التحرُّش الإلكتروني.. منحرفون يبثّون سمومهم عبر وسائل التواصل

1٬106

آمنة السلامي /

شهد الواقع الاجتماعي ومنظومة القيم الأخلاقية في السنوات الأخيرة كثيراً من المتغيرات والمفاهيم الدخلية التي رافقت انتشار وسائل الاتصال الإلكترونية او ما يطلق عليه السوشل ميديا، وبات لقاء المتحرش بضحيته ليس بتلك الصعوبة فتوارى خلف شاشات وأزرار إلكترونية (آمنة نسبياً) يبث من خلالها سمومه عبر رسائل وعبارات مخلّة بالآداب وصور فاضحة، سببت أذىً نفسياً كبيراً للمرأة الضحية، ذلك الكائن الشفاف، دون ان يعلم هؤلاء المتطفلون أنهم بفعلتهم تلك يدمرون ضحيتهم ويصنعون منها إنساناً ضعيفاً عاجزاً ومحبطاً، وللأسف فإنهم كثيراً ما يشعرون بالأمان بدرجة كبيرة قياساً بالتحرش المباشر لصعوبة إثبات واقعة التحرش برغم أن القانون حدد عقوبة واحدة لكل أشكال التحرش وظروفه.
طلاق بسبب متحرش!
(ل،هـ) إحدى ضحايا التحرش الإلكتروني تقول لـ (الشبكة): كنا في حفلة خطوبة لإحدى قريباتي وكانت حفلة خاصة بالنساء ولا يوجد فيها رجال، وكنا نرتدي ملابس قصيرة وشفافة ونضع المكياج الخاص بهذه الحفلات، كنا نرقص فرحين على أصوات الموسيقى، وبعد مرور يومين فوجئت باتصال عبر الماسنجر الخاص (بالفيس بوك) من مجهول، بدأ أولاً يتحرش بي عبر رسائله بكلام غير لائق، ثم بدأ بعدها يرسل لي فيديوهات عن الحفل الذي كنت فيه، وبدأ هذا الشاذ أخلاقياً يبتزني بطلبات غير مشروعة مقابل عدم نشر هذه الفيديوهات في مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، فضلاً عن مطالبته إياي بمبالغ مالية كبيرة، ثمناً لسكوته عن نشر الفيديوهات الخاصة بي، كان اتصاله كوقع الصاعقة علي، وعشت أياما من الرعب والخوف، الى أن تسرب الشك الى نفس زوجي بوجود أمر ما، عندها اضطررت الى أن أخبره بالحقيقة فطلقني حال سماعه بذلك، واتصل بأهلي وأخذوني ذليلة أضرب وأهان. وأخيراً ابلغنا الجهات المسؤولة ليلقى القبض عليه، والمفاجأة أنه كان زوج إحدى قريباتي!
عواقب مؤلمة
أما (س،ن) التي تحدثت لنا بمرارة عن قصتها مع التحرش الإلكتروني فقالت: كانت رسائل التحرش كثيراً ما تصلني عبر ( الواتس اب والفيس بوك والفايبر). وكثيراً ما كنت اتجاهلها الى أن وقعت ضحية لكلام معسول من أحد الشباب جعلني أعيش في حلم زائف لم أستطع الهروب منه، استمرت علاقتنا قرابة السنة ما أثر على مستواي العلمي بالرغم من أني كنت الأولى على مدرستي، وبعد أن تأكد من حبي له بدأ يطلب مني طلبات غير مشروعة ويسمعني كلاماً غير لائق. عرفت حينها مقصده وما يضمره لي وصدمت صدمة كبيرة ورفضت أن أتنازل له، لكن للأسف كانت صوري بحوزته وكان يهددني بها، فعلمت والدتي بالأمر وتفاقمت المشكلة لتصل الى العشيرة والأجهزة الأمنية لأحرم بعد ذلك من دراستي واجبرت على الزواج من شخص لا أحبه.
رسائل رقيقة
(سماح . ح) تروي لنا حادثة تحرش غريبة فتقول: وضعت صورتي الشخصية في إحدى المرات على صفحتي الخاصة في الفيسبوك، بعدها انهالت علي الرسائل المخجلة وامتلأ بريدي الخاص برسائل إعجاب وتحرش من كل حدب وصوب، اقفلت حسابي بعدها لعدة ايام، ثم عدت له، ولفت انتباهي من بين كل تلك الرسائل رسالة من شخص كتبت باسلوب رقيق ومحترم أبدى صاحبها فيها إعجابه، ورغم مرور أربع سنوات على هذه الحادثة، إلا أن هذا الشخص ما زال يرسل لي رسالة في نفس التاريخ ونفس الوقت بالضبط في كل سنة، ولم يثنه تجاهلي له عن ذلك، مازلت أتلقى رسائل هذا الشخص في الموعد نفسه رغم مرور هذه المدة الطويلة وبصراحة تحدثني نفسي أحياناً أن أرد على رسائله لكني اؤنب ذاتي وأمنعها عن هذا الفعل.
شياطين العراق!
