التربية لا تدرسهم لغة “برايل” معاناة حقيقية تواجه المكفوفين في التعليم
رجاء الشجيري/
الحياة هبة عظيمة، وميادين الفكر والعلم وتحقيق الأهداف لا تقتصر على المبصرين فقط، بل يتفوق فيها أيضاً من يمتلك قوة البصيرة من المكفوفين الذين يتحدّون الظلام في مواكبة أقرانهم في الدراسة والتفوق. لكن هل لدينا مدارس لذوي الإعاقة البصرية في مراحل الدراسة كافة؟ هل جرى تخصيص طبعة خاصة بهم في المناهج الدراسية كما في المناهج العامة، ولكن بفرق الورق ولغة “برايل” العالمية المعتمدة لتمكنهم من القراءة والكتابة أسوة بجميع الطلبة العاديين؟هل هناك كوادر تدريسية تربوية معدة ضمن دورات تؤهلهم للتعامل ومساعدة الطلبة المكفوفين؟ كيف يقرأ ويكتب الطالب الكفيف لدينا الآن إن لم تتوفر له الكتب المنهجية ضمن لغة برايل؟ أسئلة تطرحها مجلة “الشبكة العراقية” في محاورتها مع سجاد كاظم ومن معه من الطلبة المكفوفين عبر الآتي:
*ما لغة برايل؟
-هي طريقة في القراءة والكتابة على الورق برموز بارزة تمكن المكفوفين عن طريق اللمس بأصابعهم من قراءة الكتب والمجلات ومصادر المعرفة، كما تمكنهم من مواصلة تعليمهم بمنتهى السهولة من الابتدائية إلى الحياة الجامعية، ضمن جميع المناهج الدراسية ذاتها المعتمدة للطلبة العاديين، لكن الفرق هو طبعها بلغة “برايل” فقط، أي ترجمة هذه الكتب المنهجية المعتمدة إلى لغة برايل.
هذه اللغة والوسيلة المهمة للمكفوفين اكتشفها (لويس برايل)، الفرنسي الذي كان فاقداً البصر منذ عمر ٣ سنوات، إلا أن ذكاءه الحاد ألهمه عن طريق الشيفرة العسكرية التي اخترعها الضابط (بييرلسكي ليرسل) خلال حرب الفرنسيين مع الألمان، وكانت طريقة (ليرسل) تتكون من 12 نقطة يمكن أن تتكون منها كل الكلمات بالتبادل، لكن (برايل) عدلها واختصر الـ 12 نقطة إلى 6 نقاط ليسهّل عملية القراءة والكتابة للمكفوفين.
بداية الرحلة
سجاد كاظم، الطالب الكفيف من مواليد 1998م، وهو حالياً مع مجموعة طلبة من المكفوفين يجتمعون ليقرأوا مواد السادس الإعدادي الفرع الأدبي، استعداداً للامتحان (الخارجي) هذه السنة، لكن مع معاناة كبيرة.
هذا الشاب الطموح هو رئيس فريق (ذوي الهمم التطوعي) الذي ساعد وقدم فيه الدعم للمكفوفين.
صاحب هذه الأفكار والتحدي يروي لمجلة “الشبكة العراقية” معاناته والطلبة الذين معه -من طلبة السادس الإعدادي تحديداً- وكيف أنهم يقرأون ويمتحنون بصعوبة لعدم اعتماد لغة “برايل” في المناهج الدراسية أسوة ببقية دول العالم لكي تعينهم في أداء امتحاناتهم.
يقول سجاد: نحن نعتمد على السماع في دراستنا لمواد السادس الإعدادي، فإما أن يساعدنا أستاذ ما في تسجيل صوتي لملازم المادة، أو أننا نعتمد على اليوتيوب، لنسمع ونحفظ المواد خلال المحاضرات. لكننا بحاجة إلى أستاذة مدرسين اختصاص متطوعين أكثر في المواد، بإرسالهم (مسجات) صوتية لمساعدتنا في الدراسة، كالإنشاء في مادة اللغة الإنكليزية مثلاً، أو قواعد اللغة العربية، وهكذا في بقية المواد.
