أوّل مظلّة مرور في السماوة تدخل عقدها السابع

364

يوسف المحسن /

على الرغم من مرور اثنين وستين عاماً على إنشائها، إلا أن أول مظلة لرجل مرور في مدينة السماوة مازالت تقاوم الزمن لتحكي ذكرى أول صافرة رجل مرور أطلقت في المدينة، وكان ذلك في العام ثمانية وخمسين وتسعمئة وألف.
المظلّة الكونكريتية وضِعت في ساحة سجن الخناق الشهير الموجود في منطقة القشلة على الجانب الأيسر من مدينة السماوة، حيث كان الطريق المؤدي إلى العاصمة بغداد.
يقول فلاح الخيكاني، وهو مسؤول إعلامي في مديرية مرور محافظة المثنى، ومن بين رجال المرور الناشطين في ميدان التدوين المروري، في حديث لـ (الشبكة): إن البحث الذي أجراه يؤكد أن تاريخ وضِع المظلة يعود إلى عام 1958 حين أطلقت -وبحسب قول الخيكاني “أوّل صافرة مرور لتنظيم السير، يوم كانت الساحة عبارة عن المظلة فقط، قبل أن تنشأ الساحة المدورة الحالية.” ويضيف الخيكاني الذي يقدّم العديد من البرامج التوعوية والتثقيفية في المؤسسات الإعلامية المحلية-: “إن استذكار تاريخ إنشاء هذه المظلة هو دافع وفرصة لزيادة التثقيف المروري وحث السائقين والمارّة على أهمية الالتزام بقواعد السير والمرور،” مؤكداً أنه سعى لنقل هذه المظلة إلى مقر مديرية مرور المحافظة من أجل الحفاظ عليها، لكن الخشية كانت من تعرضها للضرر، ولاسيما أنها تزن طنين أو أكثر.

عتبة المدينة
تتكون المظلة الأقدم في السماوة من ثلاث قطع كونكريتية هي: القاعدة المدورة بعرض مترين، والعمود الإسمنتي الحامل ويرتفع بمترين وثلاثين سنتمتراً وبقطر 40 سم، فيما الجزء الثالث هو عبارة عن قرص إسمنتي يتجاوز قطره المترين، وكانت على درجة من الأهمية لحماية رجل المرور من حرارة الشمس وزخات المطر، وفي ذات الوقت هي النواة للاستدارة الحالية التي تحولت إلى ساحة مدورة كبيرة مغطاة بالأشجار، فيما أزالت عمليات الطلاء المستمرة لهذه المظلة الكثير من الكتابات والذكريات التي خُطت عليها، وأهالي حي القشلة وأهالي مدينة السماوة -بشكل عام- الذين يلتقطون الصور التذكارية بالقرب منها وبشكل مستمر لأنها عتبة المدينة وبوابتها السابقة قبل التوسع العمراني، ينظرون إليها بشيء من الزهو كونها الشاخص الوحيد الذي لم يتغير كثيراً، ولارتباطها بأحداث مهمة، ولاسيما أنها المدخل الرئيس للمدينة قبل أن تفتح المداخل الأخرى، وقد رصدت الكاميرا بعضاً من الذكريات المنقوشة ككلمات على عمود المظلة التي دخلت عامها الثاني والستين وهي شاخصة في ذاكرة النظام والتمدن.

شخصيات وانتظارات
المظلة تعود بالأهالي ولاسيما كبار السن- إلى ذكريات المدينة وحركة المرور فيها، التي لا يمكن مقارنتها بالواقع اليوم، فبالكاد كانت تمر بضع سيارات من أمام رجل المرور إبان تلك الفترة، يوم كانت تمثل المدخل الشمالي للمدينة والبوابة صوب العاصمة بغداد. يقول الحاج إبراهيم تركي الذي توسط عقده السابع- إن المظلة هي محطة انتظار وتوديع واستقبال للقادمين والعائدين والضيوف، وجميع من كان ينتظر هنا قدوم مركبات الـ (أو أم) البيضاء القديمة (فيات الإيطالية)، حيث كانوا يتجمعون في هذه الساحة لساعات طوال لحين وصول الحافلة التي كانت تتهادى كالسلحفاة -بحسب تعبيره-، وكثير من الأمانات والسلع (الصوغات) كانت تستلم أو ترسل من هنا. يضيف الحاج ابراهيم “كان الأهالي يرسلون سلال تمور البرحي والبلكة وباميا الشاطئ مع السائقين ويتسلمون ما يُرسل إليهم من معارفهم وأقاربهم في بغداد أو الحلة، وحتى الرسائل (المكاتيب) كانت تجيء مع السائقين. ويعود الحاج إبراهيم في ذاكرته لاسترجاع عمليات استقبال المسؤولين الكبار في الدولة والحكومة من رؤساء ووزراء ونواب، والأهم من ذلك كانت المظلة والساحة الملحقة بها مكاناً لاستقبال الشخصيات المُفرج عنها من السجون، أو العائدين من المزارات، أو المتعافين بعد رحلة علاج في العاصمة.

قيافة والتزام
هذه المظلة تعيد الأهالي إلى صورة رجل المرور والملابس التي كان يرتديها، يضيف فلاح الخيكاني إن رجال المرور -مع اختلاف الحكومات والتقلبات السياسية- لم يكونوا طرفاً في أي صراع، وهم من بين القليلين الذين يحتفظون بالحيادية ويلتزمون المهنية وشرف الواجب، وقيافة رجل المرور كانت ومازالت مرآة تعكس النظام والتمدن والتحضر.