نوفا عماد: تناشد الطير أن يأتيها برائحة خبز التنور لتطفئ حسرتها

1٬800

 حيدر النعيمي/

صوت نسائي عراقي، ممزوج بحنيّة بصراوية وأناقة بغدادية، مرهفة الحس رقيقة، قريبة من الوطن رغم إقامتها ببلد في أقصى العالم، تكتب أغانيها التي لا يغيب عن معظمها العراق.

إنها الفنانة نوفا عماد التي تعتبر الآن أحد الأصوات النسائية الراقية التي تحاول فرض نفسها بقوة من خلال اختيارات جميلة ومعبرة عن واقع تعيشه وتعبر عن دواخلها في مرات كثيرة.
اصدرت خلال هذا العام عدة أعمال فنية حازت بعضها على اهتمام واسع.. عن هذه الأعمال وغيرها حاورتها مجلة الشبكة العراقية :

* أطلقتِ أغنية بعنوان “هاي العراقية”، فلماذا هذا العنوان بالذات؟

– كانت الفكرة في بالي قبل الأغنية بسنوات حين عاد صديق كان قد سافر من العراق الى لبنان، سألته عن جمال لبنان وجمال نسائه، كان جوابه “رغم كل الجمال الذي رأيته، لكنني تأكدت ان لا امرأة تتمكن ان تضاهي جمال المرأة العراقية وحنيتها وشهامتها وكرامتها .” وبقيت الفكرة تدور في خلدي، الى أن تبلور لحن “هاي العراقية” وأنا أدندن في أحد الايام، فاتصلت بصديقي الشاعر “ابراهيم عبد الملك” في السويد، وغنيت له اللحن عبر الهاتف، وقلت له “اكتبلي أغنية تكول هاي العراقية … تكلها فداج الروح والرية.”

* ماذا تعني لك “العراقية” على الصعيد الشخصي؟

– تعني لي الكثير على المستوى الشخصي، إذ تناوبت على تربيتي عمة والدتي (عمه وردة)، التي كانت تهتم بي وبأختي وترعانا حين تكون والدتي في العمل، ورغم كل مآسي الحياة التي مرت بها، كنت أراها قويه والضحكة لا تفارق وجهها، كذلك كانت جدتي والدة أبي التي رغم فقدانها البصر كانت كتلة من المحبة والقوة ولا أذكر يوما أن فقدانها للبصرمنعها من أن تمارس حياتها بشكل طبيعي.

أستطيع أن أقول لك إنني بدأت أعي دور المرأة العراقية حين كنت في المدرسة الابتدائية، فهي رغم كونها زوجة الشهيد أو أمه او أخته، لم تنكسر أبداً، وبقيت شامخة كالنخلة في وجه الريح فكانت المعلمة والطبيبة والمهندسة والفلاحة والعاملة، وكانت الأم والأب والمربية لأولادها، لا أعتقد أن هناك أية امراْ ة في العالم واجهت معاناة المرأة العراقية، بالنسبة لي هي ليست نصف المجتمع، إنما هي مركز المجتمع كله.

* ما يزال العام بربعه الاول واظهرتِ نشاطا فنيا مميزا، اذ أطلقت ألبوم (خايف عليه) الذي يضم تسع أغان، كم اخذ منك مدة في التحضير، ولماذا ألبوم وليست أغاني مفردة كما هو معتاد عليه الآن على الساحة الفنية؟

– فكرة الالبوم كانت تراودني منذ قررت البدء بالغناء الانفرادي، اذ كان من المفروض أن تكون “غربة” الأغنية الاولى في الألبوم هي العنوان الرئيسي له، لكنها، وبصراحة شديدة، كنت ساذجة جدا في تفكيري، وهذا بسبب قلة خبرتي في موضوع انتاج وتسجيل الأغاني من ناحية الوقت الذي تحتاجه والتكلفة المادية الكبيرة، لذا بدأت بوضع الأغاني تباعا كـ (سنكل) مثل “كلمة، ليلى، من الأعماق” … ابتدأت بالبحث عن أغاني للألبوم منذ عام ٢٠١١، لكني لم أبدا فعليا بالتسجيل حتى عام ٢٠١٢.

