من يريد قتل انجلينا جولي؟

1٬184

د.قاسم حسين صالح/

لم تنجب هوليوود فنانة كرّست حياتها لخدمة الانسانية، وأنفقت اموالها على الفقراء ورعاية أطفال ضحايا النزاعات والكوارث مثل انجلينا جولي.. بل انك لن تجد امرأة مثلها في العالم قدمت نشاطا خيريا كالذي قدمته هذه الفنانة الجميلة الانيقة الرقيقة الموهوبة فنا وحنانا وعاطفة وخلقا، بل قل عنها انها امرأة استثنائية بكل المقاييس..

ولك ان تتذكر كيف بكت يوم زارت اطفال النازحين في العراق.. وتبرعت لهم وهي المرأة الأجنبية فيما السياسيون العراقيون ما اهتزت شواربهم خجلا، بل انهم سرقوا ملايين الدولارات من الأموال المخصصة للنازحين.. حتى تلك التي يتبرع بها العالم لهم!

ومع ان عمرها (41) سنة، وأم لثلاثة أطفال وثلاثة آخرين تبنتهم (بينهم الطفل السوري.. موسى) ومثلت في اكثر من( 38) فيلما سينمائيا، فان ما قدمته من خدمات للانسانية لا يمكن لغيرها ان تقدمه ما لم تكن أو يكن مثلها يسكنه حب بلا حدود لمن تقسو عليهم النزاعات والحروب التي يشعلها اشرار السياسة.. نضرب لكم مثلا عليها.
في 2003 أسست أنجلينا مؤسسة «مادوكس – جولي – بيت» الخيرية سمتها على اسم الطفل الكمبودي الذي تبنته (مادوكس) لتحسين الحياة في كمبوديا، وصرفت عليها هي وزوجها (براد بيت) ملايين الدولارات. وفي عام 2010، أسست جولي مدرسة لتعليم الفتيات في أفغانستان، مكونة من ثمانية فصول، وقامت بتعليم 800 طالبة أفغانية على مدار فترتين دراسيتين يوميًا. وفي 2010 ايضا، كانت أنجلينا جولي وزوجها النجم الهوليوودي براد بيت في مُقدمة المتحركين لتضميد جروح المتضررين من الزلزال الذي ضرب «هاييتي».. وتبرعت لهم بمليون دولار. وبعد وفاة والدتها بمرض السرطان قامت انجلينا هي وشقيقها بتبرُع غير مُعلن عن قيمته لمؤسسة علاجية انسانية.

الأطفال قضيتها

غير ان الهمّ الأكبر الذي شغل انجلينا هو مناطق النزاعات التي يكون الأطفال ضحاياها، إذ كانت تقصدها بزيارات خيرية لتفقد احوالهم المعيشية وتشارك في مؤسسات داعمة للاطفال ليعهد لها بمنصب الرئيس المشارك لمبادرة دعم الأطفال بمناطق النزاع عن طريق توفير سُبل التعليم لهم حيثما كانت في أرجاء العالم.. بينها سوريا والعراق وافغانستان التي منها ارسلت خطاب وداع لزوجها (براد بيت) لعلمها بأنها مستهدفة.. وقد حالفها الحظ لأن مقر الأمم المتحدة الذي كانت تقيم به في افغانستان جرى تفجيره بعد عودتها منه بأسبوعين!

وحدث ان اصيبت انجلينا بفقدان الشهية العصبي، ونقلت الأخبار عنها ان وزنها انخفض بشكل حاد ليصل الى 35 كغم. ولأن هذا المرض يدخل ضمن اهتماماتنا، عليه ينبغي ان نتحدث عنه علميا.
يصنف فقدان الشهية العصبي ( Anorexia Nervosa) ضمن اضطرابات الأكل (Eating disorders)، ويعني امتناع المصاب به عن تناول الطعام وفشل محاولات النصح والارشاد والتحذير والاجبار، واستمراره على هذا الامتناع برغم ما يصيبه من هزال في الجسم وادراكه بأن نهايته قد تكون الموت.

