براء البياتي: أول عراقية تقتحم عمل الرجال وتفتح دار نشر

1٬467

ايفان حكمت _ تصوير: صفاء علوان/

قد تعتقد أنك رأيت كل ما يمكن رؤيته في العراق بالنسبة للمرأة وعملها ودورها في المجتمع، لكن العراقية –المرأة- معطاء كالنخيل، ودائمة المسير كدجلة، وكالشمس قد تغيب أو “تُغيّب”، لكنها سرعان ما تشرق بشعاع أكبر لتنير الحياة والدرب.

براء البياتي، أحد خيوط الشمس العراقية، افترشت أرض شارع المتنبي بالمعرفة والأدب، منيرةً العقول، وكاسرةً احتكار الرجال لمهنة امتدت لقرابة القرنِ من الزمن..

لم تتوقف براء عند “بسطية” الكتب، حتى ابتدأت بمشروع دار نشر ومتجر متخصص ببيع الكتب، لتكون أول كتبيّة في المتنبي.. بهمّة النحلة ونشاطها وخفّتها تطير من رفّ لآخر تستخرج رحيق المعرفة لزبائنها، هكذا وجدناها حين دخلنا إلى مكتبتها، دقائق مرّت لتفرغ من إيجاد العناوين التي طلبها زبونها، مرحبة بابتسامة لا تخلو من تعب جميل.

وقع رفرفة جناحيه صوب خطواتنا، النورس يغني أسماءنا ويردد أسماء كل من مرّوا من هناك متجهين الى شارع الكتاب.. ربما مرّرها له دجلة وصوت موجة القراء لا تغادر ذاكرته الخالدة.

كلمات لا تحصى وأسماء لا تعدّ وأطياف أشخاص وضحكات وذكريات و”سالوفات” تسكنه أبداً.

أشرطة أفلام تحمل آلاف الصور التي تحكي قصص الشارع.. تتراءى لنا بين ثنايا موجات رقيقة يحدثها القارب .. تتسارع تنهدات قلوبنا الخافقة كلما اقتربنا من المتنبي..أغنية وأوتارعود ورائحة الكتب وهمسات ثقافية متنوعة تلوّن سماء الشارع.. أمسكنا بإحدى الغيمات وحلّقنا الى مكتبة ودار براء للطباعة والنشر.

تقول براء في حديثها لمجلة الشبكة إن “المكتبة لا تدرّ أرباحاً ومردودها المادي بسيط جداً وبالكاد يسد مصروفاتها، لكن نشوة المعرفة لا تضاهيها أية نشوة أخرى، خاصة حين تكون سبباً بإضافة المعرفة لزبونك”، وتضيف براء أن “معظم أصحاب دور النشر لديهم عمل ثانٍ كمصدر رزق لأن بيع الكتاب لا يعوّل عليه كثيراً.”

زبائن تائهون

تقول براء إن “من المريح التعامل مع الزبون القارئ النهم، الذي يمتلك الفكرة الكاملة عن الكتاب الذي يبحث عنه.. أو كاتبه، أو ربما موضوعة الكتاب بالحد الأدنى، لكن المعضلة تكمن بمن يأتي ولا يعرف ماذا يريد، فقد يكون الزبون جديداً على القراءة أو مشوشاً لسبب ما، وهنا يأتي دوري في اختيار الكتاب له، فأبدأ بطرح العناوين والكتاب كمقترحات، وهنا يكمن دور الكتبي الناجح، إذ يجب أن يكون لديه اطلاع بالكتب وتصنيفاتها ومحتواها في أغلب المجالات نتيجة قراءته الكتب بشكل كبير ودائم.”

وتضيف براء أنه “في حالة اقتنائي أي كتاب من أي دار نشر أسأل عن الكاتب وعن مضمون الكتاب بشكل عام كي تتكون لدي معلومة انقلها للزبون.”

وتوضح براء أن “الاهتمام بالكتاب واقتناءه رافقاني منذ طفولتي فشاركت في مهرجانات المدرسة وفعالياتها وبمسرح الطفل في دار ثقافة الاطفال، وفي مسابقات الخطابة، حتى أني حصلت على الجائزة الأولى على الكرخ في مهرجان الخطابة عام 1999.

