أرض الرافدين.. موطن التعايش السلمي

23

نينوى/ عامر جليل
يمثل التعايش السلمي بين مختلف المكونات العراقية قاعدة البناء الصحيح لمجتمع متنوع، يرتكز إلى أصوله الحضارية التي كانت سباقة في تحويل الإنسان من حياة الغاب إلى حياة مدنية راقية، فيها تحقق أول الاكتشافات العلمية والأدبية والقانونية، التي تركت إرثاً علمياً وأدبياً وثقافياً ترسّخ في الزمان والمكان عبر تاريخ بلاد وادي الرافدين الطويل، فهنا كُتب الحرف الأول، وهنا كان القانون الأول، وهنا نزلت أولى الرسالات السماوية، وهنا فتح الباب الأول للتقدم والتطور أمام العالم.

مجلة “الشبكة العراقية” تجولت في محافظة نينوى بعد عودة الحياة الطبيعة إلى ما كانت عليه قبل “داعش الإرهابي”، حيث حاورت بعض الشخصيات من الطيف الفسيفسائي، الذى تزخر به (أم الربيعين)، وخرجت بهذه الحصيلة:
مصدر قوة
الدكتور (أحمد كتاو)، رئيس المنظمة الوطنية للتنوع، أبرز شخصيات الشركس في العراق، قال: إن “تنوعنا هو مصدر قوة لوطننا، جميع المكونات تمارس طقوسها ونشاطاتها التي أسهمت في التعريف بالتنوع، والتعرف على الآخر المختلف عنك دينياً أو إثنياً، وهذه الزيادة في التعارف، بعضنا مع بعض، تولد أواصر التعايش ومعرفة واحترام تقاليد الآخرين، ومناسباتهم وطقوسهم، لخلق جو التآلف والمحبة ونبذ الكراهية وخطاباتها. وتحت خيمة المنظمة الوطنية للتنوع اجتمعت كل الطوائف والمذاهب التي تسعى جاهدة لخلق أواصر الألفة والمحبة، وخاصة بعد جرائم الإرهابيين التكفيريين والقتل على الهوية، فقد زادت عزيمة الأقليات بالتكاتف، بعضهم مع بعض للدفاع عن أنفسهم، حتى إن كانت قدراتهم بسيطة، لكنها قوية بجوهرها.”
يضيف كتاو: “نحن في المنظمة الوطنية للتنوع مستمرون بعقد المؤتمرات والندوات بين المكونات، لتقريب وجهات النظر، ونحضر جميع النشاطات التي تقام على مدار السنة، لجميع القوميات والطوائف، خاصة في الأعياد والمناسبات الدينية والاجتماعية والطقوس لكافة الديانات والقوميات العرقية، من أجل خلق روح التسامح والألفة بين مكونات الشعب العراقي، وتشجيع الأجيال الجديدة على تقبل الآخر، الآن، ونحن في رمضان، نتزاور فيما بيننا، لأن هذا الشهر الفضيل محبب عند الجميع، سواء المسلمون أم الطوائف والقوميات الأخرى.”
إقرار بحق الآخرين
السيد سردار أرجمند آغا الكاكائي، رئيس الطائفة الكاكائية، قال: “جسّد الدين الحنيف معاني التعايش السلمي في قوله تعالى «قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا»، هذه الآية تجسد التعايش بين الأديان والطوائف والأعراق ‏والثقافات، ‏‏وهي بلا شك إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوقهم وحرياتهم وتنوعهم الثقافي‏، ‏والسمو بالنفس البشرية وترفعها عن الصغائر والإساءة إلى الآخرين، والتسامح والعفو وقبول الآخر، ‏والعيش بسلام وتعايش، إذ إن التسامح له آثار إيجابية كبيرة تنعكس على البنية الأساسية لأي مجتمع، فالتسامح والاحترام المتبادل بين الأديان والطوائف والمذاهب فيهما استقرار وثبات المجتمع، بحيث يغيب في مثل هذه المجتمعات المستقرة التحزب والتعصب، ما يؤدي إلى التوافق الاجتماعي والفكري وتحقيق مكاسب مشتركة، سواء على الصعيد المجتمعي أو الاقتصادي أو التجاري، فواجب أفراد المجتمعات رص الصفوف وبذل الجهود من أجل البناء، لا الهدم، ومن أجل التشييد، ‏لا التخريب، وحماية النشاطات التي تقام ليس في سهل نينوى فحسب، بل في كل الأماكن التي توجد فيها المكونات.”
تقوية الاواصر
السيدة سونيك آرام كيورك، من الطائفة الأرمنية، كانت آخر المتحدثين، إذ قالت: “تعرض الأرمن، حالهم حال العديد من فئات الشعب العراقي الأخرى، إلى هجمات مسلحة، فقد تعرض عدد من كنائس الأرمن للتفجير بسيارات مفخخة في بغداد والموصل، كما ترك العراق نحو 3000 مواطن أرمني عراقي، في حين بقي نحو 15 ألفاً آخرين داخل العراق حتى عام 2007م، كما يقدر عديد الأرمن العراقيين الذين نزحوا إلى سوريا بعد العام 2003م بنحو 1000 شخص، بينما ترك العراق 1000 أرمني توجهوا إلى أرمينيا، في حين أن نحو 500 شخص تركوا العراق إلى الأردن. بعد هذه الإحصائية لطائفة الأرمن، نود أن نبين أننا منذ زمن متعايشون مع كل المكونات، ومندمجون مع الجميع، ونطمح بالمزيد من الأمن والأمان، اللذين يقويان أواصر الألفة والمحبة، فالمكونات هي قوة البلد والتعايش السلمي.”
وتختم السيدة سونيك آرام: “بعد تحرير أم الربيعين، جرت إعادة بناء وتعمير الكنائس التي دمرها داعش، ونحن الآن نمارس جميع طقوسنا بحرية، ومنفتحون على الجميع، ونتجمع في الأعياد والمناسبات، ونتزاور فيما بيننا، مع ما يحيطنا من مكونات المجتمع الموصلي.”