دُفعة لندن.. دَفعة مردي

1٬258

رئيس التحرير سرمد عباس الحسيني /

عندما كنت صغيراً، كنت متابعاً جيداً ومدركاً بإلمام لما يدور حولي من أحداث عامة، لم يفتني وقتها الانتباه إلى ما كان يعرض حينها على الشاشة الصغيرة من برامج خاصة بشهر رمضان، إذ كانت عادة ما تبدأ برامجياً في هذا الشهر والتبشير به عبر أغاني (رمضان جانا) أو أغنية (رمضان أهو جا يولاد) وغيرها.
كلاكيت (1)
ولتبدأ سلسلة التواشيح الدينية التي تربعت على قمتها رائعة السيد النقشبندي، وعبقري الموسيقى العربية بليغ حمدي، صاحب فكرتها وألحانها، (مولاي إنّي ببابك)، ووصولاً إلى تواشيح فرقة الإنشاد العراقية بأيقونتها (يا إله الكون).
ولتتخللها بعد ذلك برامج هادفة مرتبطة بالجانبين الروحي والإيماني بالشهر الفضيل، وليختم اليوم بمسلسل سهرة بذات التوجه البعيد عن الأدلجة الدينية أوالفكرية، والتي كان من أشهرها(حينها) مسلسل (صيام.. صيام) من بطولة يحيى الفخراني في أول ظهور له، والنجمة الملتزمة (فردوس عبد الحميد)، أو مسلسلات تاريخية إسلامية تتناول في تفاصيلها قصصاً وشخصيات إسلامية معتدلة كمسلسل (عمر بن عبد العزيز) من بطولة نور الشريف، أو مسلسل (محمد رسول الله).
كلاكيت (2)
ما إن دخلنا عالم العولمة والميديا المرتبطة بها وانتشار القنوات الفضائية، ودخول أجنداتها إلى بيوتنا وعقولنا عنوةً، تبدلت الصورة الكلاسيكية البرامجية لشهر رمضان، من برامج مرتبطة به إلى برامج ومسلسلات مرتبطة بالعنف والعلاقات المحرمة والرقص والمخدرات وصولاً إلى (+ 16)، ولأغلب الفضائيات، في عملية ضخ تكاد تكون (ممنهجة ومحسوبة) منذ بداية تأسيس الفضائيات العربية في تسعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى فضائيات وقتنا الحالي التي تبنت (بصلافة) النهج أعلاه، الذي ما ابتعد عن دراية قصدية أو لا دراية عن (نظرية النمذجة) لعالم النفس الأمريكي (ألبرت باندورا) ونظريته المعتمدة على التعلم الاجتماعي، التي تشير إلى أن الناس أو الافراد، يتعلمون من بعضهم البعض بالملاحظة والمتابعة والمحاكاة والنمذجة، وأنهم قادرون على التعلم من خلال مراقبة سلوك الآخرين.
كلاكيت (3)
وبعد ذاك.. لا نحتاج أن نفهم أسباب تزايد معدل حالات الطلاق بشكل مرعب، أو تزايد حالات الإدمان على المخدرات، أو انتشار المثلية، أو زيادة معدلات الجريمة وتزايد حالات الخيانة الزوجية.
فإذا ما كان بطل المسلسل، أو بطلته،قد فعلا الأفاعيل في (أدوارهما الرمضانية)، فلماذا لا يفعلها المتابع التلفزيوني بعقله الذي غُيب قسراً بفعل (نظرية باندورا) التي اعتمدت في أساس تجربتها على (شاشة عرض)؟!
كلاكيت (4)
وبعد أن سوَّق التوجه اللاأخلاقي لبعض هذه الفضائيات بنجاح، زيد من جرعة (النمذجة) بالاتجاه نحو البرامج والأعمال الدرامية ذات الصبغة السياسية والطائفية، التي من شأنها أن تزيد الفرقة والوقيعة بين أصحاب الدار باجترار أحداث أكل عليها الدهر وشرب.. وبال.
كلاكيت (5)
بمعنى.. هل يكون مسلسل (دفعة لندن)، لكاتبته الكويتية، الذي يعرض حالياً على قناة (MBC السعودية)، بتفاصيله الساذجة البعيدة عن الحقيقة، أحد أدوات ذلك النهج المدروس في تسفيه القيم والتاريخ ؟ وهل من المصادفة أن يكون اسم العراقية في المسلسل (عشتار)؟! وهل سيتلقى العراق، عبر قنواته الرسمية، رداً كويتياً شبيهاً بالرد الدبلوماسي والرسمي لسفارة دولة الكويت في بغداد حول ما نشر في مجلتنا إيماناً بحق الرد بالعدد (405 – 11 أيار – 2022) عند تناولنا نقداً فنياً لمسلسل سعودي عرض في قناة (MBC السعودية) في شهر رمضان الماضي فند فيه -أي المسلسل- (أكذوبة المقاومة الكويتية لغزو صدام للكويت) !! …….. الله أعلم.