“سيدة التعليم” فاطمة البهادلي.. تُعلِّم النساء وتطالب بحقوقهن

1٬064

آية منصور /

لم يكن الأمر سهلاً على فاطمة البهادلي، لكنها أصرت على فتح أبواب الأمل وتمهيد طرقها بكثير من العطاء والحب، تعلمت كثيراً وعلّمت آلاف النساء دون مقابل، قدمت كل ما يمكن تحقيقه، ليعود الخير عليها مثل دورة حياة وردة فواحة، ويمنحها عشرات الجوائز والتكريمات.
ثلث المدينة لا يقرأ
في البدء، كانت السيدة فاطمة البهادلي تسكن الحيانية، ذلك الحي الذي تعداد سكانه ثلث سكان البصرة وهي، عندما كانت طالبة في المتوسطة، شاهدت عشراء النساء وهن يحرمن من التعليم، جراء الحروب.. تقول:
-لقد ذهب الجنود إلى الجبهات وتركوا النساء يصارعنَ الحياة، ولم يتمكنَّ من تحقيق أحلامهن بالدراسة، وازداد الوضعُ سوءاً أثناء الحصار الاقتصادي، إذ لم يتمكن الأهالي من شراء المستلزمات المدرسية أو الثياب الرسمية للدراسة، فكنت أفكر في عمل شيء ما، لكني كنت أجهل ما هو!
وقبل أن تعلم فاطمة أن في الحياة منظمات مجتمع مدني، أخذت عهداً على روحها وضميرها، أن تبدأ بتدريس الطلبة الفقراء والمتعففين في منزلها، بشتى التخصصات المنهجية، رغم أنها كانت طالبة حينها، تحدثنا قائلة:
– اضطررتُ لتجميع أكياس الطحين وخياطتها لعمل خيمة وضعتها فوق سطح منزل أهلي، أجمع داخلها كثيراً من الطلبة وأقسم الوقت بينهم بعد عودتي من المدرسة، وجميعهم من متعففي المنطقة وفقرائها.
فاطمة المتمردة
البهادلي، التي أتمت دراسة اللغة العربية في جامعة البصرة، كانت الطالبة المجدة، المتمردة، الباحثة عن الحق بين طيات الحياة، الداعية لحقوق أقرانها الذين أضرّ بهم الحصار، تكتب الدروس والمحاضرات وتوزعها على المتغيبين لأسباب قاهرة، لقد صارت لها شعبية هائلة في مدينتها، مع حب كبير يكنّه لها أبناء البصرة لما تقدمه لهم.
بعد الحرب بأشهر قلائل، أرادت البهادلي عمل شيء مختلف يعود بالنفع على نساء الحيانية والأحياء المجاورة لها، تخبرنا:
– فكرت مع صديقاتي في عمل حلقات دراسية لتعليم النساء وتدريسهن، لم نكن نعلم ماذا يقول الناس عن عملنا، لكننا أسسنا جمعية دون أن نعرف ما تعني الكلمة في عوالم المجتمع المدني، وكانت غايتنا الرئيسة هي تعليم الأميّات وغير القادرات على إكمال دراستهن.
تطوعت أكثر من 17 مُدرّسة من مختلف التخصصات المنهجية، وتم الاتفاق على التدريس في مناطق قريبة للجميع، وجُمعت المتدربات في الجوامع والمساجد، وأنشأنا استمارة رسمية للتقديم على الدراسة وُزعت في الجامع لكل من تود الدراسة. تكمل السيدة فاطمة:
– يعلن الجامع للناس عن أوقات الدراسة فتتجه الفتيات للتعلم، إذ استطعنا تقسيمهن حسب الفصول الدراسية وحسب الأعمار، من السادسة حتى الثانية عشرة ومن الثانية عشرة حتى العشرين، ثم صف مختص بمن تتراوح أعمارهن بين العشرين سنة حتى الأربعين أو أكثر، ثم وسعنا فكرتنا وأدخلنا الأولاد في برامجنا التعليمية، وانضم الينا شباب متطوعون.
نساء يدرسن في الجوامع
كانت الظهيرة هي الوقت المناسب للمحاضرات التعليمية، جراء خوف أغلبهن من الوضع الأمني المنفلت، في حين كانت دروس الأولاد بعد أذان المغرب. وتؤكد فاطمة أن جمعية الفردوس -التي سميناها بهذا الاسم- لأن من يعمل صالحاً له الفردوس، تطور عملها فشمل المطالبة بالحقوق المسلوبة كافة، وليس حق التعليم وحسب.
