منار عبد الأمير.. ابنة الصحافة وناشطة حقوق الأقليات

1٬102

#خليك_بالبيت

آية منصور /

استوطن حب الصحافة روحها منذ عام 2007، ولم يكن الأمر بالنسبة لها أكثر من هواية وولع بالكتابة وفنونها، تكتب هنا، وتنشر هناك، لكنها بعد مرور كل هذه السنين غدت واحدة من الصحفيات المعروفات في العراق، لتبدأ مرحلة جديدة تخلق فيها منار عبد الأمير، التي اقتحمت ميادين صعبة في مجال الصحافة والاهتمام بقضايا المرأة والأقليات.
ذاكرة البدايات
تباشر منار استرجاعها لنا، كأنها تستمد الحديث من ذاكرة قلبها، أيام الصحافة الأولى، ومحاولاتها خلق الحياة بالكتابة، تبتسم وهي تخبرنا حكايتها من البداية:
– كنت في بادئ الأمر أكتب بعض المقالات الصحفية، وأقدمها إلى أحد أقاربي الذي كان يتولى نشرها في الصحف المحلية، لا يمكنك تخيل مدى سعادتي بنشر كتاباتي، وشعوري بردود أفعال القراء وقدرتهم على قراءة ما أكتب وما أشعر.
تمكنت منار من الحصول على عقد عمل عام 2009 في إحدى الصحف العراقية، وبدأت – حسب قولها- التخصص والتعمق كثيراً بمبادئ الصحافة الإنسانية وقدرتها على حماية البشر واسترداد حقوقهم، تضيف قائلة: انخرطتُ في المجال التطوعي والإنساني، بالتزامن مع دخولي مجال الصحافة، فبت أشعر بوجود روابط قوية بين الصحافة والعمل الخيري الإنساني، واكتشاف ظواهر المجتمعات.
الصحافة والتطوع: وجهان لإنسانية واحدة
شعرت منار بوجوب التزامها بالدفاع عن قضايا المرأة، فضلاً عن التزامها الصحفي بنقل الحقيقة المطلقة للعالم، بكل ما يواجه النساء العراقيات من تحديات وأزمات مُرّة، ومحاولة المساهمة، ولو بجزء بسيط، في إيجاد الحلول:
– أصبح العمل بالنسبة لي يشكل هاجساً، وقضية اتبعها، وليس عملاً مجرداً، إذ صرت في عملي أبحث عن الحلول الواقعية لضيوف موضوعاتي، وليس الكتابة عنهم فقط، حتى لو كان الحل معنوياً، وأصبحت الصحافة، بالنسبة لي، وسيلة لمساعدة الضعفاء والمهمشين، واستطعت عبرها إيصال صوت الآخرين وقضاياهم.
الغجر بشر
أطلقت منار عدداً من الحملات “العفوية” لمساعدة النساء من ضحايا العنف الأسري، والفقر، وغير ذلك، وأسهمت في البحث عن حلول لمشكلاتهن، واسترجاع عافيتهن إلى الحياة، وحتى محاولات توفير فرص العمل لهن بما يتناسب مع حجم أحلامهن وطموحاتهن، لكنها لم تقف عند هذه العتبة، بل وجّهت روحها وفكرها إلى فئة مهمّشة، عانت كثيراً من القمع الفكري والاضطهاد على مدى سنين طوال، فكانت وما زالت مدافعة شرسة عن حقوقهم، إنهم الغجر في العراق .. تشرح لنا قصتها مع الغجر بالقول:
– أطلقت حملة “الغجر بشر”، وهي الحملة التي تعنى بغجر العراق عامة، والديوانية خاصة، لكسر الصورة النمطية الدونية، ووصمة العار اللاحقة بهؤلاء البشر، الذين لا يختلفون عنا بشيء سوى أنهم يعانون النبذ المجتمعي كل يوم.
رفض وترحيب ومدارس
تؤكد منار أنها تمكنت من دمج روح الصحافة مع النشاط المدني لخلق قصة جديدة ومبهجة للغجر العراقيين بعد دراسة وتخطيط دقيقين وبمساعدة زوجها، رغم خوفها من ردود أفعال المجتمع بما يخص هذه القضية المعقدة، تردف قائلة: لو أن رجلاً تبنى هذه الفكرة لواجه الرفض القاطع، فكيف بسيدة تحاول بشتى الطرق إيجاد منافذ الحياة للغجر؟ جوبهتُ بالرفض والنقد من مجتمعي وأقاربي، لكني فوجئت بانضمام العشرات في مواقع التواصل الاجتماعي إلى الحملة، وإعلانهم العزم على المساعدة.
