اشتقّ اسمها من وظيفتها منارة موجدة..تحفة معمارية وسط الصحراء
عامر جليل إبراهيم-تصوير / يوسف مهدي/
في بادية كربلاء، في منطقة معزولة تبعد عن مركز المحافظة مسافة (40كم)، تقف منارة (الموجدة) أو ما تعرف بـ (الموقدة)، ذلك الأثر الشامخ الذي كان يتخذ علامة للدلالة وإرشاد القوافل وللرصد في حالات الطوارئ، ويعتقد أيضاً أنها استخدمت كبرج للمراقبة العسكرية.
“مجلة الشبكة العراقية” زارت هذا المكان برفقة الدكتور مصطفى سالم حسن الطرفي، السياحي في دائرة مفتشية آثار وتراث كربلاء ليروي لنا تفاصيل هذه المنارة:
أصل التسمية
عن أصل تسمية المنارة يقول الدكتور الطرفي: سميت المنارة بـ (الموجدة)، وتعني بالفصحى (الموقدة) لأن الحطب كان يجمع ويوقد في قمتها فتُلمح النار من مسافات شاسعة لتكون دليلاً للقوافل في الليل، ومرشداً الى الطريق الصحيح. أما عن موقعها فهي تقع بالضبط إلى الشمال الغربي من مركز مدينة كربلاء، في صحرائها الغربية تقريباً، حيث تطل على وادي الطار، وتبعد عن خان العطشان بـ (15كم)، وعن حصن الإخيضر بـ (20كم) تقريباً، وبشكل أدق تقع على يسار الطريق الرابط بين كربلاء وقضاء عين التمر.
أهمية المكان
يصف الدكتور مصطفى أهمية المكان الذي تتخذه المنارة بالقول: هناك أسباب كثيرة وراء اختيار مكان المنارة، لعل أهمها وقوعها على الطرق التجارية المهمة بين العراق وبلاد الشام والحجاز وغيرها، واقتضت الحاجة آنذاك وجود علامات ثابتة تستخدم لغرض الدلالة لإرشاد القوافل والرصد في حالات الطوارئ، وربما استخدمت للتواصل بين الوحدات الإدارية عن طريق إشارات الدخان أو الحمام الزاجل، ويعتقد البعض أنها استخدمت كبرج للمراقبة العسكرية، إذ لم يتم العثورعلى آثار تدل على وجود مستوطنة في هذه المنطقة الصحراوية سوى بعض الكِسَر من أوانٍ فخارية ملونة، كما أن مكان البرج يثير بعض الشكوك لوقوعه في منطقة صحراوية، بالإضافة إلى قربها من منطقة الطار، ويقال إن هذه المنارة كانت تستعمل فناراً للسفن المبحرة في بحر الجنوب، الذي يعتقد أن مياهه انحسرت إلى ما يعرف الآن بالخليج، وما زالت آثاره موجودة إلى يومنا هذا، متمثلة ببحر النجف، حيث كانت تضم موقد نار يعطي وهجاً في الليل لإرشاد السفن لتجد طريقها، كما تهتدي به القوافل السائرة براً.
وقد ورد ذكر القصر في الدليل العراقي لسنة 1935-1936، إذ ورد فيه أن قصر موقدة يقع بالقرب من الإخيضر، وتعلو هذا القصر منارة عالية لا تزال قائمة، والموقع غير متجاوز عليه حتى الآن، لكن النصف العلوي من المنارة مهدم والنصف الآخر لا يزال محافظاً على هيكله.
شكل المنارة
يؤكد الطرفي أن المنارة بنيت بطابوق الفرشي (أحمر اللون) والجص والنورة، القاعدة مربعة الشكل تبلغ مساحتها (25م2) زين كل ضلع منها بثلاث حنايا صماء يعلوها عقد نصف دائري. ثم يبدأ البدن الأسطواني الذي ينقسم إلى أفاريز: الأول بارتفاع (2م) بني خالياً من أية زخارف، وربما أرادَ المصممون إظهار مساحة فاصلة بين القسمين، الأول (القاعدة)، والقسم الذي يليه لإبراز التفاصيل بشكل أوضح. الإفريز الثاني بارتفاع (2م) تم تزيينه بطريقة التلاعب بالآجر مكوناً خطوطاً من المثلثات من أعلى إلى أسفل فتحة البدن الأسطواني بكامله، وهذه الطريقة ظهرت بشكل واضح في أواخر الفترة العباسية. توج أعلاها بست حنايا تنتهي بعقد نصف دائري تهدم بعضه. أما ارتفاع المنارة الكلي فيبلغ (12م)، ويمكن الصعود الى أعلاها عن طريق سُلم في داخلها من الجهة الجنوبية من قاعدة المنارة، ومن الواضح أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بخان العطشان وحصن الإخيضر، وربما طريق الحج المعروف بـ (طريق الست زبيدة) أو ربما بناها الصفويون لغرض إرشاد قوافل الحجيج، ومما يلاحظ أن المنطقة المحيطة بالمنارة خالية من أية مظاهر تدلُ على وجود مبانٍ قريبة منها.
نشأتها
يختتم الطرفي حديثه بالقول: بحسب المصادر، فإن تاريخ المنارة يعود الى القرن التاسع الميلادي, وهو يرتبط بخان العطشان الذي يقع على بعد (21كم) شرقي البرج، لأنهما شُيدا في الفترة الزمنية نفسها في ذلك القرن، أي أنها تمثل أحد أطوار الزمن العباسي, والملاحظ أن طريقة بناء البرج كانت على الطراز الإسلامي، إذ تجد العمارة الإسلامية القديمة ذات الزخارف المتنوعة واضحة في أجزائها العلوية.