-في عام 2004 سُجلت جمعيتنا على أنها أول منظمة في البصرة، وكنا نحاول قدر الإمكان معرفة كيفية التسويق لجمعيتنا أو استقبال المتطوعين، كان عملنا عفوياً وليس مُجدولاً.
جمعية الفردوس
استقبلت الجمعية عشرات المتطوعات، وكنّ من مختلف الديانات والطوائف، يجتمعن لغاية واحدة: النساء وحقوقهن، لأنهن الأكثر إقصاء وتهميشاً في الحياة العراقية، بدءاً من أبسط ما يرغبن به، مروراً بكل ما يمكن الحديث عنه والبكاء. وقد تمكنّا من الوصول إلى أكثر من 3000 امرأة وتدريسهن، لنتجاوز حاجز السادس الابتدائي في مطلع عام 2006 دون أي دعم، كما استطعنا بمعاونة مديرية التربية جعل تدريسنا لهن قانونياً وموثقاً، وأن تكون شهادتنا معتمدة.
أهداف، ليست القراءة وحدها
“استهدفنا كل بقعة في البصرة، مروراً بالقرى والأرياف، فاكتشفنا الزواج القسري، المبكر، والحالات المرضية غير المعلن عنها”. تواصلت فاطمة مع وزارة الصحة من أجل إنشاء برامج مفيدة وتوعوية تساعد في تقوية النساء: “اكتشفنا أيضاً حالات الزواج غير المسجلة التي تحدث غالباً في القرى، حيث يكتفي أهل الزوجين بتزويج فتياتهم بعقد ديني غير مدون في المحكمة، فلا تستطيع الفتاة أن تحصل على حقوقها إذا ما حصل الطلاق، ولا يملك أبناؤها أية مستمسكات تثبت وجودهم، وقد عملنا على تغيير ذلك الواقع ونجحنا في حالات عديدة.”
شهادات، فرص عمل، وحتى زواج قانوني
ساعدنا 160 سيدة في الحصول على فرص عمل كمعلمات في مختلف المدارس، وبدأت الجمعية برامجها في التمكين الاقتصادي، وإيجاد أفكار العمل، التي ستعود بالنفع على النساء، هذا الأمر وغيره، مما فعلته السيدة فاطمة، لم يكن سهلاً أو متاحاً على الإطلاق: “كنا عرضة للتهديدات منذ عام 2006، إذ تضم الجمعية عشرات النساء من مختلف الديانات، منهن صابئيات ومسيحيات فضلن ارتداء العباءات والحجاب، لكنهن كن يتعرضن للتهديد المباشر، حتى أن أغلبهن تركن العراق، أما أنا، وبعد كل تهديد، كنت أحاول الانزواء بضعة أسابيع في قرى ميسان، أو النجف، وأنهي عملي عبر الاتصالات بالمتطوعين.
١٧ عاماً من الحب والتعلم
تضيف فاطمة: نناضل من أجل تفعيل قانون العنف الأسري بعد حل موضوع الزواج خارج المحكمة، وما زال الضغط مستمراً لإنشاء المزيد من المدارس، كما أسهمنا في تمكين النساء من الدخول في المعترك السياسي، وأنا أول من فكر في إعادة دمج المحاربين من الحشد الشعبي، وبناء السلام من خلال التماسك المجتمعي، وإضافة كثير من المبادرات للدعم النفسي للمحاربين، ولجميع العائدين من الموصل والأنبار، وكيفية عمل مشاريع خاصة بهم.
جوائز لا حصر لها
كَرّمت منظمة (فرونت لاين ديفندرز الآيرلندية (Front Line Defenders فاطمة البهادلي بمناسبة اليوم العالمي للمدافعين عن حقوق الإنسان لجهودها الكبيرة في الدفاع عن حقوق المرأة العراقية، وكانت واحدة من بين 5 سيدات كرمتهن المنظمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2020 في تصنيف المدافعين عن حقوق الإنسان المعرضين للخطر، كما حازت فاطمة على جوائز أخرى من منظمات عدة، وساهمت بحضورها جلسات في الأمم المتحدة لنقل الواقع الذي تعيشه المرأة.