فلسطينيو العراق تحسنت ظروفهم لكن معاناتهم لم تنته

1٬956

اياد الخالدي/

مع أن العلاقات الفلسطينية العراقية هي علاقات ضاربة في جذور التاريخ، الا ان لجوء الفلسطينيين بعد النكبة 1948 الى العراق، اعطى تلك العلاقات بعدا آخر، لاسيما وأن الفلسطينيين عاشوا في العراق وانسجموا مع المجتمع العراقي وتصاهروا، كما أن أغلبهم ولد في العراق، ولم يجد الفلسطيني مشكلة صعبة هنا طوال العقود الماضية، إذ كانت جميع الحكومات العراقية تتعاطف مع القضية الفلسطينية وكذلك الشعب العراقي، لكن المعاناة حدثت بعد سقوط النظام السابق.
الخوف من المجهول
عندما يسألني الناس عن فلسطين اقول لهم انا ولدت في العراق، إسألوني عنه، فأنا احب العراق وأهله مثل حبي لفلسطين وربما أكثر لأنني عشت معهم هنا الحلوة والمرة.
تلتقط أم رحيم المرأة الخمسينية أنفاسها غارقة في الدموع، وتشيح بنظراتها عن الجالسين حولها الى غرفة صغيرة تنحشر فيها مع ابنائها واحفادها وهي تسرد ماحدث، تقول أم رحيم: بعد دخول الامريكان عشنا مأساة لم نتوقعها، بعد أيام وأحلام أمضيناها بين شعب كريم، بادلنا المحبة بالمحبة، حتى غدونا اليوم نخشاهم ويخشونا، ولم نعد نميز بين عدو وصديق، مع اننا نعلم ان أغلب الناس تحبنا وتتعاطف معنا، لكن ليست بايديهم حيلة.

فقدنا الأحساس بالأمن
وتؤكد أم رحيم «مرت علينا أيام وليال صعبة، كان الموت يتربص بكل فلسطيني عندما نشبت الحرب الطائفية، وكلما حدث تفجير تقول الأخبار ان «فلسطينيا فجر نفسه وقتل عراقيين»، لاتغمض لنا عين ونحن نتوقع ان يحدث لنا مكروه، فأما الشرطة العراقية وأما الجيش الأمريكي يفتش بيوتنا ومخيماتنا، ويجمع شبابنا ويقتادونهم الى المخيمات، ثم يأتي دور مسلحين يقتادون من شبابنا مجموعة، وبعد أيام نعرف انهم قتلوا.
بعفويتها ومرارة حديثها تعكس أم رحيم حجم المأساة التي عاشها الفلسطينيون، لكن الموت في العراق والدماء كانت تراق في الشوارع وفي الاسواق والتجمعات، قتلا وذبحا وتفجيرا،تطال العراقيين مسلمين ومسيحيين، سنة وشيعة، كما طالت الفلسطينيين.
توضيح الموقف الفلسطيني
يضطلع السفير الفلسطيني احمد عقل بمهمة في بغداد على اكثر من اتجاه، وهو يدرك تماما أبعاد القضية التي يعمل عليها، وتتلخص تلك المهمة بتوضيح الموقف الفلسطيني للشعب العراق وحكومته من قضايا العراق التي تحظى كما يقول السفير بدعم فلسطيني في كل المحافل الدولية، لكن المهمة الأكبر هي معالجة الشرخ الكبير الذي ولدته سنوات الدم والتنكيل وتبادل الاتهامات، التي وضعت العلاقات بين الشعبين في مهب الريح.