كان التحدي الأكبر هو كيفية تسجيل هذه الأعمال لأن اغلب الفنانين الذين تعاونت معهم يسكنون في بلدان بعيدة عني، بدون أن افقد هويتي العراقية، وبنفس الوقت اعطاء المساحة الكافية للفنانين لإضفاء روحهم في كل أغنية، فكان البوم “خايف عليه”، والذي أبصر النور بعد خمس سنوات ونصف من العمل، مزيجا من كل التجارب التي خضتها وتعلمتها في مشروعي الغنائي.

* أغنية “هاي العراقية” كانت من ألحانك، كيف كانت هذه التجربة وهل تحاولين طرح نفسك مستقبلاً كملحنة؟

– “هاي العراقية” ليست تجربتي الاولى في التلحين، اذ سبقها عمل “غربة” التي كانت من كلماتي والحاني، وكذلك “كلمة” التي تعاونت في تلحينها مع الفنان سونيل ميواني، بالاضافة الى أنني لحنت أغلب أغنياتي الـ (دويتو) التي قدمتها سابقا مع فنانين من أميركا وفرنسا وكندا.

لا أستطيع أن أسمي نفسي ملحنة نهائيا، ولن أتجرأ أن أقول هذا عن نفسي، لكني بدأت محاولاتي في التلحين في بداية مشواري وفي أول قدومي الى كندا لأنني لم أكن قد تعرفت على ملحنين عراقيين أو عرب لأستطيع العمل معهم، لذا اضطررت أن أعتمد على نفسي في ايجاد نغمات تحاكي الكلمات والموضوع الذي أريد ان أطرحه.

أما الآن فأحيانا يتوارد الى ذهني لحن ما، فأسجله واحتفظ به للوقت المناسب، وهذا ما حصل مع عمل “هاي العراقية”.

* أطلقتِ أغنية باللغة الفرنسية، هل تحاولين مغازلة العالمية؟ وهل هنالك فرق بالتجربة عن الغناء بالعربية؟

ـ أتصدق لو قلت لك انني لم افكر بذلك الى ان طرحت علي سؤالك هذا ؟ ببساطة، سمعت الأغنية بصوت الملحن “جان فيليب كرسبين” من خلال صديق يوناني مشترك، وأذكر أنني لم أستطع التوقف عن سماعها لثلاثة أيام متتالية رغم أنني لم أفهم كلمات الأغنية، لأنني لا أتحدث اللغة الفرنسية لكني عشقت الأغنية بشكل جعلني أقدم على خطوة جريئة وهي أن اطلب من الملحن ان يترجم كلماتها لي، فوجدت أن الأغنية تتحدث عن الأمل بغد أفضل وهذا ما شجعني أن أطلب غناءها.

أخذ مني موضوع إتقان النطق نحو ٦ أشهر وساعدني في ذلك اصدقاء لبنانيون مقيمون في الجزء الفرنسي من كندا، وسجلت الأغنية مرتين لوجود أخطاء في اللفظ أثناء التسجيل الاول، وبصراحة لا أؤمن انك يجب ان تغني بلغات متعددة للوصول للعالمية، اذ هناك فنانون غنوا بلغات بلدهم الاصلية لكن أغانيهم دوّت في بقاع العالم.

* بمقطع فيديو أخذ تداولاً واسعاً جداً وكان عبارة عن غنائك انت وشقيقتك نايري لأغنية والدتكما الفنانة المعروفة سيتا هاكوبيان “دروب السفر”، ما كان المغزى من ذلك وهل له علاقة بنشرك لمقطع فيديو لوالدتك فيما بعد تنتقد من يعيد هذه الأغنية بدون استئذان منها؟

– لم يكن هناك أي مغزى من نشر المقطع، أنا عادة ما أصور مقاطع وأنا أغني إحدى الأغاني العراقية وانشرها على صفحتي في الانستغرام والفيسبوك، ويومها كنا أنا ونايري في الطريق، وكعادتنا، كنا نغني في السيارة، فقمت بتصوير المقطع بكل عفوية، فوجئت بعدها بكمية المواقع التي تناقلت الفيديو ونشرته، حتى أن بعضا من المواقع نشرت معلومات خاطئة بأن الذي يغني في الفيديو هي سيتاهاكوبيان واحدى بناتها.

