نداء كاظم: الثقافة مطالبة بمسابقة نصب لجواد سليم والرحال وفائق حسن
#خليك_بالبيت
أحمد سميسم – تصوير: كرم الأعسم /
منذ طفولته عشق اللعب مع الطين ليصنع ألعابه الطينية بنفسه بعيداً عن لعب الأطفال التقليدية، ما أثار حفيظة والدته التي كانت تعاني بسبب اتساخ ملابسه جراء اللعب يوميا في الطين، الا أنّه وجد من يشجعه ويسانده على فعله هذا، فوالده كان نجاراً ماهراً ما جعله يمارس موهبته بحرية دون قيود، لكن هذه المرة ليس اللعب بالطين بل النحت على الخشب بتوجيه وإشراف والده حتى اشتد ساعده وصار ينحت بمهارة على القطع الخشبية.
أراد أن يدرس النحت أكاديمياً فدرس في معهد الفنون الجميلة ببغداد على أيدي كبار الأساتذة خالد الراحل، وعبد الرحمن الكيلاني، وجواد سليم، وآخرين ليصبح من أشهر النحاتين بأعماله الفنية الخالدة داخل العراق وخارجه، ولعل أبرز أعماله تمثال الشاعر بدر شاكر السياب في البصرة فضلا عن تمثال الشاعر أبي تمام والفراهيدي، هو آخر طلبة الراحل الفنان جواد سليم الذي ما زال عطاؤه زاخراً بالإبداع في فن النحت لأكثر من سبعين سنة.
النحات الكبير الفنان “نداء كاظم” حلَّ ضيفاً عزيزاً على (مجلة الشبكة) قلّبنا معه صفحات ذكرياته عبر هذا الحوار الشيق:
* هل كان والدك الشرارة الأولى لدخولك عالم النحت كونه كان نجاراً ماهراً؟
– هذا صحيح، والدي رحمه الله علّمني أصول النحت على الخشب ومنحني الحرية الكاملة في أن أمارس موهبتي بكل حب واحترام، إذ جعلني والدي أسير وفق خريطة رسمها لي منذ طفولتي لأحقق حلمي وشغفي في فن النحت الذي أحببته قبل أن أعرف ما هو النحت؟، فأذكر أول عمل نحتّه بطلب من والدي عبارة عن (ساق أسد) من الخشب، فقمت برسم الساق أولاً على الورق ومن ثم طبعها والدي على الخشب بعدها نحتّها، كان هذا أول درس اتعلمه في أساس النحت وبعدها توالت الأعمال، ومن ثم سافرت من البصرة إلى بغداد لكي أدرس في معهد الفنون الجميلة وكان حلمي أن التقي الفنان جواد سليم لكن من سوء الحظ كان جواد في تلك الفترة في إيطاليا من أجل إنجاز نصب الحرية، فدرست على أيدي خالد الرحال، وعبد الرحمن الكيلاني، وعند عودة جواد سليم من إيطاليا إلى بغداد قابلته ودرست على يديه واستفدت من خبرته كثيرا حتى وفاته.
الجواهري بانتظار التنفيذ
* صممت تمثالاً للشاعر الجواهري ولم نره على أرض الواقع، لماذا؟
– هذا الموضوع اتعبني كثيرا بسبب ما واجهته من أناس غير معنيين بالفن، موضوع تمثال الجواهري تمت الموافقة عليه من قبل رئاسة الوزراء وأحيل الأمر إلى أمانة بغداد للتنفيذ، لكن فوجئت برفض نصب التمثال من قبل مهندسة تعمل في الأمانة بذريعة أن الجواهري شاعر نجفي، لذا من المفترض أن ينفّذ العمل في النجف وليس في بغداد؛ هل يعقل هذا؟!! قلت لها الجواهري عراقي لكل العراقيين ولم أجد أذاناً صاغية لكلامي، بعدها وافقت المهندسة أن ينفّذ العمل بشرط أن تعمل القاعدة والمقتربات للتمثال بنفسها كيف!!؟ وأنا منجز العمل بالكامل فرفضت ذلك، لذا ظلّ المشروع حبيس أمانة بغداد لثماني سنوات، حتى ألغي تلقائيا وما زال تمثال الشاعر الجواهري موجودا في بيتي ينتظر التنفيذ.
بلند الحيدري وحرقة داعش
* بعد هذه السنوات الطويلة التي قضيتها في فن النحت، هل هناك شخصية ما تتمنى لو تعمل لها تمثالاً؟
– نعم هناك شخصية أتمنى أن أعمل لها تمثالاً كبيراً وهو الشاعر بلند الحيدري، رغم أنّي التقيته في البصرة وبيروت وكنت على وشك أن أعمل له تمثالا لكن الظروف لم تسمح حينها.
* كيف شعرت وأنت تشاهد عملك تمثال الشاعر أبي تمام يدمّر ويسرق على أيدي عصابات داعش في الموصل عام 2014؟
– بكيت بحرقة وأنا أشاهد عملي الفني الجميل تمثال الشاعر أبي تمام يسلّب ويدمّر من قبل عصابات داعش الإرهابية، والأنكى من ذلك تم إنجاز تمثال آخر لأبي تمام في الموصل من قبل فنان شاب دون معرفتي أو أخذ موافقتي، على الرغم من أني صرّحت حينها باستعدادي لإنجاز تمثال أبي تمام بنفس النسخة الأصلية التي دمرت.
