أشعل قنديلك لتضيء لك كل القناديل جمال الطبيعة يعانق أساطير نوروز

125

إياد الخالدي – تصوير: علي الغرباوي /

يحتفل العراقيون، وعدد من الدول، في الحادي والعشرين من آذار كل عام بأعياد نوروز الخير والعطاء، وتأتي احتفالات هذا العام والشعب العراقي يتطلع إلى المزيد من التطور والازدهار، بعد انتصاراته المطرزة بالتضحيات على قوى الشر والإرهاب, ولاسيما تنظيم داعش الإرهابي، ذلك الكابوس البغيض الذي خيم على وطننا، وصادر عنوة أجمل أفراحنا وأعيادنا وأمانينا.
يعود نوروز الأسطورة ليضيء بقناديله البهجة في نفوس الناس، حيث يتعانق جمال الطبيعية مع الأساطير النوروزية التي شكلت المعاني السامية لهذه الذكرى، التي تحمل الأمنيات والأحلام كي تغسل جراح الماضي القريب والبعيد.. متطلعين فيه إلى غدٍ أبهى وأجمل.
ولطالما شكل نوروز، بكل طقوسه ومظاهر احتفالاته الخالدة، في قلوب وعقول المحتفلين به من العراقيين كورداً وعرباً وقوميات أخرى، أسطورة تدعو إلى ترسيخ قيم العدالة والحق والمحبة ورفض الظلم والطغيان، كما أنه موعد التقويم للسنة الكوردية، وسيظل نوروز في عيون الناس، الذين يوقدون مشاعل الفرح والبهجة، ترنيمة تبعث في النفوس الألق وتجدد الأمل بغد أفضل.
طقوس نوروزية
تبدأ احتفالات نوروز مبكراً، ولاسيما في إقليم كردستان، حيث يمثل عيداً قومياً للكورد بكل مايحمله من طقوس ومراسم ترتبط بالأحداث التي عاشها الكورد.
وعيد النوروز، ويُطلق عليه أيضاً النيروز، هو أهم الأعياد لدى أبناء القومية الكوردية، ويمثل “الحد الفاصل بين الشتاء والربيع، و”نوروز” اسم مركب يتكون من كلمتي “نوى” و”روز” ويعني (اليوم الجديد).
احتفالات كبرى
ولهذا فإن مراسم الاحتفالات في هذا العام تشهد فعاليات كبرى في كل مدن الإقليم ، إذ تتزين مدنه، ولاسيما أربيل والسليمانية ودهوك بالأنوار، وتنطلق الألعاب النارية، فيما تشهد ساحات هذه المدن إشعال النيران، وهو طقس ارتبط في أذهان المحتفلين وله روايات عديدة، أبرزها رواية (كاوة الحداد)، وكما في العام الماضي، فإن الاحتفالات تحاط بإجراءات أمنية خشية أن تفسد أفراحه أعمال إرهابية، أو قذيفة طائشة تغتال فرحة المحتفلين.
يقول السيد (سمير إسماعيل)، مسؤول إحدى اللجان في الاتحاد الوطني الكوردستاني إن “مدن الإقليم تشهد استعدادات مبكرة للاحتفال هذا العام، وإن الشعب الكوردي ظل يحيي هذه الاحتفالات المرتبطة بذاكراته التاريخية على مدى الزمن، وعلى الرغم من طابع عيد النوروز القومي الذي خص به الكورد، فإن جماليته مع حلول فصل الربيع أعطته طابعاً آخر، إذ أصبحت احتفالات عيد النوروز ساحة تعبّر عن الصورة الحقيقية للتعايش السلمي بين أطياف الشعب العراقي ومكوناته. ومهما حاول الطغاة والجبابرة والإرهابيون اغتيال الفرح، فإن شعبنا مصرٌّ على الحياة بديلاً عن الموت، وعلى الحرية في مواجهة الطغيان.”
فيما يقول الدكتور (مولود ابراهيم)، أستاذ التاريخ الكوردي في جامعة صلاح الدين، إن “النار جزء من احتفالات الكورد الذين يقومون بإشعالها على قمم الجبال العالية.” مشيراً إلى أنها ليست مرتبط بالعبادة لدى الزرداشتيين، فقد كان الناس يستخدمونها في السابق كوسيلة إعلام.
وللنار معانٍ أُخرْ لا ترتبط بالعبادة، لأن النار من النور، فهي رمز للعلم، ورمز للحرية، وكلمة النور مقدسة حتى في القرآن الكريم.”
يضيف الدكتور مولود أن “لنوروز جانباً اجتماعياً مهماً، فهو فرصة لالتقاء الشباب والشابات الذين يتزينون بأجمل ملابسهم، حيث يمكن التعارف والزواج، وقد ارتبط الكثير من الزيجات بشرارة حب وإعجاب انطلقت في احتفالات النوروز.”
إلى ذلك، تقول (آشتي البرزنجي – 31 عاماً) إن “النساء يحرصن على ارتداء الزي الكوردي بألوان وموديلات جميلة، لكن هناك من يبالغن في تصميم وتكاليف هذا الزي، فهو لدى غالبية الفتيات قد لا يتجاوز الخمسين ألف دينار، لكن هناك أزياء تبلغ كلفتها أكثر من ألف دولار.” مبينة أن “عائلاتنا اعتادت على التوجه إلى الجبال والمصايف والمناطق الخضر، حيث يتسابق الناس في إعداد وجبات الطعام المرتبطة بهذه المناسبة، ولاسيما الدولمة والمشويات، فيما ينخرط الجميع بأداء الدبكات الكردية على أنغام الطبل والمزمار، فالمثل الكردي يقول: (الذي لا يفرح في نوروز تمر عليه السنة همّ وغمّ).”