مضيفاً: عند سماعنا المحاضرات في اليوتيوب وتكرار السماع مرة وثانية وثالثة للحفظ فإن المدرس ليس في باله أن هناك طالباً كفيفاً يتابعه أيضاً، لذلك فإن طريقته لمن ينظرون إليه فقط، فنسمعه يقول “هل ترون هذه النقطة؟” دون مراعاة وضعنا مع الطلبة العاديين، وعندما نذهب إلى الامتحان في المركز الامتحاني يخصص لنا مدرس لكي يقرأ السؤال، ونجيب عليه ويكتب هو عنا، لكن طريقة التعامل هذه، بشهادة غالبية الطلبة من المكفوفين، تفتقر إلى المعاملة الحسنة ومراعاة حالتنا النفسية.
ليعلن سجاد تساؤله واحتجاجه ومناشدته: لماذا لا تعتمد وزارة التربية وتطبع المناهج الدراسية لنا على طريقة لغة “برايل” العالمية أسوة بطلبة العالم؟ فهي بذلك تساعدنا كثيراً وترفع عنا كل هذه المعاناة في طريقة قراءتنا للمواد والامتحان بها، علما بأنها ليست مكلفة جداً، ولاسيما مع تزايد أعداد المكفوفين في العراق.
عند سؤال سجاد عن متطلبات العمل بلغة “برايل” عن قيام وزارة التربية والتعليم العالي باعتمادها في مناهجها الدراسية للمكفوفين يجيب: لغة “برايل” تحتاج إلى كوادر متخصصة فيها في المدارس والمعاهد والكليات يدربون على طريقة الكتابة والقراءة بها، ولاسيما إذا كانوا من المكفوفين، فالتعليم أفضل بكثير من خلالهم.
حالياً يتقن لغة “برايل” كل من سجاد وعصمت البصري، فهما يجيدان التعامل معها وترجمة الكتب العادية إلى لغتها، إذ قام عصمت، وهو مدرس الآن، بترجمة المناهج الدراسية لمرحلتي الابتدائية والثانوية حتى الثالث المتوسط بلغة “برايل” وطبعها ونسخ العديد منها وتوزيعها على الطلبة المكفوفين.
من جانبه، سجاد وفريقه أقاموا في مركزهم دورات للمكفوفين لتعليم لغة “برايل” والتعامل معها، لكن المشكلة أنها غير معمول بها في المدارس، وغير مفعلة من قبل وزارتي التربية والتعليم العالي، بل ليس لدينا أي نظام تعليمي منهجي للمكفوفين.
فريق… وأمل
سجاد لم تكن هناك حدود لتطلعاته ومبادراته، فعزم وانطلق مع مجموعة من 20 طالباً من المكفوفين عندما كانوا يدرسون وهم في الثالث المتوسط خلال جائحة كورونا ليكوّنوا فريق “ذوي الهمم التطوعي” والتواصل مع معلمين ومدرسين، ولاسيما أنهم كانوا متفرغين في البيوت بسبب الجائحة والحظر، فجرى التنسيق والتسجيل الصوتي للمواد عن طريقهم ليستفيد منها طلبة جميع المراحل الدراسية. وقد تخرج جميع الطلبة في الفريق بنجاح وبمعدلات عالية، ثم انتقلوا بعدها إلى الجانب الميداني بعد الجائحة لتسهيل إجراءات المكفوفين والمراجعات والارتباط بوزارة التربية والتعليم العالي ووزارة الشباب والرياضة، وفتح آفاق عديدة من خلال عمل الفريق والتعاون المشترك مع الوزارات. وفريقهم التوعوي هذا له فروع في بغداد والموصل والعمارة والبصرة والسماوة والديوانية.
يختتم سجاد حديث رحلته ومناشدته قائلاً: شكراً لمجلة “الشبكة العراقية” لسماعها ونشرها معاناتنا وأحلامنا، فنحن نحتاج الدعم الحكومي والمجتمعي ومساندتنا في اعتماد لغة “برايل” في المدارس والمعاهد والكليات، كما نحتاج الدعم النفسي أيضاً، فسلاحنا الوحيد هو شهادتنا الدراسية، فهي طريقنا في العمل، وطموحي وحلمي أن أنشئ مكتبة صوتية للكتب العامة إضافية للمنهجية الدراسية.. إن شاء الله.