القدس وبغداد
يؤكد السفير عقل ان الفلسطينيين، ظلموا في العراق مرتين، مرة جرى حسابهم على أنهم من جماعة صدام بالمطلق، مع ان الفلسطينيين لايتعاملون مباشرة مع الحكومة العراقية، لانه توجد هنا منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمات آخرى تنضم توجهات الفلسطينيين، وأن من أنضم للبعث انضم بنفس الظروف التي انضم فيها العراقيون للبعث، وهؤلاء التحقوا بعد سقوط النظام بالبعثيين الذين رفضوا العملية السياسية و»قاوموا الحكومة والامريكان ومثل البعثيين لم تبق عوائلهم هنا، بل توجهوا بها الى مناطق اخرى.
والمرة الثانية جرى احتسابهم على جهة في الحرب الطائفية، ودفعوا ثمنا كبيرا وأن اغلب الفلسطينيين، أناس لايعرفون الطائفية، لان الفلسطينيين من طائفة واحدة.
ولفت عقل الى ان الفلسطينين لازالوا يزورون شهداء العراق في فلسطين في الأعياد والمناسبات، فهؤلاء الشهداء ضحوا بأغلى مايملكون من أجل فلسطين.
ويعتقد السفير عقل كما العديد من المراقبين أن الشرخ النفسي الذي حدث بين العراقيين والفلسطينيين تقف وراءه الصهيونية واسرائيل اذ هما الرابح الوحيد من كل ما جرى.
وروى ماحدث بعد أيام من سقوط النظام السابق، كيف ان مجموعة تابعة للجيش الأمريكي أقتحمت السفارة الفلسطينية، وطوقتها بالأسلاك الشائكة، وتوجهوا مباشرة الى لوحة في السفارة تمثل وثيقة تؤمة بين العراق والقدس موقعة منذ عام 1964 ومزقوا هذه الوثيقة، بنبرة واثقة يوضح السفير عقل “هذا العمل ليس اعتباطيا، انهم يعرفون معنى وقيمة الوثيقة، وان اعتقادنا الذي يتعزز دائما بالعديد من المعطيات ان هؤلاء يهود يعملون لصالح اسرائيل مع الجيش الأمريكي.
واشار الى ان مؤسس الصهيونية قال ان القنبلة النووية لاتحمي اسرائيل ولكن من يحميها، هو ان نرى بغداد ودمشق والقاهرة تحترق، لانهم يعرفون ثقل هذه المدن وتاريخها، وهذا مانشاهده اليوم.
وبالنتيجة ماتلا ذلك من احداث كان يصب في هدف واحد، هو فصل العراق عن القضية الفلسطينية.
انتقام
ووفقا لاحصائيات فان عدد الفلسطينيين في العراق وصل الى 35 الف فلسطيني لم يتبق منهم سوى سبعة الى خمسة الاف شخص.
لقد عاش الفلسطينيون الجحيم، وذاقوا الموت، وتعددت ألوان معاناتهم، إذا جرى إخراج العوائل الفلسطينية من منازل مؤجرة من العراقيين، ليجدوا انفسهم في مخيمات تفتقد الى ابسط مقومات العيش، وتجمعوا في البلديات وفي نادي حيفا، وفقد العديد منهم وظيفته الأمر الذي جعلهم يعيشون فصولا لايمكن احتمالها من المعاناة، بينما تحترق البلاد في حرب طائفية اشعلها الارهابيون ومن يحركهم من المخابرات العالمية.
الأردن ترفض أستقبالهم
قرر عاطف  الماضي الذي ولد وعاش في العراق التوجه الى الحدود العراقية الاردنية الى طريبيل، ومثله لجأ الاف الفلسطينيين الى الحدود العراقية الاردنية، لكن الحكومة الاردنية رفضت استقبالهم، وأقامت لهم مخيمات على الحدود في الصحراء حيث حياة لجوء وعذاب لاتطاق، فيما توجهت عوائل اخرى الى سوريا، لكن المعاناة كانت رفيقة اللاجئين، حيث صعوبات العيش وانعدام فرص العمل، وعدم الحصول على علاج او ادوية.
يقول جمال نايف من هجرة الى اخرى تفرقت عوائلنا  بعد اربع سنين سنفترق، الاخ في بلد والاخت في اخر والأم والاعمام والاخوال والاصحاب توزعوا في الشتات بين البرازيل والنرويج وكندا ودول اخرى، بينما فضل البعض البقاء في العراق وأحتمال الصعوبات والمخاطر عن العيش في هذه المخيمات.

القوانين مازالت سارية
يؤكد السفير الفلسطيني احمد عقل ان ثلثي الفلسطينيين غادروا العراق، وان المتبقين وان تحسنت اوضاعهم، فهم لايزالون يعانون، ورغم وجود قوانين مازالت سارية وتنظم وجود الفلسطينيين في العراق الا انه لايعمل بها مع ان المستشارين في رئاسة الجمهورية ورئاسىة الوزراء اكدا استمرار القانون  202 الذي ساوى اللاجئ الفلسطيني بالمواطن العراقي ما عدا الجنسية وخدمة العلم والحقوق السياسية، لكن المشكلة، ان الموظف الاداري في معظم الوزارات مزاجي وهو يعامل الفلسطينيين حسب مزاجه، المشكلة ليست في الوزراء لكن في الملاكات الادارية في الدولة
ويشير الى امثلة لاحصر لها من يوميات المعاناة، فالوثيقة الفلسطينية التي تصدرها الحكومة العراقية، صالحة لمدة اربع سنوات، ولكن يطلب من الفلسطينيين تجديدها سنويا، وهذا يحتاج الى سلسلة من المراجعات والتعقيدات، وقد تستمر عملية التجديد اكثر من ستة اشهر، ولك ان تتخيل ماذا تعني ستة اشهر من المراجعات لدوائر ادارية وامنية، بينما اصبحت كل الدول لاتعطي اقامة للفلسطيني على اساس اذا كان مولودا بالعراق يحق له الدخول الى العراق متى يشاء.
وتحدث السفير عن معاناة احد الفلسطينيين وهو يعمل مدرسا وذهب ليمضي العطلة في تركيا، وبقي هناك ثلاثة اشهر ويوما واحدا، وعندما اراد العودة الى بغداد لم يسمحوا له بالدخول، وعومل على انه مقيم وانتهت اقامته لانها زادت عن ثلاثة اشهر خارج العراق، من دون أن يأخذوا في الاعتبار انه ولد في العراق، ولم نتمكن من ادخاله بتأشيرة طارئة.
مناخ جيد
واوضح السفير عقل ان اوضاع الفلسطينيين الان جيدة وان المرجعيات الدينية والحكومة بمختلف اطرافها والاحزاب بمختلف توجهاتها لهم موقف داعم للفلسطينيين، والمناخ السياسي جيد.
وان الاعلام ممكن ان يلعب دورا ايجابيا في خلق مناخ طيب، كما ان انضمام فلسطينيين ل»داعش» لايعني ان الشعب الفلسطيني هو الذي ارسلهم او انهم يمثلون فلسطين.
وقال نحن وجهنا دعوة الى وزير الثقافة للمشاركة بمؤتمر تمازج الثقافي، كما ان هناك ندوة عن الشعراء العراقيين الذين كتبوا قصائد عن فلسطين،وكثيرا من الفعاليات المقبلة.
واكد السفير بأن عدد الفلسطينيين الذين وصلوا إلى العراق سنة 1948 تراوح ما بين ثلاثة آلاف نسمة وخمسة آلاف نسمة، ووصل سنة 2003 بـ 34 ألفاً إلى 42 ألفاً.
وقد تولّت وزارة الدفاع العراقية رعاية اللاجئين الفلسطينيين بعد وصولهم إلى العراق؛ حيث تمّ توزيع سكنهم في المقرات الحكومية.