من شرقيّة الراوي إلى براء

براء لا تؤمن بأن هناك عملاً حكراً على رجل أو امراة، فقد نشأت في عائلة تأخذ المرأة فيها حقها، وتأثرت بوالدتها المهندسة التي نفذت الكثير من المشاريع مع مهندسين وحرفيين رجال. وتوضح براء بأن “المرأة شريكة ومنافسة للرجل في شتّى مجالات الحياة، ودخولي سوق الكتاب كان دليلاً على ذلك، بالنسبة لي أنا أول عنصر نسائي افتتح مكتبة ودار نشر في شارع المتنبي، وقد لُقبت كأول كُتبية في شارع المتنبي وثاني كُتبية في العراق بعد شرقية الراوي في فترة الستينات والتي كانت تدير مكتبتها وصالونها الثقافي ونشاطات ثقافية وادبية.”

كاميرا الهاتف تسوّق الكتب

تصوّر براء بهاتفها المحمول كتبها وتحكي عن كل كتاب نبذة عن جنسه وكاتبه وأهميته، حتى أنها تطمح بتصوير حلقات تشوق بها زبائنها لاقتناء الكتب الموجودة في مكتبتها، وفعلاً بدأت العمل بتصوير حلقات تحت عنوان “براء تقرأ”، وفي كل حلقة تتحدث عن كتاب معين ومضمونه وكاتبه وتقوم بنشر الحلقة على السوشيال ميديا.

تقول براء إن “أصحاب دور النشر في المتنبي ساعدوني كثيراً ودعموني ولم أشعر بأنني غريبة أبداً، أما رواد الشارع فمنهم من أيّد فكرة وجود كُتبية، ومنهم من رفض”، مضيفة أن “الشارع بات يجمع المثقف الحقيقي والطارئ على الثقافة أو المستثقف الذي يلبس قشور الثقافة دون أن يمتّ بأية صلة لجوهرها.”

وتشير براء الى أن وجودها في شارع المتنبي شجّع البعض على إدخال ابنته او أخته او زوجته لهذا الشارع لزيارة مكتبتي والحديث معي حول الكتب او مواضيع مختلفة، لافتة الى أن “المفاجأة أحياناً ببعض من يأتي لشارع المتنبي لزيارة مكتبتي تحديداً على الرغم من أنه لا يسكن العاصمة بغداد.”

سطور البداية.. كتب لقاء الجهد

بحثها عن كتاب “سمراء بغداد” للكاتبة إيمان البياتي في شارع المتنبي ولّد الشرارة الأولى لدى براء باقتحام الشارع ودور النشر، حيث عرضت على العاملين في “دار سطور” أن تعمل معهم وتسوّق عملهم على صفحات التواصل الاجتماعي مقابل الكتب، فلم يكن أمام الدار إلا الترحيب بالفكرة والشروع بالعمل مع براء.

تقول براء إن “عدداً من الإعلاميين كانوا يطلبون مني أن أتحدث عن الكتب والدار والمتنبي، لكنني كنت أرفض وقتها لاعتقادي بأن ظهوري إعلامياً قد يضعني بتصنيف الظاهرة الآنيّة التي سرعان ما ستغادر عالم المتنبي وورقه، ولكن بعد مرور عامين بدأت بالحديث عن الدار والكتب مع القنوات التلفزيونية ووسائل الاعلام الاخرى.”

تضيف براء أن “رواد المتنبي عرفوني وألفوني، حتى أن وجودي في الشارع بات خبراً يتم تداوله في وسائل التواصل الإجتماعي.”
ربّ صدفةٍ خيرٌ من ألفِ ميعاد

المصادفة جمعت براء بمحل لعرض للإيجار في شارع المتنبي، دون تفكير أو تخطيط، استأجرته فحوّلت المحل إلى المكتبة التي تحمل اسمها الآن.. تقول براء “أبلغت دار سطور نيّتي بالاستقلال وعن استئجاري للمحل لأبدأ بمشروع دار نشر ومكتبة، في بادئ الأمر لم تكن لديّ إصداراتي الخاصة، رحْتُ أجمع الكتب من دور النشر المحلية الأخرى، ثم أضفت مجموعة عناوين من دور نشر لبنانية تعاملت معهم في معرض بغداد الدولي للكتاب ولقيت تشجيعاً كبيراً منهم.”

تضيف براء أنها “بعد فترة من مزاولتي العمل واستمراري بجديّة وحب جاءني أول عرض لطباعة كتاب عن دار براء للطباعة والنشر وهو للكاتبة داليا القيسي، ثم لحقه عرض من الكاتب صباح الغريري حتى توالت العروض والعناوين.”