الإرادة الشعبية تجهض مشروع تعديل قانون الأحوال المدنية

1٬425

إيفان حكمت/

“دميتها” المفردة التي تناولها كل من عبر عن غضبه ضد مشروع لتعديل قانون الأحوال المدنية يسمح بزواج القاصرات، كل حسب اختصاصه، ربما لأنها الرفيق الأقرب إلى صاحبتها، تغفو على دفء قماشتها ليلاً. تحتضنا بعضاً. تلتحفان أحلاماً بريئة بنقاء قلبيهما. تروي لها قصصاً من الماضي والحاضر وحتى المستقبل.

بكت دميتها على قتل حلمها الجميل وعلى فك ضفائرها التي غزلتها عوالم من الضحكات والأحلام والقفز على الغيوم، نسيجاً بائساً يبيح لمرضى العقل أن يريقوا دماء عذريتها مبكراً جداً، ما يؤدي إلى حرمانها من حق الحياة التي لم تزل تستكشف زواياها بكل براءة ودون ادراك.
تواً قد بدأت تعي معنى الحياة، دون الغوص في عمق تفاصيلها، متى سوف تحكي لأمها قصصاً عن أبطال خياليين يجوبون عوالم يؤثثها عقلها الصغير؟. متى سوف تسابق أمها للمطبخ بغية إحداث فوضى غير مقصودة، الهدف منها غسل الصحون أو اعداد وجبة غذائية؟. متى ستشتري حقيبة مدرسية صغيرة تحملها بيديها الصغيرتين؟. هل ستتعلم؟. هل ستّكون صداقات جميلة مع قريناتها وتضفر احداهن شعر الأخرى؟. أم أن هذه الأحلام جميعها ستغتصب؟

كان البعض في البرلمان العراقي يدفع إلى تشريع تعديلات في قانون الأحوال المدنية تستلب حقوق المرأة وبانتظار التصويت عليه بغية الشروع في التنفيذ، علت أصوات غاضبة في كل بقاع الأرض بوجههم بمختلف الوسائل، عبر الإعلام والتظاهرات ومواقع التواصل الاجتماعي، بالقلم، بالفرشاة، بمقاطع الفيديو وبالأداء التمثيلي. جهود فردية ونشاط منظمات مجتمع مدني ورابطات غير حكومية أيضاً، كل هذا بالضد من هذا القانون.

وجه آخر للبيدوفيليا

علي وجيه،إعلامي وناشط مدني يقول، “لا يمكن أن نعتبر أي زواج دون سن الـ18 إلاّ مشكلة معقدة، على الجانب النفسي للمرأة والرجل على حدٍ سواء، فضلاً عن الأضرار الجسدية والمجتمعية.

ويؤكد في حديثه “للشبكة” أن “بناء وإعطاء إيحاء كون أن المرأة قادرة على أن تكون زوجة قبل أن تكون راشدة أمام القانون يعد شكلاً من البيدوفيليا.

مضيفاً “أمام المرأة فرصة أن تدرس وأن تنضج وأن تستقل قبل أن تكون مجرد وعاء للشهوة، لمراهقٍ آخر يتزوّج وهو يظن أن الزواج مجرد سرير، غير عابئ بمسؤولياته ولا ستراتيجيّته التي يجب أن تمتد لسنوات”.

