
وزير الشباب والرياضة: السينما قادرة على التغيير
حوار/ علي السومري
من عائلة قاومت الدكتاتورية وقدمت عشرات الشهداء من أجل الخلاص من طغيانها، عانى الكثير بسبب الاضطهاد والملاحقة الأمنية آنذاك، عاش ظروفاً صعبة بسبب خلفيته السياسية وانتمائه وعائلته لحزب الدعوة الإسلامية. لكنها ظروف لم تقف حائلاً بينه وبين طموحه العلمي، الذي استمر حتى نيله شهادة الدكتوراه في علم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، تخصص أكاديمي مازال حتى اللحظة يمارسه مع طلابه، بالرغم من استيزاره لوزارة الشباب والرياضة عام 2022. إنه الدكتور أحمد محمد المبرقع، رئيس (مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب) بنسخته الأولى، الذي ستنطلق فعالياته يوم الأربعاء المقبل للفترة من 19 – 22 من الشهر الجاري.
ولتسليط الضوء على المهرجان واستعداداتهم ورسالته، كان لنا معه هذا الحوار، حوار ابتدأناه بسؤال:
*(سينما الشباب يمكن أن تغيّر) شعار مهرجانكم، مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب، هل تؤمن بقوة السينما في تغيير المجتمعات نحو الأفضل والتعبير عن هويتها؟
– في بلد مثل العراق، تعرّض ويتعرّض لتغيرات هائلة على مختلف الصُعد، يقف الشباب في الواجهة لمراقبة هذه التغيرات والتأثر والتأثير بها، السينما هي واحدة من وسائل المراقبة البصرية وتسجيل هذه التغيرات. إنها ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي أداة قوية للتعبير عن قضايانا الاجتماعية والسياسية والتربوية. وأزعم أنها الأداة الأبرز في تسليط الضوء على هويتنا الوطنية الثقافية والتاريخية. بالتالي فإن الأفلام يمكنها أولاً أن تُغير من حياة العاملين في حقل صناعتها، وتنقلهم من مرحلة إلى أخرى عبر سوق العمل، وتالياً من حالة إلى حالة مختلفة، عبر تسجيلها ورويها للأحداث التي تراقبها. سينما الشباب تثير الأسئلة وربما، أحياناً، تُقدم حلولاً، أو محاولات للحلول. سينما الشباب تُلهم الشباب، ونحن في مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب نؤمن بأن وعي الشباب في السينما قادر على صنع الفارق عبر المشاركة في تقديم أفلام تدفع نحو التغيير الإيجابي.
* هل انتبهت الوزارة اليوم لأهمية السينما، بعد عقود طويلة من الاهتمام بالرياضة فقط؟
– منذ تسلمي منصبي التنفيذي وزيراً للشباب والرياضة، وضعت سياستي التي تقوم على أن الوزارة هي وزارة شباب أولاً، ورياضة تالياً، الأمران لا ينفصلان، لكننا نتحدث عن أولوية. وفي السنتين الأخيرتين شهدت الوزارة تحولاً في سياساتها نحو تقديم الدعم للثقافة والفنون، وتقديم دعم للشباب للحصول على كتب للقراءة عبر مبادرات (أقرأ)، التي تمولها الوزارة لصالح الشباب في معارض الكتاب التي تُقام في محافظات العراق، وعبر تنفيذ مبادرات تخص المسرح، لدينا مسرح الشارع، وأطلقنا مبادرة (مسرح المضيف)، الذي سيبدأ في شهر رمضان المقبل، وهو شكل مسرحي جديد أطلقت دعوة تبنيه خلال مهرجان أسبوع سوق الشيوخ الثقافي الذي أنجزناه قبل شهرين، ومهرجانات الشعر التي تكتشف شعراء تقدمهم للعالم عبر طبع منجزهم ونشره في كتب.
وزارة الشباب والرياضة لديها خطة صممتُها شخصياً من إيماني بأن شبابنا قادرون فعلاً على التغيير للأفضل، والسينما واحدة من وسائل الجذب والاعتناء بالشباب، لهذا عملنا على أن تكون متاحة لهم، عبر إطلاقنا ورش صناعة الأفلام التي تستقطب المواهب الشبابية المهتمة بالأفلام وصناعة الصورة، وأنجزنا بالفعل تجربة ناجحة في عدد من محافظات العراق، من نتائجها إطلاق مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب، الذي سيقدم هذه المواهب عبر ما أنجزوه خلالها. لدينا مواهب رائعة في جميع أنحاء العراق، والوزارة تدرك حجم مسؤوليتها عنهم، وعن تقديم كل الدعم لهم لتنمية مواهبهم والاستثمار فيهم بأفضل الطرق المتاحة، ومنها السينما الشبابية، من خلال ورش صناعة الأفلام ومهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب، التي نؤمن بأنها قادرة على تقديم العراق للعالم بغير الصورة النمطية التي تشكلت عنه.
