آثار العراق في اللوفر
#خليك_بالبيت
ميساء فاضل محمد /
يحظى القسم العراقي في متحف اللوفر باهتمام بالغ من زائري المتحف من سيّاح ومختصين على السواء، فالقسم يعد من أهم أجزاء المتحف المختصة بآثار الشرق القديم وذلك لاحتوائه على بقايا أولى حضارات العالم القديم والأهم بينها والأكثر تطوراً. صُنفت آثار العراق في متحف اللوفر وفقاً لتسلسلها التاريخي، إذ يبدأ عرض الأقدم ثم الأحدث.
تبدأ القاعة العراقية بعرض آثار سومرية غاية في الأهمية والجمال تعود لعصور فجر السلالات الثالثة، أي الألفية الثالثة (ق.م)، أهم تلك القطع ما قد تم الحصول عليه من التنقيبات الفرنسية في مدينة لكش، إذ نرى أجزاء من مسلّة النسور للملك أياناتم التي تخلِّد انتصار هذا العاهل على مدينة أوما، وكذلك مجموعة إصلاحات أوروكاجينا وغيرها من النفائس العائدة لهذه الحقبة.
وعند الدخول إلى القاعة السومرية نجد أغلب معروضاتها قادمة من مدينة لكش الواقعة في محافظة ذي قار، إذ نرى الآثار العائدة لملوك الإمبراطورية الأكدية وبقايا مسلّة سرجون الأكدي وبقايا تمثال هائل لمانشتوشو، وهناك تنتصب مسلّة الملك نارام – سن (مسلة النصر) بلون حجرها الوردي المائل للبرتقالي، ونجد أيضاً تماثيل الأمير كوديا Gudea التي قارب عددها خمساً وثلاثين تمثالاً، أغلبها معروض في هذه القاعة وتماثيل كثيرة فاقدة للرأس أو لم يبقَ منها غير الرأس، وذلك جرّاء التخريب الذي جرى على هذه التماثيل في تلك العصور.
وتشتمل القاعة البابلية على مسلّة حمورابي الشهيرة والمهيبة بلون حجرها الأسود، التي تحتوي على أنضج مجموعة قوانين في تاريخ البشرية، والتي تعد إحدى أهم القطع المعروضة في المتحف، والتي تستقطب الزائرين من شتى أنحاء العالم فيقفون أمامها مبهورين، ونشاهد في تلك القاعة أيضاً آثار الملك نبوخذ نصر والقطع النفيسة القيِّمة، ولاسيما أحد أسود شارع الموكب، وهو الأسد الوحيد المعروض من ذلك العمل الفني الرائع، فضلاً عن خزائن تعرض قطعاً نفيسة من نصوص مسمارية فلكية وغيرها. ومن بين ما يميز القاعة أيضاً تمثال الإلهة عشتار المنحوت من الرخام الأبيض المطعَّم بالياقوت والذهب.
وهناك رواق خورساباد في (القاعة الآشورية)، الذي سُمي على اسم قرية تقع شمال العراق ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، الذي يضم تماثيل الثيران المجنحة والألواح الحجرية المنحوتة بالنحت البارز تمثل البطل (كلكامش)، كما نشاهد داخل القاعة الآشورية منحوتات جُلبت من العاصمة الآشورية كالح (النمرود) وسجادة آشور بانيبال الحجرية الرائعة والتماثيل الآشورية الخارقة الجمال.
وكان لـ (أدريان لونغ بيريه) الفضل في إعداد ألواح المتحف الآشوري لتقديم القطع الأثرية على هذا النحو الرائع للزوار، إذ كان يعمل أميناً للتماثيل وموظفاً في مكتب القلائد والمسكوكات.
أنشئت القاعة الآشورية أو قسم ميزوبوتاميا في الركن الشمالي الشرقي من الساحة المربعة لمتحف اللوفر، بعد التنقيبات التي حدثت في القرن التاسع عشر في منطقة خورساباد، وافتتح لويس فيليب القاعة عام 1847 وضمت أهم الكنوز الآشورية التي اكتشفها ونقلها أهم رواد الآثار الفرنسيين وأبرزهم أميل بوتا الذي شغل منصب القنصل الفرنسي في الموصل عام 1843 م.
عمل (أميل بوتا) في الموصل واكتشف أنقاض العاصمة الآشورية القديمة (دور شروكين). وفي عام 1851 حلّ فيكتور بلاس محل بوتا قنصلاً فرنسياً جديداً، ويعد بلاس من أهم الخبراء الذين عملوا في موقع خورساباد إذ استكمل النشاطات الأثرية فيها وجرت توسعة القاعة بعد وصول قافلته، وأشرف على نقل الآثار والتحف إلى فرنسا.
