أبو ناطق: امضيت 50 عاما أنفذ أحكام الإعدام
كريم هاشم العبودي/
رجل يعمل في مهنة من أغرب المهن على الاطلاق, واسمه يثير الفزع والاشمئزاز.. أنها مهنة (إنهاء الحياة) وتنفيذ حكم العدالة (الإعدام) إنه الجلاد الذي يمارس عمله في غرفة الإعدام!!
دخلنا الى عالم هذا الرجل الذي تجاوز العقد الثامن من العمر, لنكتشف أنه إنسان عنيد وقاس وعصبي المزاج ويحب أفلام الأكشن والعنف, ويمتاز في بعض الأحيان بالطيبة والرومانسية ويستمع الى أغاني ناظم الغزالي وقارئ المقام المرحوم محمد القبانجي, ويعشق لعبة (الجوبي) ورقصة (الساس)!!
لكن كيف يعيش هذا الرجل الذي نفذ حكم الإعدام بمئات المذنبين على مدى أكثر من خمسة عقود؟ وما أصعب وأغرب المواقف التي واجهها في عمليات الإعدام؟ وكيف نفذ أول حكم إعدام في بداية عمله كجلاد؟ وكيف يعيش لحظات تنفيذ الإعدام وماذا يتم داخل تلك الغرفة المرعبة؟
دخلنا الى عالمه والتقينا معه ومع أسرته حتى نرى الوجه الآخر أو الإنساني لعالم جلاد ينفذ حكم العدالة والقانون: الإعدام شنقا!!
تخيلات وتصورات
في الموعد المحدد اجتزنا بوابة وبستانا كبيرة تحتوي على كثير من أشجار الفواكه والنخيل، ما افسح الوقت لتخيلات وتصورات, بل وأوهام كثيرة في مخيلتنا عن عالم هذا الرجل (الخارق)!!
ما زال مفتول العضلات برغم تجاوزه العقد الثامن.. ذو نظرات حادة.. يرتدي الكوفية العربية. رحب بنا بابتسامة غامضة ما زلنا نجهل تفسيرها..
إنه الحاج (أبو ناطق) أقدم جلاد في العراق, والذي بدأ بقصة عمله واختياره هذه المهنة الغريبة, فقال:
– طفولتي كانت عادية, بدأت تعليمي باحدى مدارس بغداد, وكنت مجتهدا في الدراسة لكني كنت أتشاجر دائما مع الطلبة وبعض المعلمين, وكان ذلك سبب تدني مستواي الدراسي وفشلي في اتمام الدراسة, فعملت مع والدي في الأعمال الحرة حتى تطوعت في سلك الشرطة في خمسينات القرن الماضي, وأثناء ذلك أعجبتني بنت الجيران وكانت مؤدبة وعلى خلق ومن عائلة طيبة وتزوجتها بمباركة أهلي وأهلها..
حكايتي مع حبل المشنقة؟
وعن بداياته مع حبل المشنقة, يقول أبو ناطق:
– كان ذلك في خمسينات القرن الماضي عندما نقلت الى مصلحة السجون العراقية آنذاك, حيث تم ترشيحي من قبل أحد ضباط الشرطة، (لا أتذكر اسمه) للقيام بعمل مساعد جلاد مع مجموعة من المرشحين وقد نجحت في الاختبار وتسلمت عملي كجلاد, وهو عمل عادي جدا يمكن لأي انسان ان يقوم به, وقد علمت أسرتي بذلك من خلال أصدقائي في السلك, وتقبلوا الأمر ولم يمانع أحد, وبدأت عملي كمساعد جلاد خلال فترة تدريبية استمرت ثلاثة أعوام مارست بعدها العمل كجلاد..
أول عملية تنفيذ إعدام
ويخبرنا أبو ناطق عن أول عملية تنفيذ حكم إعدام قام بها فيقول:
– في الحقيقة كان أول تنفيذ حكم إعدام نفذته في فترة التدريب, ونفذ بحق مذنب من بغداد متهم في قضية قتل مع تمثيل بالجثة, حينها عشت ثلاثة أيام كاملة مستيقظا قبل وأثناء التنفيذ ولم أذق طعم النوم والراحة ولا أستطيع أن أصف شعوري في ذلك الوقت حتى تم تنفيذ الحكم وهدأت عواطفي شيئا فشيئا وخفت حدة الموقف بالنسبة لي وأصبحت عملية عادية ليس بها ما يعكر صفو تفكيري!!
مواصفات حبل المشنقة
وبشأن مواصفات حبل المشنقة يقول أبو ناطق بأن الحبل من نوع خاص وليس حبلا عاديا كما يظن الناس, وانما له مواصفات خاصة وينفذ به إعدام ثلاثة متهمين فقط ومن ثم يتم تغييره, وكان هذا الحبل يستورد من انكلترا آنذاك, ويستخدم كالعادة بعد عمل الاختبارات الخاصة به قبل الاستعمال.
