ملاييـــن المسلميـــن يحيــــون ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر “علية السلام”
إياد عطية – تصوير: علي الغرباوي /
أحيا ملايين المسلمين ذكرى استشهاد الإمام الكاظم (عليه السلام)، سابع الأئمة المعصومين لدى الشيعة، بزيارة مرقده الشريف سيراً على الأقدام، فيما اتشحت مدينة الكاظمية بالسواد، وغصّت شوارعها بالزائرين، بينما انتشرت المواكب التي تقدم الطعام والخدمات إلى القادمين من مناطق مختلفة من داخل البلاد وخارجها.
ولد الإمام موسى بن جعفر في الأبواء سنة ثمان وعشرين ومئة للهجرة، وهو ابن الإمام جعفر الصادق، ابن الإمام محمد الباقر(عليهم السلام)، وكنيته أبو الحسن، كما كانت له ألقاب كثيرة أشهرها: الصابر، والصالح، والأمين، وباب الحوائج.
واحتشد الآلاف لإجراء مراسم تشييع رمزي لنعش الإمام المغطى بقماش أخضر، في مسيرة بدأت من جسر الأئمة باتجاه مرقده في الكاظمية، وسط أجواء من الحزن العميق، وأصوات المنشدين التي تعيد التذكير بالظلم والجور اللذين لحقا بالإمام، وتسرد صوراً من حياته ومسيرته العظيمة في الصبر على الشدائد، وفي مساعدة الناس، وفي إصراره على نشر رسالة النبي الأكرم، رغم كل الصعوبات.
يستعد المسلمون، كل عام، لإحياء ذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم مبكراً، وتتضمن عملية الاستذكار سرد قصة الإمام الكاظم وجوانب مهمة من حياته، فيما يبدأ الزائرون، ولاسيما من المدن البعيدة عن بغداد، مسيرتهم في وقت مبكر، إذ تنتشر المواكب في جميع الطرق بانتظارهم لتقديم كل مايحتاجونه من خدمات.
يؤكد عبد الزهرة ناصر، صاحب (موكب الفرات الأوسط)، أن موكبهم، وجميع المواكب الحسينية، تستعد قبل أسبوع لاستقبال الزوار المتوجهين إلى زيارة الإمام الكاظم. وأوضح أن والده هو من أسس موكبهم، لذلك فإنهم يتشرفون ويتباركون بخدمة الزائرين، وإنهم يواصلون خدمتهم كل عام دون انقطاع، لإحياء نهج والدهم. وأضاف أن موكبهم يقدم وجبات طعام على مدار اليوم إلى الزائرين، كما يقومون باستضافة عدد منهم للمبيت في منازلهم ومنازل أقاربهم، وهي امور يتسابق الناس في تقديمها إلى زوار الإمام .
تنسيق مع مختلف الفعاليات
من جانبه.. قال نائب أمين عام العتبة الكاظمية المقدسة السيد سعد الحجية إن “الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة تستعد مبكراً لهذه المناسبة الخالدة، وقد استنفرت كل إمكاناتها وملاكاتها، ونسقت جهودها مع جميع الجهات ذات العلاقة بالزيارة، سواء الجهات الخدمية، أو الحوزيوية، أو الأمنية، أو الصحية، فضلاً عن الفعّاليات المدنية والشعبية والمتطوعين لخدمة الزوار وأصحاب المواكب، وذلك لإنجاح الزيارة وتقديم أفضل الخدمات لملايين الزائرين في ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، في أجواء إيمانية تمكنهم من إقامة الشعائر العزائية وأداء الزيارة على أفضل وجه.”
وأشار إلى أن تضافر جهود مختلف الجهات والفعاليات، أسهم في إنجاح الزيارة والحفاظ على أمن الزائرين وتوفير سبل الراحة والأمان وضمان انسيابية الزيارة بحمد الله وتوفيقه.
واوضح أن “خدّام الإمامين الكاظمين الجوادين (عليهما السلام) يتشرفون بتقديم الشكر والعِرفان إلى مقام المرجعية الدينية العُليا في النجف الأشرف، مُتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه الوارف)، وإلى رئاسةِ ديوان الوقف الشيعي ودوائره، والأمانات العامة للعتباتِ المقدسة، والأمانات الخاصة للمزارات الشريفة، وإلى ممثلية المرجعية الدينية في مدينة الكاظمية المقدسة والطلبة الفضلاء من الحوزة العلمية
تعظيم الإمام لدى جميع المسلمين
أجمع كبار أئمة السنّة وعلمائهم على تعظيم منزلة الإمام الكاظم (عليه السلام) وتقديسها، وترجموا له في كتبهم، وزاروا قبره للتبرك والتوسل به إلى الله. وقال إمام الحنابلة في عصره الحسن بن إبراهيم أبي علي الخلال: “ولما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به، إلا سهّل الله تعالى لي ما أحب.”
وقال ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) عن الإمام موسى بن جعفر إنه “المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين، ونيل مطالبهم وبلوغ مآربهم وحصول مقاصدهم.”
وقال ابن حجر المكي: “هو وارث أبيه علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً، سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه، وأعلمهم وأسخاهم.”
وقال ابن الجوزي: ” كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح، وكان حليماً كريماً، إذا بلغه عن رجل ما يؤذيه بعث إليه بمال.”
مجالس الفقراء
يقول الباحث الإسلامي د. أحمد البطاط: “عاش الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) حياته بين السجون، وقد نعته الشافعي بأنه ترياق مجرَّب لإجابته الدعاء، حتى مخالفوه كانوا يشيدون بزهده وعبادته وجلال قدره، وقد وصف بكثير من الأوصاف أقربها وأحبها إلى الناس (باب الحوائج)، لمنزلة هذا الإمام العظيمة عند الله.”
من مناقبه العظيمة مخالطة الناس، إذ لم يقبع منعزلاً أو متكبراً لكونه عالماً وإماماً، وكان هذا حال العلماء في عصره، بل إنه كان يطالب تلامذته بمخالطة الناس، والفقراء خاصة، لأنه يعتبر أن الفقراء هم الحبل الأسرع وصولاً الى الله، وأن مجالستهم والتودد إليهم رسالتان واضحتان على الرغبة في قضاء حوائج الفقراء، التي عدها طريقاً إلى أبواب الجنة.