صقر آل زكريا.. صاحب مبادرة “رسائل إلى الموصل” قبل تحريرها

611

آية منصور /

عندما كانت الموصل أسيرة بيد التنظيم الإرهابي، ومعزولة تماماً عن العراق، فكر الناشط والصحفي (صقر زكريا) بإطلاق مبادرة “رسائل إلى الموصل”، وكانت الفكرة الأساسية فيها هي جمع آلاف الرسائل من مختلف المحافظات العراقية، ورميها من سماء المدينة المنكوبة، كنوع من التحفيز والدعم للعوائل المحاصرة.
يقول زكريا: “حينما قطع داعش الإنترنت عن الناس، مع التلفاز والقنوات، وتقطعت جميع سبل التواصل بين الموصل والمحافظات الأخرى، ومع بدء التحرير وتهديدات داعش، فكرت بقلب الطاولة رداً على محاولات التنظيم الإرهابي في بث الرعب بنفوس المواطنين والأجهزة الأمنية.”
نفذ صقر فكرته عن طريق جمع رسائل من مختلف محافظات العراق موجهة إلى أبناء الموصل، رسائل عظيمة بلغت أكثر من ٥٠٠٠ رسالة من مجهول إلى مجهول، ومن شخص لا ينتظر رداً من الآخر، ولا يعرف من أرسلها، إذ نجحنا باستنساخ أكثر من ٥ ملايين نسخة، قامت الطائرات الحربية العراقية بنشرها وتوزيعها فوق الأراضي الموصلية، يكمل صقر حديثه:”بعد تحرير الموصل، كانت غالبية العوائل قد احتفظت بهذه الرسائل التحفيزية، التي كانت تحمل كمّاً كبيراً من الحب والدعم لأهل المدينة الذين لا يعرفون مصيرهم.”
وأبلغ أحد الأصدقاء صقراً أن الرسائل سقطت ليلاً، وبقي تنظيم داعش يحاول جاهداً جمع هذه النسخ لكي لا تصل إلى المواطنين، لكنها هبطت على سطوح منازلهم وفي باحات منازلهم، فاحتفلوا بتكاتف المدن الأخرى معهم.
روح الحياة
لا يتذكر الصحافي والناشط في مجال حقوق الإنسان (صقر آل زكريا)، تحديداً، متى بدأ نشاطه الإنساني من خلال عمله الإعلامي والصحافي، لكنه يتذكر بالضبط اللحظة الأولى التي أراد خلالها بث روح الحياة داخل مدن بلاده، حينما تم تصنيف مدينة بغداد كأسوأ مدينة للعيش، يومها انطلق صقر نحو بدايات ليست لها نهاية في مجتمع حقوق الإنسان.
يؤكد صقر آل زكريا أنه أطلق حملة “معاً لنخسر السباق” عام ٢٠١٣ التي تعنى بنظافة وترتيب مدينة بغداد، التي احتلت المركز الأول بين المدن التي لا تؤمن العيش الكريم، كانت فكرته أن نخسر هذا الترتيب، لتصبح العاصمة مثالاً للحياة والحب، ويرى أن هذه الفكرة كانت باكورة عمله الميداني من أجل المجتمع.
تغيرت العناوين والظروف، لكن أصبح من الواجب الدخول في المجال الإنساني، لأنها ليست مهنة، بل أسلوب حياة.
ولد صقر في الموصل لعائلة محبة للكتابة والأدب، تعلم نقل مقالات والده إلى الصحف والمجلات العراقية، من الموصل إلى بغداد عن طريق الترحال، فكان هذا مدخلاً لاقتحامه عالم الإعلام والعمل في مختلف القنوات، مثل الشرقية، والرشيد، وmbc ، لكنه استطاع أن يترجم عمله الصحافي إلى سلسلة من المبادرات المؤثرة والناجحة جداً، فكانت الحملات التطوعية هي الأساس في حياة صقر لكنها، حسب قوله، جميعها كانت حملات بجهود فردية وذاتية، ليست الغاية منها سوى مساعدة الآخرين ودعمهم في تجسيد الحياة التي يحبونها، لكن التغيير الكبير الذي طرأ عليه كان بعد سقوط الموصل، لأن الأمر صار بمثابة واجب أخلاقي، ومبدأ غير قابل للتهاون.
