جسر بغداد الأخضر تحفة معمارية جديدة
زياد جسام/
جسر بغداد الأخضر للمعمارية ريا العاني يعدّ أول مشروع يضمّ حدائق معلّقة في تأريخ العراق الحديث، التي ستقام فوق نهر دجلة بالقرب من بناية البنك المركزي لمصمّمتها المعمارية زها حديد، ويشتمل المشروع على جسر أخضر للسيارات يتداخل معه جسر آخر للمشاة يؤدي الى حديقة كبرى معلّقة تتوسط النهر.
ولأهمية هذا المشروع المعماري الكبير الذي يمثــــــل واجهة عـــــــــــاصمتنا الحضـــــــارية، تحدّثــــــت لمجلة الشـــــبكة العراقية المعمارية “ريا العاني” بشكل خاص عن تفاصيله وما يحتويه، وقالت : “لسنين عديدة وأنا أحلم ببناء بناية او صرح متميّز في العراق، وفي سنة ٢٠٢٢، كنت مدعوّة كمتحدثة في تيد اكس بغداد وكان موضوع محاضرتي (الريادة في العمارة)، طرحت فيه موضوع “جسر بغداد الأخضر” من منطلق الريادة وإن هذا المشروع مشروع ريادي فعلاً”.
فكرة الجسر
وعن فكرة الجسر الأخضر وكيف خطرت ببال المعمارية ريا فقد عزتها الى معاناة بغداد من الزحام المروري الذي بات يهدّد حياة السكان بشكل فعلي، وأن هناك حاجة ماسّة الى جسور في بغداد للتخفيف من هذا الزحام، لهذا فكرت أن تصمّم جسر بغداد الأخضر وأن يكون جسر مشاة وجسر سيارات مع مناطق خضراء أشبه بالمتنزهات للعوائل البغدادية.
وأكدت العاني أنَّ العراق بحاجة الى مشاريع ريادية، والريادة هنا هي عملية وضع رؤية لها قيمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحضارية.
وقالت إنَّ الأهمية الأكبر لهذا المشروع هي إشباع حاجة المجتمع العراقي الذي مرّ بظروف وتحديات استثنائية، ولربما تكون هذه المشاريع امتداداً حضارياً يجعل العراقي يفتخر بتاريخه ويشعر بالأمل في مستقبله.
وعن اختيار تصميمها “جسر بغداد الأخضر” من قبل الجهات المعنية، تحدّثت العاني قائلة: أنا إنسانة ريادية، أعني بهذه الكلمة أن لديَّ روح المبادرة مع إرادة قوية ولا أخاف من الصعوبات، لهذا أنا لا انتظر الفرص أن تأتي لي، بل أنا أبحث عنها، وعندما أرى هناك حاجة او مشكلة موجودة وتبحث عن حل؛ أسعى لأن أضع خطة وستراتيجية لتحقيقها.. وهذه روح المبادرة تذكّرني بمشروع الاكسبو في دبي، في نهاية سنة ٢٠١٨، كنت مدعوة لأدخل مسابقة لتصميم جناح لواحدة من البلدان المشاركة في الاكسبو، في نفس الوقت كنت أفكّر بالعراق ورأيت من الصعوبة أن أكون مهندسة معمارية ولي مكتب في دبي وأن لا يكون للعراق جناح في الاكسبو”.
صاحبة المبادرات
يذكر أن هذه الروح التي تحمل حسا وطنيا كبيرا هي التي دفعت المعمارية العاني التي بادرت بجعل العراق مشاركاً في اكسبو دبي، لأنه أول مرة يحدث في بلد عربي وباعتبار أنَّها تعيش وتعمل فيه فذهبت الى السفارة العراقية في أبو ظبي وسألت عن الجناح العراقي في الاكسبو؟ والجواب كان لا؛ ليس هناك أي استعدادات مالية او تنظيمية من الجانب العراقي.. فخرجت من السفارة في ذلك اليوم وفي داخلها إصرار كبير على أن يكون للعراق جناح في الاكسبو، وبدأت مشوارا طويلا استغرق ثلاث سنين من حياتها الشخصية والعملية وتحملت المسؤولية الضخمة على عاتقها، بالأخص أن ظروف العراق دائما صعبة ومليئة بالتحديات لكن حبّها للعراق كبير وهو الذي حقّق حلمها وتمت المشاركة في اكسبو وكان الجناح العراقي مميّزاً جداً لأنّه من تصميمها.
أما بالنسبة لجسر بغداد الأخضر، فقد أطلقت عليه هذا الاسم والاسم الآخر هو (قلب بغداد الأخضر)، نسبة للحدائق الخضراء التي تميّزه عن غيره ولموقعه الجغرافي، إذ اعتمدت العاني في تصميمه كما قالت على ثلاثة مبادئ (الإبداع، الاستدامة، التكنولوجيا).
شكل القلب
هذا ويمثل مشروع الجسر الأخضر لبغداد الإرث القديم ويمد جسرا للتواصل مع إنجازات بلاد ما بين النهرين القديمة التي أثرت في تشكيل العراق الحديث، ويحاول كذلك اكتشاف تأثيرات العلوم والتفوق في مجالات القانون والرياضيات وعلم الفلك وغيرها من هبات الحضارة العريقة لبلادنا في عصرنا الحالي.. ومع مرور نهر دجلة عبره، يستكشف “جسر بغداد الأخضر” ويضيء أكثر من 8000 عام من الإرث القديم، فالقصة ليست وليدة اللحظة بل بدأت مع بدايات التاريخ البشري.
شكل المتنزه الذي يعلو الجسر مستوحى من شكل القلب، ففيه ست مناطق كالقلب، كل منها يحتفل بجانب فريد من إنجازات بلاد ما بين النهرين، كل منطقة فيه من علم الفلك، علم الرياضيات، الزمن، الكتابة، الأدب والفن.. الى آخره، كأنه يحتفل بإنجازات بلاد ما بين النهرين، ويخلق فرصاً لأعمال فنية وعلمية وأدبية يتفاعل معها الجمهور من خلال عرضها بشكل دائم ولائق.
الهدف أن يكون الجسر الأخضر لبغداد أكثر من مجرد جسر لنقل السيارات والمشاة، والمطلوب من التصميم الابتكار والاستدامة والتكنولوجيا في جوهره، بالإضافة لفلاتر المياه التي تعيد تدوير مياه نهر دجلة للري وتستثمر الطحالب الخضراء لتنقية الهواء، وبالتالي يشكل الجسر نظاماً بيئياً خاصاً به، وكثيرا ما أكدت العاني أنَّه مشروع ريادي للمجتمع وللاحتفال بماضيه المجيد وإلهام للمستقبل. وهو رمز أيقوني من شأنه أن يعبّر عن فكرة بغداد اليوم وغداً، ليُظهر للعالم وكذلك للأمة فكرة من شأنها أن تلقى صدى لدى الجماهير، إنّه مسعى لإنشاء معلم لن يتوقف أبداً عن نيته بالإبهار، بغض النظر عن العصر الذي شوهد فيه.