أحمد الغالب.. حرب الكترونية انتهت بانتصاره

1٬812

آية منصور/

درس بعناية علم البرمجيات والتكنلوجيا، حتى أصبح شغفاً يلامس قلبه دون هوادة. اكتشف عالماً خفياً يطحن النساء في معترك من الخوف والقلق، فأخذ على عاتقه حمايتهن ومحاربة كل من يحاول ابتزازهن أو إلحاق الضرر بهن. هذا العمل الأخلاقي الذي اضطلع به أحمد الغالب على نحو متواصل، جعله ينال جوائز عالمية وشهادات مهمة في عالم محاربة الابتزاز الإلكتروني..
الحرب الإلكترونية الجديدة
لأن ظاهرة الابتزاز الالكتروني انتشرت بكثرة داخل المجتمع، مع قلّة تصويب النظر والانتباه لها منذ بداياتها، كان لابد من الالتفات إلى هذا الموضوع والعمل عليه. يروي أحمد لـ”مجلة الشبكة” قصة تأسّيسه صفحة تُعنى باستقبال شكاوى الضحايا، فيقول: لم يكن الموضوع سهلاً منذ البداية، لكنني قررت خوضه. ومنذ اللحظة الأولى لإنشاء الصفحة وإعلانها محاربة المبتزين، هطلت عليّ أكوام من الاستغاثات, ولاسيما من الفتيات، فبدأت بوضع جدول خاص بدأ بإغلاق الصفحات المبتزة، أو الحوار مع أصحابها للوصول إلى نتائج.
أحمد الذي باشر عمله منذ عام 2015 بنشر معلومات تكنولوجية تثقيفية لزيادة الوعي الإلكتروني، لم يكن يعلم أن فريقه سيستقطب عشرات الأشخاص للمساعدة.
سألناه عن كيفية حل جميع المشكلات وحده، فأجاب قائلاً: ثقة العاملين معي جاءت من متابعتهم مشواري وإبدائهم الرغبة في مساعدة الناس من ضحايا ظاهرة الابتزاز الإلكتروني، إذ قسمناهم حسب الأولويات. هناك بالطبع رسائل أخرى غير الابتزاز المعني بالفتيات، ومنهم من سُرقت هواتفهم أو حواسيبهم وسُربت ملفاتهم وخصوصياتهم، وجرى نشرها على مواقع التواصل، نحن نقوم بدورنا بالمساعدة في حلها.
مئات الشكاوى والمتضررين
بالطبع هناك مئات، ولربما آلاف، الرسائل التي تصل إلى أحمد يومياً طلباً للحماية، لكن كيف يستطيع اختيار الضحية الأهم، يؤكد لنا بالقول: ليس هناك أشخاص بحاجة للمساعدة أكثر من غيرهم، الجميع يرون أن مشاكلهم هي الأخطر والأصعب، لكني بدوري أحاول مساعدة الغالبية قدر المستطاع. بعض المشاكل بحاجة إلى معالجة فورية وتدخل سريع، كتعرض الهواتف والحسابات للقرصنة ونشر صور أصحابها الخاصة من قبل المبتز والمساومة من أجل الحصول على المال، مشاكل مثل هذه يجب أن تكون لها الأولوية.
كيف نحمي المرأة من الابتزاز؟
طرق استرجاع حقوق النساء المتعرضات للابتزاز متعددة لا يمكن الجزم بها، كما يؤكد أحمد الغالب، وذلك لتنوع المشاكل وشخصيات المبتزين أيضاً وطرق ابتزازهم. لكن لأحمد رأيه نظراً لخبرته، يضيف بقوله: لكل مشكلة ثمة آلية أو طريقة خاصة لحلها، الجانب النفسي له دور مهم في إعادة الثقة إلى الضحية وذلك عن طريق مناقشة المشكلة بكل هدوء، وتعليمها بعض الإرشادات والحلول الممكن اتباعها لتخطي الموضوع وتجنب تكراره.
التدخل الأمني جاهز
هناك مشاكل لا يستطيع أحمد حلها لوحده، عندئذ لا يجد بداً من التعاون مع الجهات الحكومية من أجل مكافحة هذه الجرائم التي يتعرض لها الأفراد، وقد تصيبهم بأضرار أو مخاطر نفسية وجسدية، يخبرنا بقوله: لقد اعتمدت في معالجة بعض المشاكل على القوات الأمنية لحلها، واعتقل عدد ليس بالقليل من المبتزين، بعضهم حاول اختلاس آلاف الدولارات من الضحايا.
واحدة من مئات القصص
