استبدلوا القراءة بتصفح مواقع التواصل على الإنترنت لماذا ابتعد التلاميذ عن المكتبة؟

261

بغداد / علي غني
في طريقي إلى زيارة الإمام موسى بن جعفر (الكاظم ع) ، وجدت لوحة كتب عليه (لماذا نقرأ؟) فوجدت اكثر من جواب، كلها تفيض جمالاً، تدعو لاكتشاف عالم القراءة لكي نبدع أشياء عظيمة، ونزور أماكن جديدة، ونستمتع بأوقات فراغنا، ونخطط للمستقبل لنفهم الماضي، وندرب عقولنا ونطورها لنصنع قرارات صائبة. نقرأ لأننا نستطيع ان نقرأ، كل هذه الأجوبة تشجع على القراءة، لكن (الكارثة) انها تغيب عن مدارسنا وكلياتنا، إذ لا يوجد ما يحفز شبابنا على حب المطالعة، ويكاد ينعدم شيء مهم اسمه المكتبة المدرسية.
تأخر الأمة
رجل الدين والباحث الإسلامي (الشيخ علي الفؤادي) لخص عزوف الشباب عن القراءة بـ “مشكلة يواجهها المجتمع عامة والشباب خاصة، ولا شك في أن يكون ذلك هو أحد الأسباب في تأخر الأمة، فالقراءة هي مصدر الوعي في المجتمعات، وهي نماء العقول وبناء الثقافات، ومنها تحصيل الرفعة والتقدم والبناء. كما أن هناك أسباباً متنوعة تمنع الشباب من التوجه للقراءة، منها تربوية، كعدم الوعي والفهم بأهمية القراءة في حياة الفرد والجماعة، اذ تغيب ثقافة الكتاب عن بعض البيوت والمحاضن التربوية، وضعف المستوى التعليمي والاكتفاء بقراءة المجلات والصحف، والإقبال على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، ونوعية بعض الكتب المعروضة في الأسواق سطحية المضمون أو تتناول مسائل نظرية بعيدة عن الواقع، أو أنها لا تلبي حاجات المجتمع ومشكلاته، بل إن معظمها يتناول الماضي، وعدم تكليف الأساتذة والمدرسين تلامذتهم بكتابة البحوث وحثهم على زيارة المكتبات.”
وتابع (الفؤادي): “كما أن هناك أسباباً شخصية، منها عدم وجود الحماسة في طلب العلم ورفع الجهل عن النفس، والبعد عن الأجواء العلمية، وعدم التحمس بالمشاركة فيها، والغرور والنظرة الضيقة للنفس، وسرعة الملل وقلة المثابرة وعدم التوازن، فتجد الشاب يهتم بأعمال وأمور وينسى الاهتمام بجانبي القراءة والاطلاع. وربما تدخل الأسباب الاقتصادية في صلب الموضوع، كغلاء أسعار الكتب أو قصور دخل الشباب أو الوهم الخاطئ للشاب، كأن يقول: وأي شيء ناله القراء من كتبهم؟! هل صاروا نجوماً! كمن يحسن التحكم في قدمه أو حنجرته أو بعض جسده.”
ويذهب الشيخ (الفؤادي) بعيداً حينما يضيف “الأسباب الإدارية التي تبرز عند مَن لا يُحسن تنظيم وقته ولا يعرف أولوياته، ولا يرتب أدوار حياته، والتخبط في تراتبية القراءة، وعدم التدرج في تناول الكتاب، وعدم معرفة المنهج الصحيح للقراءة والأسلوب للكتاب المقروء الذي ينبع منه عدم الفهم، وبالتالي يسبب النفور من القراءة.”
بناء المجتمع
ويصيب رأي (علي عبد الصاحب الياسري)، المهتم بالثقافة كبد الحقيقة، فهو يعتقد أن “من مقومات تقدم المجتمع هو بناء الفرد ثقافياً، وجعله أكثر اطلاعاً على ما يدور حوله من العلم والمعرفة، لذلك أرى من الضروري تشجيع الشباب على القراءة والمطالعة، ودعم طبع الكتب التي تحاكي تطلعات الشباب وأحلامهم بأسلوب قصصي مبسط، واختيار شخصيات مؤثرة، كما أننا يجب أن نكثر من إصدارات المجلات الخاصة بالأطفال، فضلاً عن حث وزارة التربية على تشجيع المسابقات الثقافية.”