أولى الخطوات، وأولى الأفكار التي التهمت رأس منار، كانت حملة تعليم أطفال الغجر، وقد أسهم كثيرون بالتطوع لتدريسهم مجاناً، فضلاً عن المناهج الدراسية التي تطوع بتوفيرها متطوعون آخرون. كان حلماً صعباً، تمكنت الصحفية منار عبد الأمير من تحقيقه لهذه الفئة الجميلة في العراق، تتابع قائلة:
– اشترك في هذا المنجز الإنساني أشخاص كثيرون، وتحملتُ اللوم العشائري والمجتمعي من أهل مدينتي “الديوانية” واتهِمتُ بكوني “غجرية”، لكني اكتفيت بالسير نحو تحقيق ما تبقى من أحلامهم.
المتطوعون من كل تربة
تمكنت منار، بمساعدة المنظمات المجتمعية ووزارة التربية، من بناء مدارس لأطفال الغجر، وساعد فريق “أنا إنسان” بتنفيذ الفعاليات التطوعية كافة لاجتياز كثير من العوائق، كما أن منظمة اليونيسيف أسهمت في افتتاح مدرسة لهم، فضلاً عن كثير من الأنشطة التي أقيمت لهم بمساعدة شباب متطوعين من مختلف محافظات العراق.
كما أسهمت منار بفكرة استحداث البطاقة الوطنية للغجر أسوة بإخوتهم في الوطن حتى تمكنت، بمساعدة عدد من النواب، من استصدار قرار من وزارة الداخلية بمنحهم الهوية بعد حملة “أين هويتي” ليصبحوا مواطنين عراقيين يتمتعون بالحقوق المدنية كافة، تقول منار: – ما يزال هناك الكثير من المعوقات، لكنني عاهدت نفسي على إكمال مسيرتي لأجلهم، إذ أن هناك من يطالب بحقوق الأقليات وقضاياهم، ولكن باستثناء الغجر، وهكذا أصبح الغجر هم قضيتي!.
حكاية من الجوائز والتكريمات
تمكنت عبد الأمير من تعزيز مكانتها في عالم الصحافة، وحازت على عشرات الجوائز لتفانيها في عملها الصحافي والإنساني، كما اختيرت عضواً دائماً في الهيئة الاستشارية لتحالف الأقليات من أجل قضية الغجر:
– للجوائز قيمتها المعنوية وأهميتها، بالنسبة لي، تتحدد بما أقدمه للآخرين وما يفيض من سعادة على ملامحهم.
كما حصلت على جائزة (التوليب) في العمل الإنساني لحملة الغجر عام 2019 من هولندا، فضلاً عن جائزتين من شبكة (نيريج) للصحافة الاستقصائية عن دورها في التقارير السردية عن النساء المشردات من دور الدولة، إضافة إلى تكريمها من منتدى الإعلاميات العراقيات أكثر من مرة، وهي عضو في تحالف القرار 1325.
الصحافية، محامية المرأة
ما يشغل بال الصحافية منار عبد الأمير هو قضايا المرأة، الأمر الذي دفعها لدراسة القانون من أجل تحسين حاجتها للمعلومات القانونية المتعلقة بالنساء، ومساعدتهن عبر تقديم المعونة القانونية، تختم قائلة:
– تعيش النساء اليوم أوضاعاً مأساوية، من تسوّل وفقر وتعنيف وجوع ومرارات المجتمع والمعيشة، ولا أستطيع تخيل نفسي دون أن أكون اليد التي تحاول مساعدتهن، سوف أستمر في العمل الصحافي، كما سبق لي أن أنشأت منظمة “أوان” لمساعدة النساء المعنَّفات والمبتزّات إلكترونياً، وتوفير الحلول اللازمة لهن.

النسخة الألكترونية من العدد 363

“أون لآين -6-”