محمد الخاطر… أغانٍ وطرائف مطعَّمة بالعافية لمرضاه

705

#خليك_بالبيت

آية منصور /

ببساطة الحالم بأنّه لا مستحيل تحت الشمس، وكأي بلبل يغرّد ويراقص المروج بألحانه ليهبها السحر، هكذا هو محمد الخاطر وهذه حياته التي ترجمها إلى صوت عذب يثلج صدور مرضاه، لا شيء سوى حب الحياة والآخرين، محمد الخاطر، المختبري الذي وظّف حنجرته لخدمة المصابين بفيروس كورونا، ليوقد في أرواحهم القدرة على التحدي، والتأقلم والتفاؤل وانتظار الشفاء وأمل البقاء.
محمد الخاطر، الذي انتشرت مقاطع لصوته وهو يغني للمرضى في السوشال ميديا، يغني داخل ردهات وغرف المصابين بفيروس كورونا في مستشفى البصرة، يخبرنا اليوم حكايته وحكاية هذا الصوت المانح لبارقة أمل يصبو نحوها الجميع.
ليس الغناء وحده
في البدء، يخبرنا محمد، أنّه لم يعتمد الغناء وحده، لبث الروح العالية في صفوف مصابي فيروس كورونا، بل اتكأ على الفكاهة، عبر إطلاق الطرائف، وقراءة الشعر أو المطالعة، هذه الطريقة الجميلة بالتحفيز، جعلت المصابين ينتظرون دخوله لغرفهم من أجل إنعاشهم باوكسجين الحب بعفوية مطلقة كما يقول:
– أحاول فعل كل شيء من أجل تنبيههم بضرورة التركيز على الحياة وجمالها، وليس بما يعيشونه من قلق وخوف من المجهول، عبر المطالعة وقراءة القرآن والشعر والغناء، ومال الكثير منهم لطريقتي في الغناء لأنّ الغناء هو الأقرب للقلب ويلامس أرواحهم وأرواح ذويهم البعيدين عنهم.
الحنجرة المساعدة
ويؤكد الخاطر، أنّ المصابين هم من دفعوه إلى خلق هذه الأجواء لما يراه من خوف وقلق في عيونهم في مكان مملوء بالرعب، فيحاول من خلال حنجرته زرع الابتسامة على شفاههم ولو بصورة مؤقتة، فيوضح لنا محمد كيف كان هدفه النبيل بقوله: كنت وقبل جائحة كورونا، أعمل الأمر ذاته مع المرضى داخل المشفى، دون كمامات أو كفوف، لكنّ ما تغيّر اليوم هو ارتداؤنا لهذه الأقنعة الواقية وتزايد قلقنا، ويذكر أن محمد كان مصابا بفيروس كورونا، وقام بحجر نفسه لمدة من الوقت قبل أن يعود لمزاولة عمله المختبري في المشفى، لكنّه عاد بقوة وحماس كبيرين لمواجهة الخطر بحنجرته:
– حينما عدت، استقبلني أحد المصابين بأغنية سلامات، كنوع من التهنئة على سلامتي، فقمت بإعادة ترديد الاغنية على مسمع الجميع، فتفاعل جميع من في الردهة معي حتى شعرت حينها أنّهم عاشوا أجمل لحظات حياتهم بعد الاندماج الواضح مع الأغنية.
مفعول الصوت السحري
ويرى الخاطر، أن الغناء لا يساعد على الشفاء لكنَّ له مفعولاً سحرياً ببث التأثير الايجابي على المصابين، وهذا ما حدث معه فيخبرنا عن تجربته قائلا:
– التأثير الذي يتولّد من خلال أغنية هو ما أبحث عنه في غنائي، أنا لا أغنّي من أجل الغناء وحسب، بل للخروج من حالة الخوف والقلق الذي يلازم أي مريض بهذا الوباء، ودخول حالة وقتية تجعل المتلقي مشغولا بصوت وأغنية تثير ذاكرته وتعصف روحه بالحنين، ويرى أن بعض المرضى يقومون بالبكاء حين الاستماع لتلك الأغاني الحزينة التي يفضّل غناءها محمد لجعل المصاب يفكّر ولو بشيء بسيط في هذه اللحظة بعيدا عن فايروس كورونا المهيمن على تفكيره، موضحا:
– الأساس ليس الأغنية وحسب، أنا أحاول نقله إلى عالم آخر مواز لما كان يعيشه قبل أن يصاب بهذا الفيروس الفتاك، في البدء أنقله إلى عالم الأغنية فيشعر بالحنين او الحزن او الفرح، ثم ارمي به لتفكير آخر الا وهو الاحاديث الجانبية والضحكات، أي التعامل الطيّب الذي يبعده عن السلبية وينقله لعالم آخر .
ساعات من الدعم
خدمة محمد البالغة أكثر من 11 سنة، داخل هذه الردهات، حتى انتقاله إلى الطوارئ الخاصة بالمشفى بعد جائحة كورونا، لم تغيّر من أسلوب او شخصية محمد الثابتة طوال هذه السنين بالغناء والحب للآخرين بشكل مستمر، حيث يؤكد لنا أنّ الأطباء والممرضين يتناوبون بالدخول مرة إلى الردهة لكنّه يحاول البقاء لساعات مع مرضاه كما يذكر:
– كنت استطيع دخول أي غرفة دون كمامة أو كفوف، ألقي الاغنيات وأخرج، صار الوضع خطيرا فتوجّب علينا الحذر، لكن الحذر لا يعني إلغاء مشاعرنا تجاه الآخرين او عدم معاونتهم في مكافحة المرض فكانت مساعدتي لهم هي بالغناء.
أمه التي شجعته
ويطرح الخاطر سؤاله المهم قائلا: هل الفيروس بسيط لهذه الدرجة التي تجعله يجلس مع المصابين ويغني لهم ويقبل رؤوسهم دون خوف؟ بالطبع لا، لكن فقده لوالدته التي أصيبت بمرض السرطان جعله يقسم على مساعدة الجميع من خلال مهنته التي تتيح له ذلك كما يبين بالقول:
– عانت والدتي بسبب المرض معاناة كبيرة للغاية، وكان المكان الذي تخشاه حقا، هو المختبر، وذلك لكثرة المراجعات من أجل استحداث الجرعة، وغالبا ما يتم تأجيل تناولها بسبب المختبر والتحاليل التي تأخذها في مواعيدها ومع ذلك فارقت الحياة بسبب السرطان، فعاهدت نفسي على دخول مجال الطب وأكملت دراسة التقنيات والتحليلات المرضية وأطمح لدراسة الماجستير والدكتوراه أيضاً.
محمد الذي يعيش حياة بسيطة كما يخبرنا، يغنّي لنفسه ولعائلته ولأولاده الثلاثة، يتّجه إلى العمل فيندمج ويعود لوطنه الصغير بين أهله، هكذا حياته بسيطة وهادئة ومليئة بأغنيات فؤاد سالم وقحطان العطار.