سلوك الوالدين
ويقول (الدكتور محمد الطائي)، الموسوعي في معارف الطفل والثقافة، إن “القراءة تقودنا الى معطى تربوي يقترن بالطفل والطفولة: (كل شيء يبتدئ من الطفولة)، فالطفولة عمر زمني مهم يحتاج الى (بيئة وآلية). سألت سيدة تتصفح الموبايل وبجوارها طفلتها المدللة، سيدة أخرى تجلس الى جوارها تقرأ كتاباً ومعها ابنتها تقرأ كتيباً مصوراً يحمل بعض الشروحات التعريفية: ماهي الآلية التي بموجبها استجابت ابنتك للقراءة؟ فأجابت: أنا لم أعلمها، لكن الأطفال يحاكون سلوك الوالدين. وهذا يقودنا الى أن المراحل العمرية الأولى يجب أن نوفر فيها بيئة ثقافية أبطالها الأم والأب، تظل أيقونات عالقة في ذاكرة الطفولة. إن الأبجدية الأولى في التعليم غير الثقافة، لأن استجابة الطفل الأولى تتعلق بالمصورات أكثر من النص المكتوب مهما امتاز بالبساطة (والبساطة مقياس للحقيقة)، والفطرة الأولى لدى الطفل مجبولة على الفضول المعرفي والرغبة في الاستزادة من المعلومات، وفي مرحلة معينة من الطفولة يحتاج الطفل الى نصوص ترافقها مصورات تنمي خياله، وهي مرحلة ما قبل التعبير.”
وتابع الطائي: “أما مرحلة الشباب فهي تتناول فئة عمرية أخرى تحتاج الى المعلم الحقيقي الذي يقود الشباب الى المكتبة ضمن النشاط اللاصفي، اضافة الى جهده المعرفي ضمن قاعة الدراسة (الصف) وتحديد عناوين آخر الاصدارات لغرض اقتنائها والتواصل مع المتغيرات في الثقافة والمثقفين.”
مطالعة سطحية
فيما عزت (الدكتورة اكتفاء ياسر ثامر)، مديرة (الزيتونة الأدبية) في تربية الكرخ الثانية أسباب عزوف الشباب عن المطالعة الى أن بعضها متعلق بالتربية، والآخر بمواقف حصلت لهم بسبب المشكلات النفسية تجاه القراءة، ولكن إذا أردنا أن نتحدث عن الأسباب الواقعية اليوم، فمنها اتجاه الشباب نحو السهولة، فهم لايجهدون أنفسهم في البحث والاطلاع والقراءة، ولكي يوفروا التعب على أنفسهم يضغطون على زر الإنترنت ليتوصلوا إلى المعلومة بسهولة.”
وأكدت أن “علينا تشجيع الطالبات الشابات على القراءة، كذلك لابد من تفعيل دور المدرسة بجانب الأسرة في تنمية حب القراءة والمواظبة عليها عن طريق إنشاء مكتبة مدرسية وتفعيلها، فالإسلام يشجع القراءة لأهميتها ومنزلتها الكبيرة، فهي أولى الكلمات التي تلاها جبريل عليه السلام على سيدنا محمد (عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام) (اقرا باسم ربك الذي خلق).”
تعليم الطفل
من جانبه، يرى (الدكتور طالب عبد العزيز)، اختصاص تنمية بشرية، أن “الثقافة تبدأ بتعليم الأطفال فن القراءة، ويعد أدب الاطفال وسيطاً تربوياً يتيح الفرصة أمام الاطفال لتحقيق الثقة بالنفس وروح المخاطرة في مواصلة البحث والكشف وحب الاكتشاف والتحرر من الأساليب المعتادة للتفكير من أجل مزيد من المعرفة، كما أنه ينمي سمات الإبداع من خلال التفاعل والتمثل واستثارة المواهب.”
وتعمل الحكومة بمختلف قنواتها الرسمية على وضع خطط لتشجيع الشباب والأطفال على القراءة، كما أنها طالبت وزارة التربية بالاهتمام بالمكتبة وتشجيع الطلبة على قراءة مختلف الكتب وإقامة المسابقات الأدبية بينهم.