* منذ سقوط الطاغية عام 2003، وصنّاع السينما الشباب يطمحون لإنتاج أفلام توثق حقبته الدموية، لكنهم لم يجدوا دعماً حكومياً، هل يمكن اعتبار هذا المهرجان بارقة أمل من حيث الدعم؟
– كأكاديمي، أقول لك إننا في العراق نمتلك إرثاً شائكاً مشتبكاً، لذا يجب حلحلته. من أجل ذلك أرى ضرورة سرد ما تعرضنا له جميعاً كأشخاص عراقيين بمختلف انتماءاتنا وتوجهاتنا من سلطة الدكتاتور الذي دمر العراق. السينما يمكنها أن تساعدنا جميعاً في رصد ما حدث هنا، وتقديمه لنا لنكتشفه بتمهل وبوجهات ومعالجات عديدة. مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب هو خطوة عملية نحو بناء بيئة سينمائية شبابية تساعد على صناعة الأفلام، وتقديم دعم من خلال المُنح الست التي سنقدمها كجوائز لصانعي أفلام شباب يقومون بعملية تطوير أفلامهم وإنجازها. نحن اليوم نقوم بتشجيع الشباب على إنتاج أفلامهم ونساعدهم بما متاح لدينا، ونعمل على أن نسهم في صناعة أفلام تقدم الواقع العراقي بمختلف جوانبه. وبالمناسبة، مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب ليس منصة لعرض الأفلام فقط، بل هو مُلتقى لتبادل الخبرات وتسويق أعمال الشباب ومساعدتهم للانخراط في صناعة الأفلام.
* تبنت الوزارة إقامة العديد من ورش صناعة السينما، وأسست لمهرجان دولي، هل سيستمر هذا التقليد؟
– البدء بالتأسيس الصحيح هو الأمر الأصعب في أي عمل في الحقل الثقافي، وأنا هنا أتحدث عن مهرجان سينما يقدم نفسه بتقاليد المهرجانات الرصينة. حين فكرت في تأسيس مهرجان لسينما الشباب، عملت بقوة من أجل أن يكون واقعاً وليس حُلماً. ولأنني مؤمن بأن ما نقوم به يصب في صالح الشباب والمواهب، فأنا مُلتزم بجعل مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب تقليداً سنوياً لن نتخلى عنه. بالتأكيد ستواجهنا الصعوبات، لكننا سنعمل على تذليلها من خلال شركاء موثقين يقدمون المساندة للشباب عبر تقديمهم الدعم لاستمرار المهرجان. وطالما استمر المهرجان ستستمر ورش صناعة الأفلام التي نخطط لتوسيع نطاقها وتوفير برامج مستدامة لها لدعم المواهب الشبابية عبر شراكات مع منظمات داعمة. نجاح المهرجان في دورته الاولى سيكون حافزًا لمزيد من الشراكات في حقل صناعة الأفلام الشبابية، وهدفنا هو تحويل المهرجان والورش إلى قوة دافعة لاكتشاف وتطوير المواهب الشبابية، وتحويل وزارة الشباب والرياضة إلى داعم رئيس لهم.
* هل يمكن لوزارة الشباب والرياضة تخصيص أموال لإنتاج أفلام روائية احترافية طويلة تمثل العراق في المهرجانات العالمية الكبرى؟
– وزارة الشباب والرياضة ليست جهة إنتاج قطاعية، بل هي حاضنة مسؤولة عن المواهب الشبابية وصقلها وتطويرها وتوفير التدريب اللازم لها، وما نطمح إليه أن تكون لدينا مواهب قادرة على إنتاج أفلام بمواصفات مقبولة. نحن نوفر دعماً مستمراً للشباب، لكننا لا ننتج أفلاماً بالمفهوم الربحي للإنتاج، لأنه من واجبات جهات أخرى في العراق، منها القطاع الخاص، الذي تموله الدولة حالياً عبر مُنح الدراما ومنحة السينما التي قدمها السيد رئيس الوزراء المحترم ضمن دعمه للإنتاج الدرامي في العراق. بالنسبة لنا نعمل على إيجاد آليات تتيح توفير تمويل لتدريب الشباب، يقومون خلاله بإنتاج أفلام قصيرة، لكنني شخصياً أتطلع لشراكة وتعاون مع المانحين من الشركات العراقية والجهات الداعمة والمنظمات الدولية لدعم السينمائيين الشباب الذين يستحقون أن يكونوا في المشهد السينمائي العالمي، وأنا ملتزم بالسعي لتحقيق ذلك.
* أين وصل مشروع صندوق دعم السينما العراقية الذي تبنته الحكومة العراقية؟
– هناك منحة دعم السينما، وهي منحة قدمها السيد رئيس مجلس الوزراء للسينمائيين العراقيين لإنجاز أعمالهم، وهو أمر مختلف عن مشروع (صندوق دعم السينما العراقية) الذي تم تقديمه عبر مجموعة من الشباب السينمائيين لإنشاء الصندوق الذي يقوم بتمويل صناعة السينما في العراق، ودعم الأفلام العراقية في مراحل الإنتاج، وهو مشروع، بحسب علمي، تم تقديمه ومازال أمر المطالبة به مرهوناً بالداعين إليه، لكني أقول لك إن هناك جهوداً متواصلة في الحكومة لوضع آليات واضحة تساعد السينمائيين العراقيين على إنجاز أفلامهم من خلال إطار تشريعي وتنفيذي، يضمن وصول الدعم للمشاريع السينمائية الواعدة.
* ما رسالة الوزارة من خلال هذا المهرجان؟
– رسالتنا الدائمة لشبابنا هي أن السينما قوة للتغيير نحو الأفضل، وهو ما نستطيع القيام به معاً من خلال دعم بعضنا بعضاً، نريد من خلال هذا المهرجان أن نقدم لأنفسنا وللعالم صورة العراق القوي بثقافته وفنونه التي يُنتجها شبابه القادرون على تقديم أعمال سينمائية مبهرة. مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب هو دعوة للإبداع وللحوار، وللتأكيد على أن السينما يمكن أن تكون جسرًا يوصلنا بالعالم.