يقول صقر: “كنت أشعر وكأن هنالك أكثر من ٣ ملايين موصلي برقبتي، كيف أنجح في إنقاذ ولو القليل منهم؟ أتساءل وأبحث كثيراً، كما ينبهني كثيراً الشهيد هشام الهاشمي، كان يجب أن أتخذ موقفاً إنسانياً بالدفاع عن الناس المحاصرين بعد فقداني المدينة.”
“بغداد بخير”
من المبادرات الأخرى، التي استطاع صقر تدوينها في مواقع التواصل، كانت مبادرة “بغداد بخير” بعد أن بثت بعض القنوات العربية والعالمية أن بغداد مهددة بخطر دخول داعش، لكن الفكرة التي أطلقها صقر كانت من خلال الرد بصور من حياة بغداد بالتعاون مع فريق كبير من المتطوعين لتصوير المدينة بمقاهيها وملاعبها ومتنزهاتها مع أبنائها، لنقل صورة حقيقية عن بغداد حين أراد الإعلام المعادي أن يرسخ صورة لمدينة مستسلمة ويائسة عن بغداد.
كُرِّم صقر في منتدى الإعلام العربي بعد هذه المبادرة، وذلك لحجم النجاح الذي لاقته المبادرة وتفاعل المواطنين، واعتذار عدد من القنوات عما كانت قد نشرته سابقاً عن بغداد.
بيتنا
ولأنه ابن الموصل، فإنه يرى نفسه جزءاً بسيطاً في عملية إنقاذها، أمام جهود الفرق التطوعية والناشطين، الذين كان بينهم وأسهم معهم في صنع الفرق بعد تحرير مدينته، من خلال تقديم المعونات والمساعدات للعوائل وإعادتهم إلى منازلهم ودمجهم مجدداً في المجتمع، كما تمكن من تأسيس أول دار ثقافية في المدينة المنكوبة، وتحديداً في الجانب الأيمن، اسمها “مؤسسة بيتنا”، المعنية بالتراث والثقافة الموصليين.
“مبادرة (بيتنا)، التي أسستها في الموصل القديمة، كانت لحظة أمل وسط الدمار، الناس كان عندهم قلق من تكوين مؤسسة ثقافية في الجانب المنكوب، رغم عودة العدد القليل من العوائل، لكنها لحظة عشق أن أكون جزءاً من الموصل، حيث قمنا بترميم منزل قديم
مكون من غرف عدة، ولكل غرفة وظيفة، فهنالك غرفة للأطفال تحوي العديد من النشاطات الترفيهية والتحفيزية، وغرفة معنية بالورش والدورات التدريبية في مختلف المجالات، بجهود طوعية.
ومن أبرز ما حملته المؤسسة هي مكتبة تحوي الكتب الموصلية القديمة، ومتحفاً يحتوي على أقدم القطع التاريخية النادرة من المدينة، إضافة إلى غرف معنية بتدريب الشباب على مختلف صنوف الحياة، مع مقهى بتراث شعبي لتحفيز واستقطاب الشباب، نقيم فيه ندوات ثقافية وأدبية وحفلات توقيع كتب، وحوارات مختلفة.”
يضيف صقر:”عملنا أيضاً على صنع (براند منقوشة)، المعنية بصناعة وتصدير الثقافة الموصلية من خلال السيّاح الزائرين لمدينة الموصل، من خلال صناعة السيراميك والنقشات الموصلية، والتذكارات يدوية الصنع، ونرجو ونطمح بإيصال أعمال تذكارية مكتوب عليها (صنع في الموصل).