نحات الشعراء
* لماذا أغلب أعمالك الفنية تستهدف فئة الشعراء وهل يروق لك لقب نحات الشعراء؟
– منذ طفولتي تولدت لديَّ حب الشعر والشعراء، فكان بيتنا لا يخلو من مؤلفات الشعراء العرب والغربيين، لذا تولعت منذ الصبا بقراءة الشعر ومتابعة النتاجات الشعرية والأدبية وأخي عادل كان يكتب الشعر، ما انعكس على أعمالي الفنية، فأول تمثال عملته هو تمثال الشاعر بدر شاكر السياب في البصرة بعدها عملت تمثالي الفراهيدي وأبي تمام والتمثال الرابع كان من المفترض ان يكون أبا جعفر المنصور لكن لم يتم العمل به لأسباب كثيرة، أما لقب نحات الشعراء فلقب جميل لا بأس به.
* حدثني عن حادثة سرقة أحد أعمالك الفنية، حين كنت طالبا في معهد الفنون الجميلة، وبعد سنوات وجدت عملك المسروق في أحد معارض الفنانين؟!
– عندما كنت طالباً في معهد الفنون الجميلة أنجزت عدداً من الأعمال الفنية الخشبية للاختبار من قبل لجنة مخصّصة لذلك وإذا بهم ينبهرون بما قدمته من أعمال، لكن تفاجأت بسرقة أحد أعمالي المقدمة للجنة، لذا ذهبت إلى الفنان خالد الرحال أشكو له فقال لي: “نداء لا تحزن اترك أعمالك هذه خلف ظهرك، لأنك سوف تنجز أعمالاً أخرى أكثر جمالية وإبهار”، الغريب بالأمر بعد سنوات عدة وجدت عملي المسروق معروضاً في أحد معارض الفنانين النحاتين دون خجل والأغرب أني لم أواجه الفنان بسرقته فقط اكتفيت بنظرتي له عسى أن يخجل مني!
تمثال الملك حسين
*كيف تقرأ الآن نصب الحرية الذي ساهمت في إنجازه مع الراحل الفنان جواد سليم؟
– نصب الحرية يعاني الإهمال مع الأسف ويحتاج إلى صيانة دورية لاسيما بعد التخريب الذي طاله من قبل بعض المتظاهرين، ناشدنا كثيرا حماية النصب من الأذى والاهتمام به وبنظافته لكن دون جدوى.
* حدثني عن أعمالك الفنية خارج العراق؟
– لدي عمل فني في الأردن، تمثال نصفي يجسد ملك الأردن الراحل الملك حسين، ومن المفارقة أن النحات إسماعيل فتاح الترك أيضا صنع تماثلاً للملك قبل أن أبلّغ أنا بعمل التمثال، حتى أنّي تفاجأت إذ كانت رغبة الجانب الأردني أن يقام تمثالان لفنانين مختلفين وتمّ صبهما في لندن واعتمدوا تمثالي في مقر رئاسة الوزراء الأردنية كونه كان رسميا واحتفظوا بتمثال إسماعيل فتاح الترك، ومن المضحك عندما سألوني عن أتعابي المالية قلت لهم مثل ما طلب زميلي فتاح لأني كنت اعتقد أن فتاح قد طلب مبلغاً جيداً وعند تسلّم الصك رأيت المبلغ 1000 دولار فقط!! وعند الاستعلام فهمت أن فتاح كان قد طلب 1000 دولار لا غيرها!
أما في إيطاليا فصنعت تمثالا لرئيس وزراء إيطاليا في السبعينيات (ألد مورو)، وأيضا لدي عمل في إيطاليا للنحات الإيطالي (فادسيني) وأيضا للنحات (إميليو غريغو) وهناك بعض الاعمال الشخصية لشخصيات إيطالية.
أخطأت حين لم أصبح رساماً
* بعد عمر طويل هل ترغب أن يقام لك تمثالٌ في أحد شوارع بغداد؟
– متى ما تنصب تماثيل للفنان الراحل جواد سليم وخالد الراحل وفائق حسن في شوارع بغداد يمكن بعدها أن يصنعوا لي تمثالا إذا أرادوا، هؤلاء العمالقة الذين تعلمنا منهم النحت يستحقون التخليد والاحترام إلى أبد الدهر، لذا أدعو وزارة الثقافة أن تبادر وتعمل مسابقة بين النحاتين لعمل تماثيل لهؤلاء العمالقة بإشراف لجنة رفيعة المستوى.
* أحياناً هل تتحدّث مع منحوتاتك وكأنّها كائنات حية؟
– نعم كثيرا ما أتحدث مع أعمالي الفنية وأحيانا بصوت مرتفع وكأني أمام كائن حي وليس تمثالاً.
* لو عاد بك الزمن للوراء ما الشيء الذي ستنجزه أولاً؟
– الخطأ الوحيد في حياتي لم أصبح رساماً، كان عليّ بعد تخرجي أن أذهب إلى فائق حسن لأتعلم الرسم بدلاً من النحت على الرغم من حبي للنحت.