يسأل كثيرون عن سبب وجود هذا الكم الهائل من الآثار العراقية في المتاحف العالمية وكيف تم نقلها إلى هذه المتاحف. الدكتور (علي مراد)، المتخصص في الدراسات المسمارية بجامعة السوربون – باريس، والدكتور (جان نويل باليو) مستشار التعاون والنشاط الثقافي والإنساني ومدير المعهد الفرنسي في العراق، أجابا على هذه الأسئلة وأسئلة أخرى بهذا الخصوص.
يقول الدكتور علي مراد: هناك كمية هائلة من الآثار نقلت إلى خارج العراق عندما كان العراق تحت الاحتلال العثماني، إذ كان السلاطين العثمانيون لا يكترثون بالآثار فكانت حقوق التنقيب تعطى للفرق والبعثات التنقيبية وحتى لجامعي تحف عاديين. وكانت تلك الفرق عند وصولها إلى الموقع الأثري تبدأ الحفر والتنقيب فيه، وكان كل ما يُعثر عليه يكون ملكاً للبلد أو البعثة التي كانت تنقب في ذلك المكان، خذي مثلاً البعثة الفرنسية التي نقبت في موقع (تلو) ونقلت جميع ما عثرت عليه إلى متحف اللوفر.
أما إذا كانت هناك حفريات أو تنقيبات بين أكثر من دولة فيجري تقاسم الآثار فيما بينها. وهذا ما حدث عند اكتشاف المقبرة الملكية في أور، إذ قسمت بين المتحف البريطاني ومتحف بنسلفانيا وأعطيت للعراق حصة صغيرة منه.
في البداية كانت تلك الآثار تُنقل بالبواخر مثل ثيران خورساباد المجنحة (ثيران البوابة) التي قطعت إلى قطع مربعة وحملت في صناديق عبر نهر دجلة وإلى البصرة وبعد ذلك إلى متحف اللوفر. وهذه الطريقة محفوفة بالمخاطر، إذ يذكر أن أحد الآثاريين البريطانيين قد غرقت سفينته قرب القرنة وكانت محملة بالآثار الآشورية وبقطع لا مثيل لها. بعد ذلك صارت الآثار تنقل جواً. ويُذكر أن أجاثا كريستي، الأديبة الشهيرة، كانت ممن نقلوا تلك الآثار، عندما حملت على ركبتيها لوحاً من العاج مطعَّم بالأحجار وأوراق الذهب وهو اللوح المعروف باسم (لبوة تفترس زنجياً) وعثر عليه في النمرود (كالح) إذ أوصلته إلى المتحف البريطاني في خمسينيات القرن الماضي.
الدكتور (جان نويل باليو) من جانبه قال: تعدّ القاعة الآشورية من أكثر الأماكن زيارة في متحف اللوفر ومن مختلف أنحاء العالم، ونجدهم مهتمين أيضاً بالحضارة الآشورية والبابلية والسومرية كثيراً، ونظرياً يمكن أن تُنقل الآثار العراقية الموجودة في اللوفر لتُعرض في العراق، لكن إلى الآن لم تحدث اتفاقيات رسمية بين الحكومتين بخصوص هذا الأمر لأنها مشاريع ضخمة ومكلِّفة ونادرة أيضاً، لكن هناك مشاريع أخرى أهم حالياً وضرورية أكثر كإعادة تأهيل المتاحف والتنقيب وغيرها.
فقد عرف الإرث العراقي فترات دمار عام 2003 وبعد ذلك عام 2014 عند دخول جماعات داعش الإرهابية، وقد لاقى ذلك استنكاراً عالمياً تجاه الدمار الذي طال الآثار والإرث العراقي آنذاك، ونحن هنا في القسم الثقافي الفرنسي في العراق، بالتعاون مع وزارة الثقافة العراقية، عملنا على إعادة الحياة لكل هذه الآثار والمتاحف المدمَّرة بكل ما تيسر من وسائل متطورة وتكنلوجيا حديثة.
نحن معنيون اليوم بكل الآثار سواء أكانت آثاراً آشورية أم سومرية أم بابلية، وهناك أيضاً فريق متخصص في متحف اللوفر من قسم (ميزوبوتاميا) يعملون على ملفات العراق الأثرية، هذا الفريق يعمل مع السلطات العراقية في التنقيبات وإعادة تأهيل الآثار الموجودة في العراق، كما يتعاون متحف اللوفر مع السلطات العراقية في تأهيل متحف الموصل الذي دمره داعش الإرهابي.
ثمة اهتمام وتعاون مشترك بين فرنسا والعراق لمنع تهريب الآثار العراقية، ولدينا غرفة عمل كاملة مع الإنتربول ومركزها فرنسا للتأكد من أصل كل قطعة وتفاصيلها، وقد مُنعت المتاحف الفرنسية والمتاحف الأخرى من شراء أية قطعة إذا كانت مشكوكاً في أمرها أو مسروقة، ووُجهت بإعادتها إلى بلدها الأصلي.