احتفالات أعياد الميلاد.. تجمع العراقيين

201

ملاذ الأمين /

يمتاز المجتمع العراقي بتنوع قومياته ومعتقداتهم الدينية، فعلى الرغم من أن الغالب فيهم هم العرب المسلمون، إلا أن هناك نسباً أخرى من القوميات الكردية والتركمانية والفارسية والأذرية وغيرها.. بالإضافة الى تنوع الأديان، حيث نجد الى جانب الدين الإسلامي بطوائفه المتعددة، هناك أيضاً الدين المسيحي بطوائفه، وغيرهما من الصابئة والأديان الأخرى،إذ أن الجميع يمارسون حياتهم وطقوسهم بحرية دون تدخل من السلطات أو الجهات الأخرى، وربما تتدخل الدولة فقط لحماية هذه الشعائر وضمان ممارستها بحرية.
كنيسة أم الأحزان
خلال زيارتنا كنيسة (أم الأحزان) في الشورجة، التي تأسست عام 1883 ميلادية، لاحظنا أعداداً من النساء والرجال والأطفال يتجولون داخلها، رغم أن الوقت لم يكن مخصصاً للصلاة.
السيد (خالد بهنام كرومي)، خادم الكنيسة، قال لـ “مجلة الشبكة” إن “الكنيسة الواقعة في مركز بغداد يقصدها الزوار من جميع الأديان ليطلعوا على التماثيل فيها، وليوقدوا الشموع ويلتقطوا بعض الصور، وهذا الأمر يعكس انسجام المجتمع واحترامه لخصوصية أبنائه في توجهاتهم الدينية.”
وأضاف أنه “لمن الفخر أن أذكر أن الكنيسة، وخلال سنوات العنف الطائفي، جرت حمايتها من قبل أصحاب المحال والعمال في الشورجة، وهم من مختلف الطوائف الإسلامية، بالإضافة الى المسيحيين ومعتنقي الأديان الأخرى، ما يدل على أن المجتمع العراقي متآخٍ، ولا ينظر الى الانتماء الديني نظرة عداء.” مشيراً إلى أن “الاحتفال بأعياد مولد المسيح ورأس السنة الميلادية لا يقتصر على أتباع الكنيسة وإنما يشارك فيه جميع العراقيين ومن مختلف انتماءاتهم.”
وتابع الأب كرومي بالقول: “أنا عراقي بغدادي ولدت في محلة الدهانة في رصافة بغداد، وهي من الأحياء البغدادية القديمة، حيث سكن أجدادي في هذه المنطقة قبل أكثر من ثلاثة قرون.” مؤكداً انه في صغره ودراسته في المدارس الابتدائية والمتوسطة “لم يتعرض الى التنمر أو الاضطهاد باعتباره مسيحياً في محيط المسلمين.”
وأضاف أن “لديه أصدقاء مسلمين تربطه بهم علاقة وطيدة، فهم يشاركونه في الاحتفالات والأعياد المسيحية، كما يشاركهم في مناسباتهم الدينية والاجتماعية.”
العراق يجمعنا
السيدة (مريم أدور)، التي تسكن في بغداد الجديدة، تؤكد أن فرحتها بأعياد الميلاد المجيد لن تكتمل دون مشاركة صديقاتها وجاراتها في المنطقة، حيث يجتمعن في أحد بيوت المحلة للاحتفال وتوزيع الحلوى والمرطبات وإطفاء الشموع، مؤكدة أنها تشارك جاراتها في الاحتفال بمناسبتي عيدي الأضحى والفطر، وكذلك المناسبات الاجتماعية الأخرى، المفرحة والمحزنة أيضاً.
وأضافت أن “العراقيين متآخون فيما بينهم بحيث أنهم انتصروا على الفتن التي حاولت التفريق بينهم، فنحن أولاد العراق، يجمعنا حب الوطن والعمل من أجل تقدمه والتضحية لتحقيق أمنه وحماية حدوده.”
من جهته، أشار السيد (حمه راوندوزي)، صاحب محل في الكرخ، إلى أن “العراق وطن لقوميات متعددة من العرب والكرد والآثوريين والتركمان والإيزيديين، وهذه القوميات متعايشة بعضها مع بعض منذ مئات السنين، لذا فنحن العراقيين شعب مميز لأننا نحب بعضنا بعضاً ونشارك الآخرين في أفراحهم وأتراحهم، إذ أن التاريخ والأرض اللذين يجمعان العراقيين جعلاهم عائلة واحدة، إخوة وأخوات، هدفهم تقديم الخير لأهل البلد والدفاع عنه.”
النشامى
ويذكر راوندوزي حادثة شاهدها في إحدى العواصم الأوربية، حيث تعرض شاب عراقي إلى اعتداء في أحد الشوارع من قبل أشخاص محتالين في ذلك البلد، فصاح بأعلى صوته (وينهم النشامى)، فما كان من العراقيين الذين يعملون في محال ذلك الشارع والآخرين المارين إلا أن يلبوا النداء، لينقذوا أخاهم العراقي من المحتالين الذين ولوا هاربين بعد أن نالوا قسطاً من الضرب بالأيدي.
تاريخ مشترك
الأستاذ (سامي جليل)، مدرس مادة التاريخ، أشار إلى أن “سكان العراق هم بالأصل من أعراق وقوميات متعددة، إذ شهدت بلاد الرافدين توافد أقوام كثيرة من الجزيرة العربية ومن مناطق الجبال والشام وإفريقيا، وهؤلاء الوافدون قدموا إما لتوفر المياه في المنطقة وخصوبة أرضها، أو أنهم كانوا غزاة محتلين، ومن ثم مستوطنين، فتطبعوا بعادات وأخلاق المجتمع السائدة، وعبر مئات السنين باتت للعراقيين صفات وأخلاق وعادات متقاربة. وكما نعلم فإن التتار-المغول- أسقطوا الخلافة العباسية في بغداد عام 1258 ميلادية، إلا أن كثيراً منهم استوطنوا العراق وأصبحوا مسلمين وتطبعوا بعادات وتقاليد أهل العراق، وبعد عشرات السنين انصهروا في المجتمع وأصبحوا عراقيين.”
محنة الغربة
الشاب (عماد الطائي – 28 سنة) تخرج في الجامعة وهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية، وحصل هناك على الجنسية الأميركية، إلا أنه، وعلى الرغم من أشغاله الكثيرة، فإنه يعود إلى بغداد بين سنة وأخرى، وأحيانا -وعند توفر الأموال- يزور أهلة مرتين في السنة. يقول عماد إن “الغربة والبعد عن الأهل والمدينة والأصدقاء محنة كبيرة، وغالبية العراقيين لا يتحملونها لأن في العراق ميزات جميلة تختلف عن بقية البلدان، إذ لا يوجد مثل دجلة في أي مكان بالعالم، ولا مثل هواء بغداد، ولا مثل طيبة أهل العراق، وكل الصفات الجميلة التي خص الله بها العراق وحده.”
أضاف عماد أنه “يفضل أن يقضي عطلة رأس السنة الميلادية في بغداد مع الأهل والأصدقاء، حيث الاحتفالات في مناطق الكرادة وشارع أبي نوّاس والفنادق الراقية، فالاحتفال في بغداد له نكهته الخاصة، حين يلتقي الناس بقلوب بيض صافية تحمل الفرح والحب وتتطلع الى التقدم نحو الأفضل، وبذلك تكون الأمنيات طيبة يتشارك فيها الجميع.”