لا تكفي السطور لسرد قصة واحدة مما يشهدها احمد وان كانت غالبية القصص التي يواجهها موجعة وعميقة في تفاصيلها، ويخبزنا بقصة احداهن، بقوله: إحدى المشاكل استمرت أكثر من سنة، وطوال هذه المدة كنت أنا وفريقي مستمرين بالعمل فيها، ومحتواها حذف عشرات الحسابات والفيديوهات يومياً لامرأة منفصلة حديثاً عن زوجها، الذي قام بالانتقام منها ومن أهلها بنشر صورها الخاصة الموجودة في جهازه، بعد ذلك تمت متابعة تنقلاته وتحركاته، وإلقاء القبض عليه.
والمبتز، ما رأيه؟
أردنا أن نعرف ردود أفعال المبتز عند ملاحقته وتعطيل حساباته، أو حتى ملاحقته، فسرد لنا أحمد العجب العجاب، حسب قوله: بعضهم تتغير أقواله ١٨٠ درجة ويبدأ بالاعتذار أو إنكار التهمة الموجهة إليه والاختفاء تماماً وعدم إزعاج الضحية مرة أخرى، فلا يكرر فعلته مع الضحية ولا مع غيرها، والبعض الآخر، وهو النوع العنيد المعتد بنفسه والذي يحمل توجيهاتنا إليه على محمل السخرية والاستهزاء، فيكون اعتقاله هو الأنسب.
شهادات خلّاقة
مؤخراً، حصل أحمد على شهادة (الهاكر الأخلاقي ‏Certified Ethical Hacker v11)، التي تعدّ من أهم الشهادات في أمن المعلومات على مستوى العالم، واستطاع كذلك نيل جائزة أفضل محارب للابتزاز الإلكتروني على مستوى العالم العربي عام 2019، التي منحتها له شبكة إعلام المرأة العربية.
خلية إلكترونية للمواجهة
يتكون فريق أحمد من افراد يعملون بكل حب واجتهاد من أجل المساعدة. يخبرنا أحمد أن بينهم من يحمل شهادات عليا في مجال المعلوماتية، ويعملون معا كالخلية ليلا ونهارا مما جعل الصفحة ملاذ مساعدة لمئات، ولربما آلاف النساء والأشخاص، يحدثنا قائلاً: العدد لا يحصى، أنا أعمل في هذا المجال منذ عام 2015 وأشعر بالغضب الكبير، على نحو مستمر، بسبب قلّة اهتمام المواطنين بخصوصياتهم، وحتى بكلمات السر الخاصة بهم، وعدم التزامهم بتعليمات وخطوات الحماية لحساباتهم ومواقعهم الشخصية، أنا أنشر يومياً طرقاً مختلفة للوقاية الإلكترونية، ذلك أن ضعاف النفوس لا يملكون ضميراً، واختراق حساب غير مؤمن كفاية ونيل بعض الأموال من أصحابه، هو أسهل عمل بالنسبة لهم.
احذروا المبتز
يحذر أحمد، في صفحته، الضحايا من دفع أي مبلغ مالي للمبتز وعدم الامتثال لأوامره لأن، حسب تأكيده، الدفع مرة واحدة سيجعل المبتز طمّاعاً وطالباً للمزيد. يكمل أحمد بالقول: نستطيع السيطرة على المبتز والحد من ابتزازه بسهولة عندما لا ترضخ الضحية له، أغلب المشاكل تكبر بعد إعطاء المبتز المبلغ الذي يطلبه، إن جشعه يجعله يرتكب أفعالاً أشنع في (السوشيال ميديا)، وعدم الاكتراث لمحاولاته يجعل الحل أسرع.
يؤكد أحمد، رغم بعض الانتقادات التي تطاله، أن عمله واضح وهو خدمة الآخرين طوعياً، وتقليل حدة المشاكل في (السوشيال ميديا)، يضيف: لا أنتظر ثناء من أحد ولا مديحاً، حتى الجوائز والشهادات لا تعنيني بقدر رسالة دعاء خالصة تمدني بها فتاة تمكنّا من إنقاذها واسترداد حقوقها.
كل يوم معلومة
فضلاً عن هذا، يقوم أحمد بتثقيف المجتمع تكنولوجياً بنشره اليومي فيخبرنا: أنشر على نحو دوري منشورات التوعية وملاحظات عدة عن الحماية وعدم الإفراط بالثقة الممنوحة للطرف المقابل وإرسال المتعلقات الشخصية من صور وفيديوهات، أو نشر حياتهم الخاصة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بعضهم يستمع لما أقول ويلتزم بالأمر، لذا أنا مستمر لأجلهم.