إرادتنا تجهض القانون في مجلس النواب

رسام الكاريكاتير أحمد فلاح يقول بحزن، “كان القانون بكل فقراته عبارة عن كارثة حقيقية تطيح بأساس المجتمع وبناء مستقبله، وفقرة زواج القاصرات من وجهة نظري الأكثر خطورة، حيث كلنا نعرف أن زواج القاصرات موجود بين بعض العوائل، ولكن أن يتم تشريعه بقانون فتلك هي الكارثة الأكبر”، ويضيف في حديثه “للشبكة”، “حين تابعت تفاصيل تعديل القانون لم يكن أمامي إلا صورة أختي الصغيرة، التي تحمل دميتها أينما تذهب ولا نستطيع إبعادها عن شاشة التلفاز حين تعرض أفلام الكارتون بغض النظر عن نوعها، كيف لكائن كهذا أن يقتل بسلاح مسؤولية الزواج والمنزل والأطفال؟، وكذلك تراءت في عيني صور كل قريناتها”،
من هذا المنطلق “اشتغلت على مجموعة رسوم كاريكاتيرية وبوسترات لتوعية الناس حول خطورة هذا التعديل، وقد احسست بالنصر فعلاً حين أجهض القانون في مجلس النواب بالرغم من ثقتي بأن من دفع به إلى الواجهة سيدفع بالأتعس منه لو حصل على مقعد في مجلس النواب بدورته المقبلة”، مؤكداً، “لقد ضحى أبطالنا بالغالي والنفيس لننعم بالحرية والعيش الكريم لا ليفكر سين او صاد بتقنين شهواتهم المريضة.. على الناس أن تفكر بهذه المشاريع بموضوعية وعدم الانجرار إلى أي تأليب طائفي”.

التعديل يتعارض مع الدستور

انتصار الميالي عضو سكرتارية رابطة المرأة العراقية تؤكد، أن “التعديل المطروح في البرلمان يتعارض تماماً مع النص الدستوري في المادة 41 التي تقول أن العراقيين متساوون، وأنه بمجرد ذكر عبارة (وفق المذهب الذي يتبعونه) الواردة في البند (أ) هو إثارة للطائفية والتفرقة والتمييز الواضح في مقترح التعديل”،
وتضيف في حديث “للشبكة”، “أن زواج القاصرات يعد من أبرز الإشكاليات التي يثيرها التعديل الجديد على قانون الأحوال الشخصية في حال كان قد تم تنفيذه، فبدلاً من أن تعيش الطفلة حياتها الطبيعية وتأخذ فرصتها في التعليم والنمو الطبيعي وتنمية المهارات والإبداع فيها، فأن هنالك من يحاول شرعنة اغتصاب طفولتها، وهذا كله مع النصوص الواردة في مقترح التعديل التي تتعارض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها العراق”،
وتؤكد أن “هنالك تبايناً شاسعاً بين أحكام المذاهب وأفرعها أيضاً في تطبيق العديد من المسائل والقضايا الأسرية التي نظمها قانون الأحوال الشخصية رقم 188 الذي جاء موحداً لكل العراقيين بمواد مستندة إلى الأحكام الفقهية والمذهبية المتنوعة الأكثر تحقيقاً للعدالة والأكثر ضماناً لاستقرار الأسرة والمجتمع والأكثر توفيراً للحقوق، والتعديل لا يختلف عما طرح سابقاً مثل مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري وماسبقه مثل القرار 137 في فترة مجلس الحكم عام 2004 والذي تم رفضه من قبل الحركة النسوية ومناصري المرأة، إضافة إلى اختلافات كثيرة جداً فيما يتعلق بالنفقة والحضانة وأحكام النسب والطلاق وغيرها الكثير كلها تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المحاكم في الوقت الذي يفترض أن تعمل به على تطبيق القوانين لدى الأفراد ومساواتها بينهم بما يحقق العدالة، ناهيك عن السماح بإنشاء المحاكم الشرعية الفقهية”،
وختمت “تظاهرات كثيرة قمنا بها في أماكن متفرقة وتم نشرها بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الفضائيات إضافة لجهود أخرى كثيرة على مستوى أفراد أو منظمات أو صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي بأجمعها وبمختلف الاختصاصات كل حسب تعبيره، ومن كل مكان، كل قد رفض واستنكر التعديل وفعلاً تحقق النصر وتم الغاء القانون وتضافرت جهودنا وأصواتنا التي توحدت تحت سقف الايمان بما يجعل من هذا البلد بلد المساواة والتقدم والإبداع، وها هي كل تلك الجهود تأتي بنتائجها الرائعة وتجهض القانون”.