مرض المراهقات

والشائع عن هذا الاضطراب انه يصيب المراهقات اللواتي يخشين من السمنة ويعتبرن (النحافة) هي مقياس الجمال، فيعمدن الى اتباع نظام غذائي (ريجيم) قاس، فضلا عن تناول حبوب تمنع الشهية وتقلل الاحساس بالجوع ووسائل أخرى تؤدي الى انخفاض شديد في الوزن. وتشير الاحصاءات الى ان 90% من المصابين به هم من النساء، وان نسبة الوفيات فيه تصل الى 10% من الحالات المزمنة التي تصل فيها العظام الى درجة الهشاشة.
وتتعدد اسباب هذا الاضطراب، اذ يرى علماء البايولوجيا ان السبب يعود الى اختلال في وظائف النواقل العصبية، وتحديدا: السيروتونين والدوبامين والادرنالين التي تنظم مستوى الشهية للطعام، فضلا عن اختلال وظائف الغدة الدرقية والهرمونات بشكل عام. فيما يرى علماء الاجتماع ان (مودة) العصر هي النحافة وان الرجال يميلون الى المرأة النحيفة، فضلا عن انها مرغوبة في وظائف مميزة مثل عارضات الأزياء والمضيفات.

ولعلماء النفس رأي يبدو غريبا، اذ انهم يرون ان المصابة باضطراب فقدان الشهية العصبي هي الفتاة التي تعاني من عدم القدرة على الاستقلال عن الأم بشكل خاص، وتلك التي تتملكها رغبة لاشعورية لتدمير جسدها المسكون بآثار أم متسلطة عدوانية.

نعود الان لنطبق هذه الأسباب على حالة انجلينا جولي. انني استبعد في حالتها العوامل البيولوجية، لأنها لو كانت مصابة بها لظهرت عليها في مرحلة المراهقة أو بداية الشباب، فضلا عن أن التحليل الطبي لم يشر الى ذلك. كما ان العوامل الاجتماعية والنفسية مستبعدة ايضا، ذلك ان انجلينا كانت محبوبة اجتماعيا في شكلها وجسمها ووزنها ولم تتعرض الى نقد يضطرها الى اعتماد وسائل حمية قد تدمن عليها، ولم تكن والدتها من النوع المتسلط العدواني، بل ان صراعها القاسي مع السرطان زادها تعاطفا مع أمها، وانها لحبها لها ساهمت في التبرع لمؤسسات خيرية تعنى بالأمهات المصابات بالسرطان.

عملية قتل

وعليه فأنني أرى ان السبب الرئيس الذي (قتل) انجلينا جولي هو صراع نفسي بين متضادين متطرفين في التناقض هما: فقدان السياسيين للانسانية في بلدان الصراع الديني والاثني والمذهبي وما نجم عنه من مآس من جهة، وانسانيتها المفعمة بالطيبة ورهافة احساسها التي لم تطق رؤية بشاعة وفضاعة وشناعة ما ارتكبه هؤلاء السياسيون بحق أبرياء دمرت بيوتهم وصاروا بين مقتولين ومشردين ونازحين ولاجئين من جهة أخرى. ولأنها وجدت ان ما تبرعت به من مال وما شاركت به من أعمال خيرية لم يحقق هدفها في انهاء بؤس ضحايا نزاعات همجية.. وانها اضعف من مواجهة قوى الشر في عالم السياسة، فقد تطور صراعها النفسي الى مرحلة الشعور بالخيبة، ليدفعها يأسها من اصلاح الحال الى ان تنتحر بان تحرم نفسها من الذي حرم منه الأطفال.. بالامتناع عن الطعام لتحقق بذلك هدفين: تريح نفسها من عذاب لم تعد تطيقه انسانيتها، ولتدين بموتها اعداء الانسانية من غلاظ القلوب ومتبلدي الاحساس الذين يهمهم ان يعيشوا برفاهية على حساب معاناة الناس حتى لو كانوا هم السبب في بؤسهم وعذاباتهم.

ايتها الانموذج الانساني الراقي.. انجلينا جولي.. كم نحن محتاجين ولو قطرات من انسانيتك نحقن بها من اصبحت أمور الدنيا بايديهم وهم في كنز الثروة وتعذيب الناس مستمرون!.

*مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية