الأرسي .. سحر العمارة الإسلامية

56

طهران / منى السراج/
الأرسي هو فن الزجاج المعشق، فن إبداعي قديم يمزج بين الكيمياء والهندسة، ويستخدم في صنع نوافذ وشبابيك القصور والعمارات والمساجد، وكذلك على نواصي المباني والأروقة. عرف هذا الفن قبل ثلاثة آلاف سنة.
أما الزجاج المعشق فهو فن من فنون البناء في التراث الإسلامي، يتميز بالجمال والخصوصية. وقد برع المعماريون والفنانون كثيراً على مدار التاريخ الإسلامي في توظيف الزجاج كعنصر رئيس من عناصر الديكور التي تضفي جمالاً وسحراً في العمارة الإسلامية. نوافذ الأرسي هي عبارة عن نوافذ مشبكة ليست لها مفاصل؛ بل إنها تتحرك نحو الأعلى والأسفل، وتوضع في إطار مخصص لها.

موصلات خشبية
الشكل المشبك لفن الأرسي يستخدم عادة في صنع النوافذ والفتحات الخشبية. في هذا الفن، لا يستفيد الصانع والفنان من أي مسمار أو معجون لاصق، بل إنه يلجأ الى موصلات خشبية دقيقة لتوصيل النقوش والتصاميم الخشبية بعضها ببعض.
هذه الطريقة الفنية التي يعتمد عليها الفنان في توصيل القطع تسمى (تعشيقة النقر واللسان)، إذ يرسم الفنان تصميمه الأولي على الورقة من خلال جمع معلومات عن الهندسة وعلم المثلثات، ومن ثم يقطع الأخشاب المطلوبة بطريقة غاية في الدقة، فيوصلها الى القطع الزجاجية بمهارة فنية وعناية وافية، ويجري توصيل جميع هذه القطع الخشبية والزجاجية الجميلة بعضها ببعض بواسطة فن (تعشيقة النقر واللسان).
لفن الأرسي أشكال وضروب شتى، نذكر منها على سبيل المثال الشكل (الإسليمي)، الذي حقق انتشاراً واسعاً في أكثر البلدان الإسلامية، كما يتضح من اسمه. أكثر الأشكال والتصاميم التي تؤخذ بعين الاعتبار في الفن الإسليمي مستلهم من صور الأعشاب والنباتات، ونرى أثراً للنقوش الإسليمية في حياكة السجاد والبسط والرسومات المختلفة.
العقدة الصينية هي الأخرى من الأشكال الهندسية والنقوش الإسليمية التي أخذت تنتشر بمرور الزمن في البلاد الإسلامية، ولها استخدامات عدة في تزيين المباني والعمارات بالقاشاني والطابوق، وهنا يمتزج العمل الفني بالهندسة والمثلثات.
من التصاميم والنقوش التي لها استخدامات مختلفة في فن الأرسي رسم شجرة سرو منحنية؛ وتسمى بالفارسية (جقة)، التي تعني الرجل الحر الذي لا يعبد ولا يستسلم إلا لمعبوده تبارك وتعالى.
الإنارة والإضاءة
يجري تصميم السطح المشبك لنوافذ الأرسي لتحقيق أغراض عدّة، منها: الإنارة والإضاءة للفضاء الداخلي، واستعراض الفضاء الخارجي، والتقليل من حدة إشعاعات الشمس الى الداخل، وخفض درجة الحرارة، وإضفاء مزيد من الجمال على الواجهة الخارجية للمبنى او العمارة، كذلك الحفاظ على الحرم الداخلي. اللافت هو أن الزجاجات الملونة لنوافذ الأرسي تمنع دخول الحشرات المؤذية الى الفضاء الداخلي، وذلك من خلال تسليط أضواء منوعة عليها.
من الناحية النفسية، فإن الألوان المختلفة التي تسطع من خلال هذه النوافذ ومكوناتها الضوئية، لها تأثيرات مختلفة على نفسية الإنسان، وأكثر الألوان التي تستخدم فيها هي: اللازوردي والأحمر والأخضر والأصفر؛ وهذه الألوان لها تأثيرات إيجابية على الإنسان، إذ إنها تريحه نفسياً.
إن التناسق الموجود بين الألوان المختلفة، والأشكال الهندسية، والاستفادة من القطع الزجاجية الملونة والبسيطة، وإبداع تصاميم رائعة في نوافذ أرسي، كل ذلك يضفي جمالاً وهدوءاً خاصاً عليها يروق لنفس الإنسان.