الأخطاء الطبية .. “هفوات” قاتلة وانتحال صفة طبيب

73

رجاء حسين/

مريض يدخل صالة عمليات أحد المستشفيات الأهلية فلا يخرج منها حياً، وهروب الطبيب وكادره! تشويه ملامح الوجه والجسم في مراكز تجميل، ليكتشف أصحابها أن من قام بهذه العمليات التجميلية هو حلاق وليس بطبيب! أطباء أسنان يغادرون اختصاصهم ليذهبوا إلى عالم التجميل، قرار يمنع وآخر يجيز، مستشفيات ومراكز يفتتحها مقاولون وتجار، كليات أهلية تسمح للطلبة، أياً كانت معدلاتهم، بالدخول والدراسة فيها! وغيرها وغيرها من الأخبار المتناقلة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

تقلب وتغيرات
د. هند زهير، اختصاص طب الأسرة، بينت بشكل تفصيلي لـ “الشبكة العراقية” رأيها قائلة: “هناك قرار برقم 2018 الذي قسم الأطباء الاختصاصيين إلى فئات، ولا يسمح لأي طبيب أن يزاول عملاً ما ليس من اختصاصه، غير أننا نشهد منذ سنتين أن القرارات تتقلب وتتبدل باستمرار. وهنا لابد لنا من أن نميز بين الأخطاء الطبية والمضاعفات، فالمضاعفات تبدأ بعد إجراء العملية، ابتداءً من الأدوية واستجابة الجسم أو رفضه أحياناً.”
مضيفة: “كذلك هناك أخطاء يرتكبها المريض أو المريضة أيضاً، فكم من حالات لا يعطي المريض معلوماته الصحيحة كما هي، بل إنه يخفيها بجهل، أو بتعمد، كأمراض الضغط والتدخين وتناول أنواع من الأدوية إذ لا يذكرها لنفاجأ أثناء التخدير بحالات خطرة.”
أطباء أسنان يهجرون اختصاصهم!
وعن القرار الأخير الذي صدر عن اللجان الاستشارية في وزارة الصحة بمنع أطباء الأسنان من مزاولة عمليات التجميل (اللا جراحية)، كانت آراء بعض أطباء الأسنان حوله كالآتي: د. مصطفى حسين، وهو طبيب أسنان مختص بمعالجة وتجميل الأسنان تحدث قائلاً: “لست مع أي طبيب أسنان يقوم بعمليات التجميل هذه من حقن بوتكس وفلر وغيرها، انما يجب أن يكون ذلك من قبل اختصاصي أمراض الفم أو اختصاصي جراحة الوجه والفكين، فهما على إلمام أكبر وتخصص أدق، وأنا مع وجوب أن تكون هناك عمليات علاجية، كالحقن المستخدم في مشكلات تحدث للعصب السابع، أو التواء العضلات، وحينها ينبغي أن تكون تحت إشراف طبيب اسنان ضمن الاختصاصين المذكورين.”
استسهال الانتحال
من بين سماعنا الكثير من الأطباء والناس، فكم من معاون طبي كما المدعو (أ. ع) في المسيب، الذي ظل لسنوات يعمل كطبيب أسنان، إلى أن اكتشف وأصبح قضية رأي عام وقتها. كذلك تطل علينا قصة الممرضة (ا. م) التي تعمل بمركز صحي في الأقضية والنواحي أيضاً، ولديها كرسي أسنان في بيتها لقلع وتحشية الأسنان وتنظف اللثة، وهي تحظى بمراجعين كثر!”
تتحدث عن هذه الظاهرة د. غسق فاضل، وهي طبيبة أسنان، بقولها إن “مزاولة طب الأسنان أصبحت وراثة أيضاً، فكثيراً ما نسمع أن المعاون الطبي (أبو فلان) قد أورثها لابنه (فلان) لتتأصل لديهم مهنة مزاولة طب الأسنان.”
الدكتورة غسق كانت مع قرار منع أطباء الأسنان من مزاولة عمليات التجميل بكل أنواعها، لأنها ليست ضمن اختصاصهم.
نقيب أطباء العراق
بعد سماع شكاوى أهالي ضحايا بعض المستشفيات الأهلية، وحالات التشويه في مراكز تجميل يديرها من هم ليسوا بأطباء، وآراء أطباء اختصاصات مختلفة، تحدث نقيب أطباء العراق د. حسنين صفاء شبر لمجلة “الشبكة العراقية” قائلاً:
إن “انتحال صفة طبيب، وارتكاب الأخطاء الطبية، هي من الظواهر التي انتشرت في مجتمعنا منذ نحو 8 سنوات، وكنا حينها نسمع بارتكابها في بلدان أخرى مثل لبنان ومصر. إلا أن قانون تأسيس المؤسسات الصحية الخاصة رقم 25 لسنة 2015 بدأ يأخذ مفعوله، إذ سمح هذا القانون لأي شخص، سواء أكان تاجراً أو مستثمراً أو مقاولاً بأن يكّون مؤسسة طبية خاصة (مركز تجميل، أو مستشفى، أو مركز أشعة، أو مركز طب أسنان)، ما حول الخدمة الطبية المسيطر عليها من الأطباء أصحاب الاختصاص إلى خدمة استثمارية فتحت شهية أي مستثمر للمتاجرة فيها.”
مضيفاً أن “النقابة لها السلطة على متابعة المراكز الصحية التي يديرها الأطباء، إلا أننا وجدنا أنفسنا عند متابعتها متورطين مع (فاشنستات) وشبكات مشبوهة!.. الخ”
مؤكداً أنه “لا يمكن أن تقوم نقابة الأطباء وحدها، أو وزارة الصحة أو الداخلية بوقف تلك الممارسات المشبوهة، إذ إننا نحتاج إلى جهود مشتركة ضمن حملة وطنية كالحملة التي أطلقت برعاية رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لمكافحة المخدرات والقضاء عليها.”
وعن آخر حادثة حول مريضة توفيت في أحد مستشفيات بغداد وهروب الطبيب والكادر الطبي بعد وفاتها، أجاب النقيب: “بداية فإن هذا المستشفى الأهلي بالذات الذي حدثت فيه الحادثة وانتشرت في وسائل الإعلام هو واحد من المستشفيات التي تعد مثالاً صارخاً، للفساد، إذ سجلنا فيه مخالفات كثيرة رصدتها النقابة، منها عمل طبيب سوري (الذي هرب) مارس العمليات فيها دون موافقة نقابة الأطباء وهو غير مجاز من وزارة الصحة، لكن الإعلام نشر خبر هروبه ليشمل الوصف الأطباء العراقيين جميعاً.”
وعن قرار منع أطباء الأسنان أجاب نقيب الأطباء أن القرار صدر من الجانب الاستشاري في وزارة الصحة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: “هل أن أطباء الأسنان سابقاً كانوا يقومون بعمليات التجميل من فلر وبوتكس وغيرها؟” لكن يبدو أن الغرض مادي ربحي، وهذا ما أدى إلى عزوف كثير من أطباء الأسنان، ولاسيما الجدد، عن تخصصهم ولجوئهم إلى عمليات التجميل.