احتفالات عراقية
وعلى الرغم من أن احتفالات الكورد بنوروز تعد عيداً قومياً وترتبط بذاكرة تاريخية للكورد، فإن العراقيين في جنوبي ووسط البلاد يشاركون في احتفالات نوروز، إذ يذهبون أيضاً إلى المناطق الخضر، أو إلى المراقد المقدسة.
يقول المواطن (أحمد راجي): “اعتدنا على انتظار هذه المناسبة التي نطلق عليها (الدخول)، أي دخولنا في أول أيام الربيع، وربما تكون لهذه الاحتفالات جذور تاريخية مرتبطة بالسومريين الذين هم أول من احتفل بهذا التاريخ، وجعلوه بداية التقويم لديهم، لكن المهم أن الطبيعة تكون جميلة في آذار وتمنح الناس مساحة للتعبير عن فرحهم وبهجتهم، وتتزين باجتماع العائلات التي تحرص على جلب مختلف أنواع الأطعمة معها.”
احتفالات كوردستان
الاحتفالات في كوردستان تحظى باهتمام حكومي، إذ اعتادت حكومة كوردستان على منح مواطنيها عطلة رسمية في هذه المناسبة تصل في بعض الأحيان إلى أسبوع كامل، وتأخذ الاحتفالات في أربيل طابعاً مميزاً، حيث يتبادل القادة الكورد ورجال الدين التهاني بهذه المناسبة ويقيمون احتفالات خاصة بها.
وتحتضن جبال كوردستان ومصايف دوكان، وسرسنك، وصلاح الدين، وشلال كلي علي بك، ملايين المواطنين الكورد الذين يحرصون على ارتداء زيهم التقليدي المعروف بألوانه الزاهية لدى النساء لإحياء هذه المناسبة، وسط الحقول الخضر والأجواء الربيعية والأزهار البرية، حيث يقيمون حلقات الرقص والدبكات الفلكلورية على إيقاع الدبكات أو صدى الأناشيد الوطنية.
كاوة الحداد في بغداد!
وترتبط احتفالات كوردستان بقصة البطل الكوردي (كاوة الحداد) في ذاكرة المحتفلين، هنا، في أحد مقرات الاتحاد الوطني الكردستاني تحدث لنا السيد (جاسم محمد) عن كاوة الحداد، “الذي يرتبط اسمه بتاريخ هذه المناسبة، حينما قاد الجماهير للثورة ضد الحكم الاستبدادي المتمثل بالحاكم الظالم (ئه زده هاك) وأعوانه من الطغاة، الذي كان يقطع رؤوس الثوار، ويشرب دمهم خلال حفلاته الماجنة التي يقيمها يومياً، ليشبع رغباته في القتل وفرض سطوته بيد من حديد..”
مهرجانات الفرح
من جانبها، تشرح السيدة (عبير فرمان) جانباً من الطقوس والأجواء الاحتفالية في نوروز، “التي تتميز بالمشاركة الجماعية، وتكون وسيلة للتعارف وبناء علاقات اجتماعية بين العائلات المشاركة، وتسود هذه الاحتفالات أجواء البهجة والسعادة المرتسمة على الوجوه، وتحرص العائلات الكوردية على التهيؤ لهذه الاحتفالات في وقت مبكر، كما أنها تتميز بارتداء الأزياء الكردية ذات الألوان الزاهية.”
وتقول (أم محمود -40 سنة) إن “العائلات الكوردية، التي تفضل الاحتفالات في القرى وعلى سفوح الجبال، تتهيأ لإعداد مجموعة من الأكلات الشعبية التي تعد خصيصاً لهذه المناسبة، ولا سيما الدولمة والكبة بأنواعها، كذلك نقوم بإعداد المعجنات والحلوى.”
ويشارك (جاسم محمد -31 سنة) في الحديث عن هذه المناسبة قائلاً: “الاحتفالات بنوروز تبدأ منذ يوم العشرين من آذار، إذ تمتد الاحتفالات لأكثر من أسبوع، وبالنسبة إلى الشباب، فانهم ينتظمون في مجموعات ويقومون بسفرات إلى أكثر من مكان للاحتفال، والحقيقة أننا طوال فترة الاحتفال، التي تبدأ بإقامة الدبكات والرقصات والأغاني الكوردية، ومنها الأغنية التي يرددها الجميع (سالي نازي نوروز ها نواوا)، أي (عاد نوروز من جديد)، مع الرقصات المتنوعة، ولاسيما رقصة (جبي، كريان، سيبابه)، وفيها تتشابك الأيدي، ويتقدم الراقصون ثلاث خطوات إلى الأمام ومثلها إلى الخلف، ودبكة (نسرين)، وهي واحدة من الرقصات الرشيقة، إذ تتحرك الأقدام والأجسام بشكل متناسق، ويصاحب هذه الرقصات استخدام الآلات الموسيقية الشعبية كالمزمار والدمام.”
نوروز لكل العراقيين
على جانب آخر، تؤكد السيدة (أسماء الشمري) أن “احتفالات نوروز فرصة للالتقاء والاحتفال مع إخوتنا الكورد، وأن العائلات العربية تذهب الى كوردستان، حيث الطبيعة الخلابة، لكي تؤكد على وحدة الفرح العراقي، إذ أن مشاركتنا معهم نابعة من محبتنا لهم، كإخوة نعيش معاً في بلد واحد نتقاسم فيه الأفراح والأتراح.”
أشعل قنديلك يا نوروز
وعلى مدى أيام الاحتفال، يقوم المحتفلون بإشعال النار في مواقع الاحتفال، حيث تتحول قرى ومصايف كوردستان والمناطق السياحية إلى ساحات مفتوحة لإقامة مهرجانات الفرح إحياءً لهذه المناسبة.