كان لابد لنا أن نطلع هنا على رأي الطرف الآخر المتهم بالتحرش ونعرف أسباب ودوافع فعلته، فالتقينا الشاب الجامعي (ع،ا) الذي حدثنا قائلاً: حقيقة أنا من الشباب الذين يستخدمون وسائل الاتصال الحديثة في محاولة لإقامة العلاقات الغرامية فأراسل كثيراً من الفتيات، خاصة ممن يضعن صورهن الشخصية على صفحات تلك المواقع. وبصراحة أشعر بالمتعة وأقضي أجمل الأوقات معهن في غزل وحب وعشق وغرام. ولا أخفيك القول أنا أشعر بنفسي مرغوباً من الفتيات، خاصة أنني شاب جميل ورياضي وصاحب عضلات مفتولة وجامعي وهذه الصفات تحلم بها أية فتاة وتتمناها في فارس أحلامها، لكن المفاجأة التي حدثت لي ولن أنساها أبداً هي أنني أرسلت صورتي الى إحدى الفتيات في محاولة مني لاستمالتها، لكنها قامت بنشر صورتي تلك في (شياطين العراق) المتخصص في فضح المتحرشين بالفتيات في المواقع الإلكترونية، وطبعاً نلت من السبّ والشتائم ما لن أنساه طيلة حياتي!!
صدمة !!
(م .ع) ذات الثلاثين عاماً تبدأ حديثها عن ظاهرة التحرش إلكترونيا بالنصيحة لكل الفتيات اللائي يتعرضن لمثل هذه الحالة كونها إحدى ضحاياها فتقول: أنصح كل الفتيات أن يفكرن ألف مرة قبل أن يصدقن أية رسالة تصل اليهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي مهما كان كلامها رقيقاً.. لقد كنت ضحية لإحدى هذه الرسائل التي كانت تصلني من شاب.. كانت كلماته جميلة ومؤثرة، في البداية كنت أقرأ الرسائل فقط ولا أجيب عليها لكن شيئاً فشيئاً بدأت أتفاعل مع تلك الرسائل وأرد على مرسلها الى أن تعرفت عليه وبدأت علاقة بيننا وكان شاباً وسيماً حسب الصور التي كان يرسلها لي. وبعد مرور عدة أشهر على علاقتنا طلب مني أرسال صور غير لائقة بحجة أنه يرغب بالزواج مني ومن حقه أن يرى حبيبته بتلك الهيئة، رفضت بشدة طلبه هذا. وبعد عدة محاولات، غيّر طريقته في الكتابة وطلب مني عنواني أهلي ليأتي لخطبتي وبالفعل أرسلت له العنوان، وهنا كانت المأساة، فحال معرفته بعنواني بدأ يهددني بأنه سيتصل بهم ويخبرهم عن علاقاتنا، لم أرضخ له وأفشلت جميع محاولاته لابتزازي، ليرضخ في نهاية الأمر ويأتي فعلاً الى أهلي لخطبتي وليته لم يأت لقد كان شخصاً آخر غير الصور التي كان قد بعثها لي على أنها صوره، وعرفت بأنه إنسان مخادع وكاذب لأقع بعدها فريسة المرض والأزمات النفسية وأدركت أني كنت أعشق وهماً.
مضار وفوائد
ولعلم الاجتماع رأيه في أسباب ودوافع هذه الظاهرة ومردودها المدمر على الضحية، تقول الباحثة الاجتماعية زهرة الساعدي: في البداية أنا أستنكر وبشدة غفلة الأهل عن أبنائهم ذكوراً وإناثاً وتركهم يبحرون في هذه المواقع الإلكترونية دون رقابة ومحاسبة، فيجب على الوالدين متابعة ومراقبة أبنائهم وإفهامهم بمضار هذه المواقع وإرشادهم الى الطرق الصحيحة والمفيدة لاستخدامها.
وتنهي الساعدي كلامها بالقول إن من يعمد الى مضايقة الفتيات في مواقع التواصل الاجتماعي ومحاولة التحرش بهن يعد في نظر المجتمع إنساناً مريضاً نفسياً لا يختلف أبداً عن المتحرش في الأماكن العامة، هذا فضلاً عن كونه إنساناً ضعيفاً وجباناً يتسبب بفعلته تلك بمشاكل اجتماعية وآثار نفسية جمّة للمتحرش بهن.
نظرة الإسلام
أما الباحث الإسلامي (علي السوادني) فيقول: من المؤلم حقاً التلاعب بمشاعر الآخرين، فرسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في حديثه (من غشنا ليس منا)، فلا يقتصر الغش هنا على البيع والشراء وانما الغش الذي نهانا عنه الرسول الأكرم هو في كل شيء، في البيع والشراء وفي المشاعر الكاذبة وفي إظهار الأشياء على غير حقيقتها، فيجب على الفرد أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فالتلاعب بالعرض والشرف هو جرم بحد ذاته.
واعلموا يا شبابنا أن بعض المسائل هي دين علينا فكما تدين تدان، وأن نتيجة ما قمت به من تلاعب بأعراض الغير تظهر في أختك او زوجتك او ابنتك، نصيحة أسديها للجميع: ابتعدوا عن هذا الفعل لأن ربك بالمرصاد. وأنتِ ايتها الفتاة المسلمة لا تنخدعي بالكلام المعسول فالشباب عند الزواج لا يرغب الا بفتاة خلوقة ومن عائلة محترمة.