أما بالنسبة للفيديو الذي نشرته والدتي فلا علاقة له بالفيديو الذن نظهر فيه انا واختي، أذ يفصل بينهما اكثر من شهر، وبصراحة أعتقد أن البعض اخطأوا في فهم القضية التي تحدثت عنها والدتي، لأنها لم تكن تتكلم عن الفنانين الذين يغنون اغانيها عادة في الحفلات، فهذا أمر وارد لأن الناس تطلبها من الفنانين دائما، إنما سجلت الفيديو كرد على العدد الكبير من الفنانين الذين بدأوا بتسجيل أغانيها في الاستوديو وبيعها لفنانين عرب تحت مسمى “تراث عراقي” رغم أن الأغنية مسجلة تحت قانون حماية الحقوق الملكية الفكرية لوالدتي ومن عمل معها في هذه الأغاني. بصراحة الموضوع مؤلم جدا لاسباب عديدة، منها أن يتم إنهاء فنان له مسيرة كبيرة كوالدتي وهي ما تزال على قيد الحياة، ومن ثم محو كل من قام بالعمل على الأغنية من كاتب وملحن وموزع، وذلك بتسميتها تراثية للتهرب من أخذ موافقة التسجيل.

* ما الأغنية التي أبكتكِ في ألبومك ولماذا؟

– هما أغنيتان، الاولى “يا طير”، كنت حتى اللحظة الاخيرة قبل التسجيل خائفة منها، لأن كلماتها صعبة جدا على شخص مثلي يعاني الحنين الدائم للوطن، خصوصا المقطع الذي اناشد فيه الطير أن يستنشق رائحة خبز التنور وأن ياتي لينفخها في رئتي لأداوي بها حسراتي، والأصعب في موضوع الأغنية ان الكاتب المرحوم محمد الغريب كتب هذه الكلمات قبل وفاته في مصر عن عمر يناهر الـ٢٨ عاما، ما جعلني احس كأنني اغني بصوته، واعتقد ان نبرة البكاء واضحة في تسجيل الاغنية اذ انني اضطررت ان اتوقف خلال التسجيل عدة مرات بسبب بكائي الدائم. أما الاغنية الثانية فهي “خلف الاسوار”، والمشكلة في تسجيل عمل فيه آلة واحدة هو انك مضطر أن تسجل الأغنية كما لو كنت على المسرح، الآلة والصوت معا منذ بداية الاغنية الى النهاية بدون توقف، لذا كان من الصعب جدا أن أوقف التسجيل في منتصف الأغنية ، لكني لم اتمالك نفسي من البكاء بعد ان انتهينا من التسجيل، لأنني كنت ارى امام عيني كل مشاهد الحروب وأنا أغني .

* وأخيراً، لندخل الى موضوع شخصي لو سمحت، فحسب علاقة الصداقة التي تربطنا، اعرف انك محاطة بمشاعر اعجاب وحب من قبل الكثيرين، ولكنهم يترددون في طلب يدك او الارتباط بك خوفا من الرفض كونك مسيحية، هل يؤرقك هذا الامر، وهل يمكن الارتباط بمن هو من غير دينك؟

– بصراحة فوجئت بالسؤال، رغم صداقتنا الوطيدة، فهذه اول مرة تسألني فيها عن هذا الموضوع، محبة الناس كنز ونعمة كبيرة، ومسؤولية ليست بالبسيطة. لن اخفيك انني في بداية العشرينات من عمري، كنت كأية فتاة تحلم يوما ان تلتقي بالفارس الذي سيأتي على الحصان الابيض، لكن هذا الموضوع لم يكن هو ما يشغلني لأن تركيزي كله كان على الموسيقى، وإثبات هويتي كمغنية، لكن كلما مرت السنوات وازدادت خبرتي في الحياة كلما وجدت انني اصبحت اكثر انتقائية في اختياراتي، اذ رغم انني بحكم عملي وسفري الدائم تعرفت بالكثير من الاشخاص الرائعين، لكنني لم اجد شخصا يمكن ان يتفهم طبيعة عملي او افكاري، لأرى نفسي معه كرفيق مدى الحياة، خصوصا مع الرجل الشرقي، واعتقد انني لو وجدت رجلا يشابه في أخلاقه وطموحه وشخصيته والدي، المخرج الكبير (عماد بهجت)، ربما حينئذ سافكر بموضوع الارتباط، وأما موضوع الدين، فانا لا أحب أن اتكلم فيه لأنني أجد أن انتمائي الأول والأخير هو للعراق.