البطالة تسهم في ارتفاع الجرائم

146

ملاذ الأمين /

نتيجة لقلة فرص العمل، يتعرض الشباب في غالب الأحيان الى أضرار نفسية وخيبات أمل لعدم تمكنهم من إفراغ طاقاتهم الجسدية والفكرية في عمل يجيدونه، وفي نفس الوقت يعينهم في توفير المال لإعالة أنفسهم وأهليهم.
وقد أكدت دراسة أمريكية أن الطاقات السلبية تجد لها أرضاً خصبة في نفسيات العاطلين عن العمل، او الباحثين دون جدوى عن عمل يعينهم ويعيلهم. لذا فإن بعضاً من هؤلاء العاطلين ينظرون الى الذين يعملون نظرة حسد، ربما تتطور الى حقد ومحاولة لتسقيط الناجحين في أعمالهم، ما يتطلب من الحكومات أن تخلق فرص عمل تستوعبهم من خلال استثمار أموال الدولة في مشاريع مفيدة كالزراعة والإرواء، والسياحة، والصناعة، أو بتحفيز أصحاب رؤوس الأموال على إنشاء مشاريع إنتاجية قادرة على زج أكبر عدد من العاطلين.
ثورات الجوع
وبالعودة الى التاريخ والبحث عن الثورات الشعبية نجد أن أسباب اندلاع غالبيتها تعود الى الجوع الناتج عن عدم توفر الأشغال للشباب، ولدينا في الثورة الفرنسية عام 1789 خير مثال على ذلك، إذ كان التدهور الاقتصادي وعدم توفر الأعمال سببين رئيسين في توجه أفكار الطبقة العاملة نحو التمرد ووضع مبادئ حقيقية تقود الاقتصاد والبلاد نحو الازدهار وتوفير العمل للأفراد وضمان التقدم والتطور مع مسيرة الحضارة الإنسانية المتصاعدة.
وقت فراغ
إن فقدان العمل يزيد من أوقات الفراغ لدى العاطلين، وهذا الوقت الطويل يجذب الأفكار السلبية التي تضر بصاحبها ومن يحيط به ما لم يتدخل ذووه وأصدقاؤه لمساعدته في ملء الفراغ وطرد الأفكار السلبية.
ويتجه القادة ورؤساء الحكومات في الدول المتقدمة الى تهيئة الأجواء والقوانين من أجل خلق المزيد من فرص العمل لتلافى الكثير من المشكلات والأمراض المجتمعية التي ينتجها تدني الأعمال وقلة فرص العمل، منها التسول والسطو والسرقة والاحتيال وغيرها، التي ستصبح بمرور الزمن مهناً للذين يمارسونها تدر عليهم أموالاً كثيرة تجعل ممارسيها يستمرون بمزاولتها، يورثونها من بعدهم الى أولادهم، حتى وإن تجري معاقبتهم قضائياً او مجتمعياً من خلال النظرة المتدنية لهم..
التسول
وتعتبر مهنة التسول من أكثر المهن انتشاراً، وأبرزها في تحصيل الأموال بدون جهد، فهي مهنة يعاقب عليها القانون، إلا أن المتسولين ينجحون دائماً في الفرار من تطبيق القانون عليهم، ونتيجة للأرباح الكبيرة التي يجنونها يومياً فإنهم متمسكون بها، ومن شدة بخلهم فهم لا ينفقون منها إلا النزر اليسير، وكأن هذه الأموال كلما تكبر تصبح سجناً واقعياً لا يمكن الفكاك منه، لذا نجد أن غالبية الشحاذين يمتلكون أموالاً كثيرة تفيض عن حاجتهم، لكنهم ليست لديهم الرغبة في التصرف بها او إنفاقها، لأن منظرها وهي متكدسة أمامهم من أجمل المناظر التي تغذي أنفسهم بالبهجة والسرور والشعور بالامتلاء، وأن إنفاق أي فلس منها يعد تشويهاً للحلم، بل إجهاضه.
مبالغ كبيرة
أتذكر جيداً أنني في بداية حياتي الصحفية -نهاية سبعينيات القرن الماضي- كنت أرغب في كتابة تحقيق عن الشحاذين، لذا اضطررت الى أن أراقبهم في مناطق عملهم في بغداد: باب المعظم، وساحة الميدان، والباب الشرقي، ووجدت أن أحدهم، وهو يفترش الأرض قرب موقف باص المصلحة في باب المعظم، يجمع في الساعة الواحدة قرابة الدينار و250 فلساً، او ما يزيد عن 10 دنانير خلال 8 ساعات، وهذا المبلغ كان حينذاك كبيراً جداً، في وقت كان الموظف خريج الجامعة يتقاضى فيه راتباً شهرياً لا يزيد عن 36 ديناراً، لم يكن يكفيه لتسديد أقساط المصرف العقاري لدار سكنه ومأكله ومشربه وقسط السيارة التي اشتراها من الشركة العامة لتجارة السيارات…
ولإتمام التحقيق الصحفي طرقت باب دار الشحاذ الذي كنت أراقبه، وكان الدار عبارة عن كومة من الطابوق المهدم وباب خشبي قديم، وكان معي زميلي المصور الذي كان يخفي كاميرته وأنا أنتحل صفة قارئ مقاييس الكهرباء، ففتحت الباب امرأة خمسينية قالت لي إنهم لم يسحبوا الكهرباء، وقبل أن تكمل كلامها دخل زميلي المصور الدار وأخذ يلتقط الصور فيما كانت تلك المرأة تصرخ عليه وتطلب منه الخروج، وبعد أن التقطنا عدداً من الصور المهمة خرجنا مسرعين وهربنا من المنطقة.
الصور أظهرت وجود رفوف كثيرة تحمل علباً زجاجية كل منها يحتوي على مجموعة عملات معدنية، إذ كانت هناك عشرات العلب المليئة بعملات -5 فلوس- وأخرى -10فلوس- وهكذا بالنسبة لباقي العملات، 25 فلساً و50 فلساً و100 فلس. لقد كانت تلك الرفوف عبارة عن بنك يحتوي على مبلغ قد يزيد على ألف دينار، وفي ذلك الوقت كان هذا المبلغ كبيراً جداً .. وعلى الرغم من ضخامة ما كان يحصل عليه المتسول، إلا أنه لا يترك التسول وممارسة إذلال نفسه أمام الآخرين، إذ أنها أصبحت مهنة لا يمكن تركها طمعاً بما يحصل عليه من أموال.
توفير فرص العمل
إن مهمة توفير فرص العمل دلالة على استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأنها مؤشر على التقدم في جميع النواحي وإمكانية تطوير العائلة والمجتمع ووضع أهداف سامية لدى الشباب تجعلهم يجتهدون لتحقيقها.
فكلما كانت الأعمال متوفرة في جميع أنواع المهن، كانت الحياة المعيشية سلسة، وعلى الرغم من صعوبة بعض الأعمال إلا أن أجرة العمل فيها تفوق غيرها من الأعمال البسيطة.