مراسم الإعدام
وعن مراسم الإعدام يقول أبو ناطق:
– في الصباح الباكر أحضر ومعي زميلي المساعد في تمام الساعة الخامسة صباحا, وأقوم بتجهيز الغرفة، الحبل والاستعداد لمقابلة المنفذ به الحكم, ثم يأتي المتهم مع حراس السجن برئاسة أحد الضباط ويأتون به أمام غرفة الإعدام, وهيئة التنفيذ المكونة من مندوب السجن أو المدير العام ومندوب عن الطب العدلي وطبيب السجن وجميع الضباط العاملين في السجن آنذاك ورجل دين ومندوب عن القضاء.
ويضيف أبو ناطق:
– بعد تلاوة الحكم أمام الجميع يتقدم اليه رجل الدين ويطلب منه تلاوة الشهادة وبعض الآيات القرآنية ويسأله عن آخر طلب له, بعد ذلك ندخله الى غرفة التنفيذ ونضع الحبل حول عنقه ثم نلبسه القبعة السوداء ونقوم بتكبيل قدميه الى أسفل وننتظر إشارة التنفيذ من المدير العام أو القاضي أو أي شخص ينوب عنهما.
زيارة الوداع
ويتابع:
– بعد ذلك أقوم بالنزول الى أسفل الغرفة مع ممثل الطب العدلي أو طبيب السجن لقياس النبض بعد التنفيذ ثم يترك المتهم معلقا بالحبل لمدة ثلاثين دقيقة, والتنفيذ يستغرق ثلاثة أرباع الساعة, ويتم اخبار أهل المتهم بيوم الإعدام, وهناك زيارة تتم للمسجون المنفذ فيه الإعدام قبل التنفيذ تسمى (زيارة الوداع) تتم قبل تنفيذ الحكم بيوم أو يومين..
أشهر موقف إعدام
وعندما سألنا أبو ناطق عن أشهر موقف إعدام صادفه في حياته، تغيرت ملامح وجهه وبدت أكثر حدة, وقال في نبرة حادة بأن أشهر موقف إعدام هو لإمراة قتلت زوجها وقطعته إربا.. إربا.. إمرأة شرسة لذلك حاولت أن أعمل جميع الاحتياطات الأمنية وركزت النظر عليها حتى لا تعتدي علي بأي شكل من الأشكال مثل العض, فهي شرسة أكثر من الرجل المنفذ فيه حكم الإعدام, ولكنها في النهاية أستسلمت.
عملية إعدام أفرحتني!!
ويخبرنا أبو ناطق عن عملية إعدام أدخلت السرور الى نفسه, حيث قال: عندما قمت بإعدام أحد المذنبين في قضية جلب سموم بيضاء (مخدرات) شعرت بسعادة غامرة لأنني قضيت على رجل جاء لإعدام شباب العراق..
أحداث مهمة
وبشأن الأحداث التي ما زالت عالقة في ذهن الحاج أبو ناطق, يخبرنا بحدث مهم هو إعدام الجواسيس اليهود في ساحة التحرير في نهاية ستينات القرن الماضي, وعن تفاصيل ذلك يقول:
-هذا اليوم ما زال عالقا في ذاكرتي ولا أتصور بأن الأعوام وتقادم الزمن سيمحيه من دفتر أيامي, لم يكن ذلك اليوم بالنسبة لي عاديا لكثرة أحداثه ومفارقاته, حيث كلفت بالتنفيذ بنفس اليوم فشكلت فريق عمل لنصب أعمدة التنفيذ (المشانق) وبعد الانتهاء من تجهيز أدوات الإعدام تم احضار المتهمين الى الموقع, فقمت بتنفيذ حكم الإعدام بهم, وتمت الأمور بسهولة الا ان احد المتهمين الذي رفض ارتداء بدلة الاعدام الحمراء فقام أحد الحراس المكلفين بحراسة الموقع بضربة بأخمص المسدس على راسه فاغمي عليه, وتم التنفيذ به بعد أن ألبسه أحد الحراس بدلة التنفيذ!!
تفاصيل موجزة
ويضيف:
– تعود تفاصيل مراسيم اعدام 13 جاسوساً عراقياً شنقاً في ساحة التحرير بقلب العاصمة بغداد يوم الاثنين السابع والعشرين من كانون الثاني سنة 1969, وكانَ من بين الجواسيس الذين أعدموا تسعة يهود عراقيين أدينوا بالتجسس لصالح الموساد الاسرائيلي والاعداد لتنفيذ التفجيرات داخل العراق, وكان زعيم شبكة التجسس وهو يهودي يبلغ من العمر 51 عاماً ويعمل تاجرا شهيرا في البصرة, بينما حضرَ مراسم تنفيذ الحكم رئيس النظام السابق صدام حسين الذي كانَ يشغل منصب نائب الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر..