أسلحة التعمير..لا التدمير

1٬009

جواد غلوم /

ما الذي يفعله الفنان والمبدع حينما يرى طغيان الموت والدمار وانتشارالسلاح والحروب المدمرة وهي تأكل الأخضر واليابس على هذه المعمورة؟ هل يصمّ أذنيه عن دويّ مصانع إنتاج الأسلحة، بدءاً من الرصاصة الى القنابل والمقذوفات المرعبة والبراميل المتفجرة، أم يطوّع إبداعاته ليقف مجابهاً ومحتجّاً واضعاً البديل الأرقى لإحلال السلام بين الشعوب من خلال محاربة الجهل وصولاً الى التعليم السليم الذي يرسّخ السلام والأمن والحياة المطمئنة؟

دبابة الكتب

هذا مافعله الفنان الأرجنتيني الشاب «راؤول ليميسوف» حينما صنع في ورشته الفنية بالعاصمة الأرجنتينية آليةً تشبه الدبابة تتحرك في شوارع «بوينس آيرس» وقام بتركيب فوهة مدفع في أعلاها لتقذف على الناس كتباً وكراسات صغيرة تدعو الى السلام والمحبة ونبذ الحرب وويلاتها ومناشدة العالم لأن يكون بالضد مما يحاك من الرأسمال الطائش الذي لايعبأ بمصائر الإنسان بقدر مايريد أن يحقق أرباحاً على حساب أوجاع المكدودين وضحايا الحرب.

ابتكر هذا الفنان تصميمه الذي سماه «سلاح التعليم الشامل» حينما رأى صدفةً في مقابر السيارات الخردة سيارة قديمة نوع «فورد» وقام بسحبها الى ورشته وعمل على إدامتها وتأهيلها وتشغيل محرّكها وإحاطتها بالرفوف المليئة بالكتب المنتقاة بمواضيعها المناهضة للحروب والمكافحة للجهل بعناية فائقة لكي يوزعها مجاناً على الملأ على أن يَعدهُ القرّاء بقراءتها واضعاً نصب عينيه بأن التعليم والتوعية هما أقوى سلاح يمكن استعمالهما لتغيير العالم.

إعادة الحياة وبثّ المعرفة

تقف تلك السيارة بشكلها المماثل لعربة عسكرية في المراكز والساحات المكتظة بالسكان في العاصمة الأرجنتينية، وتوزع منشوراتها من الكتب، بعدها تتحرك الى أماكن أخرى مزدحمة لتوزيع المزيد وأحياناً تقذف بمحتويات فوهة المدفع في الأزقة الضيقة التي يصعب سير السيارات فيها وتنشرها على الناس ليتلقفها القرّاء ببهجة وسعادة على غرار المدافع العسكرية الحقيقية التي تؤدي الى الموت، بينما مدفع الفنان «راؤول ليميسوف» يؤدي الى إعادة الحياة وبثّ المعرفة والتعليم وترتيبه سلمياً.

سبق أن قام فنانون عالميون عديدون قبل الشاب “ليميسوف” بنشر المعرفة عن طريق الكتاب بصورة ملفتة للترغيب بالمطالعة، حيث بادر أحد الفنانين من دولة “ﭽيكيا” باستخدام عربة ترام قديمة عمل على إحيائها وصيانتها وأثثها بالرفوف المليئة بالكتب النافعة المختارة وأخذت تجول في مدينة “برنو” السياحية الجميلة عاصمة اقليم مورافيا. كما عمل المثقفون في بروكسل في تجربة أخرى بالتعاون مع فناني هولندا على تأهيل شاحنة كبيرة أسموها “بيبوس” كمكتبة متنقلة للأطفال، تحتوي قاعة ومناضد وكراسيّ ورفوفاً من الكتب المختارة في عربتها ليجلس المرتادون وقراءة ما يستسيغونه ثم تجوب مناطق أخرى حتى تصل الأرياف لنشر الوعي وحبّ القراءة الى أبعد نقطة في البلاد المنخفضة أرضاً والمرتفعة عقلاً ووعياً.

محاربة الجهل

هناك العديد من التقليعات الجميلة المحببة وتجميل المكان للترغيب في المطالعة والاطلاع ومحاربة الجهل، وكثيراً ما رأينا سفناً عتيقة مهملة في مراسي الموانئ تم تأهيلها وترتيبها وصيانتها لتكون مكتبات في وسط الماء تستهوي القرّاء لارتيادها وأخذ قسط من المعرفة، وكل هذا الاهتمام واستقطاب الآخرين للمعرفة ومحاربة الجهل هو الخطوة الأولى الراكزة الواثقة من أجل إحلال الأمن وبناء العقل سلمياً ومجابهة الحروب التي تفتك بالبشرية وجعل معمورتنا عامرة بالخير والبناء مثل اسمها.