة ان ترعى المؤسسات الفنية، كمعهد الدراسات الموسيقية، ومدرسة الموسيقى والبالية، ودائرة الفنون الموسيقية، وأتمنى أيضا ان ترعى النشاطات غير الرسمية للشباب كإنشاء مراكز للهواة يتعلمون فيها المسرح، والموسيقى، وكرة القدم، لنؤسس جيلاً ثقافياً يمكن الاعتماد عليه، كما أدعو إلى الاهتمام بالجانب الإبداعي للمرأة، فنحن البلد الوحيد الذي لا يمتلك فريقاً نسوياً لكرة الطائرة أو كرة السلة مثلا.
* اثناء حضوري عرض البروفات لفرقة بابل الموسيقية لمست حرصك الشديد في العمل، هل على القائد الموسيقى أن يكون حدياً وصارماً في عمله؟
– أنا حريص ودقيق جداً في عملي حد الإزعاج حتى أن الملاحظة التي أوجهها الى أعضاء الفرقة يجب أن تنفذ حرفياً، العمل الموسيقي لا يحتمل الخطأ لذا تجدني دكتاتوراً في مجال عملي الموسيقي ولدي أفكار برأسي والعازف لا يعرف ما الذي يدور في رأسي لذا لا بد على العازف ان ينفذ ما أريد دون نقاش ثم تصل الفكرة لأن عملي مبني على أسس وقواعد مدروسة وليس عشوائياً.
* مُنحت لقب سفير موسيقي عالمي للنوايا الحسنة من منظمة (اللا عنف) حدثنا عن هذا الأمر؟
– منظمة (اللا عنف) هي منظمة عالمية للمحبة والسلام شعارها (المسدس المعقود) تتخذ الثقافة والإبداع وسيلة للتقارب بين شعوب العالم، فالمنظمة تمنح لقب السفير لأي فنان في العالم يتخذ الموسيقى والغناء وسيلة لهذا التقارب، أنا أول فنان عراقي مُنح هذا اللقب بعدها منح الفنان التونسي لطفي بوشناق وبعدها منح الفنان نصير شمة وآخيراً منح الموسيقي العراقي حازم فارس.
* الموسيقى هوية الشعوب، برأيك هل استطعنا ان نرتقي بهويتنا الموسيقية العراقية عبر السنين؟
– أكثر شيء أدافع عنه الآن هو الهوية الثقافية بشكل عام والفنية خاصة، أصبحنا ليس لدينا خصوصية في الموسيقى وهويتنا الموسيقية مفقودة، فمثلاً موسيقى المسلسلات مستوحاة من الموسيقى التركية والعزف تركي إيراني والمغني يحاول أن يقلد الاتراك أو المصريين والأغنية العراقية تحولت من الإيقاع الجورجيني الى الإيقاع الشعبي الإماراتي حتى تجاري الخليج، وكل هذا تعدٍ وتجاوز على الهوية الوطنية الموسيقية.
أنا مجنون بالتراث العراقي، وأتصور أنه بعد عشرين عاماً سوف يأتي جيل لا يعثر على أغنية سليمة نقية لأنها وصلت مشوهة وضاعت بين هويات العالم، بسبب أننا الشعب الوحيد الذي لا يؤمن بالهوية الوطنية للأسف، وهذا الموضوع لا يخص الجانب الفني فحسب بل حتى في اللهجة والزي البغدادي وكثير من الأمور.
* كيف تنسق وقتك بين فرقة طيور دجلة في السويد وفرقة الغناء العربي في لندن وفرقة بابل للتراث العراقي؟
– أنا الآن في بغداد لكنني على تواصل مستمر مع فرقة الغناء العربي في لندن وفرقة طيور دجلة في السويد عبر الهاتف وأدرب الأعضاء مرتين في الأسبوع عن بعد عبر الأنترنت وليس هناك أي تأخير في العمل.
* من صاحب الفضل على علاء مجيد؟
– كثيرون، لكنّ صاحب الفضل الأول هو الفنان الكبير فاروق هلال، واستاذي في ألة الناي عبد السميع عبد الحق والأستاذ فايق حنة، والأستاذ صلاح الدين مانع، والأستاذ شعوبي إبراهيم، وروحي الخماش، أحياناً طلابي يكونون هم أيضاً من أصحاب الفضل عليّ عندما يستفزني أحد الطلبة بموضوع ما يجعلني استفيد منه أيضاً.
* هل تودّ أن تقيم حفلاً موسيقياً في مسقط رأسك محافظة ميسان؟
– نعم أود ذلك بشدة.
* لماذا إذن لم تفعل ذلك حتى الآن؟
– لأن محافظة ميسان غير مهيئة لإقامة نشاطات ثقافية ومهرجانات موسيقية، صار توجه المحافظة باتجاه معين بعيد عن أي نشاط فني وهذا ما يحز بالنفس.
* ما الشيء الذي تتمنى ألا يحصل؟
– شيئان الكراهية والعدوانية، للأسف لدينا روح الكراهية والحسد لأي شخص ناجح او يحاول أن ينجح، وأنا مررت بهذا الموضوع وحوربت كثيراً حتى الآن، لكن لا يهمني ذلك لأني أؤمن أن الحاقد يسوؤه النجاح، وكما يقال إذا لم تجد لك حاقداً فأعلم إنك إنسان فاشل!