التطبيقات الحديثة تهدد أمن المجتمعات..

1٬050

الدكتور صفد حسام الشمّري /

التزييف الرقمي للفديوات، والذي تعرف تطبيقاته بالفبركة العميقة، التي تعد أبرز نتاجات الذكاء الاصطناعي، مكنت من القيام بتزييف مقاطع صوتية وصورية متحركة، لشخصيات عامة، او ربما غير معروفة، لمآرب متعددة، صارت اليوم تشكل خطراً كبيراً ربما يستهدف المجتمعات أو الأشخاص.
في مقابل فرص محدودة للغاية لقدرات برامج التحقق الرقمي، من كشف زيف تلك المقاطع أو نفيها، بالنظر للتقدم المتسارع في مجال تحديثات تطبيقات (الفبركة العميقة).
لا أصل للفديو!
يبدو ان أكثر الأمور خطورة مع تلك التطبيقات، هو عدم وجود أصلٍ حقيقي للفديو المزيف، يمكن مقارنته وتقديمه للعيان للدلالة على التزييف، فتلك التطبيقات تصنع فديوات بصوت وحركة لأشخاص هم لم يقوموا بها فعلاً، كما هو الحال مع الصور المزيفة بالفوتوشوب وباقي برامج معالجة الصور، حين يمكن تقديم أصل الصورة، ومقارنتها بالمزيفة منها، لإثبات التزييف وإقناع المتلقي به.
الفوتوشوب.. البرنامج الذي دمّر نظرية أن (الصورة لا تكذب)، تعقبه وبقية برامج معالجة الصور تطبيقات الفبركة العميقة، التي صارت تشكل صدمة ما يعرف بانهيار الواقع، حين كسرت كل قواعد صدقيات الفديو المتحرك عبر الشاشة.. وهنا تكمن خطورتها.
تلك التطبيقات تقول عنها مؤسسة الأبحاث العسكرية (داربا)، الذراع التقني لوزارة الدفاع الأمريكية، أو ما تسمى بعقل البنتاغون إنها صارت تهدد الأمن القومي الأمريكي، فكيف تكون الحال مع مجتمعاتنا المحلية مع تلك التطبيقات؟
يمكن لتطبيقات الفبركة العميقة اليوم أن تظهر أي شخص وهو يتحدث بشكله ونبرة صوته الأصلية في أمور لا يعرف عنها شيئاً على أرض الواقع، وتعرضه للتسقيط أو الاستهداف، بتقنيتي البث المباشر، او التسجيل والعرض عبر شاشات التلفزة أو اللوائح الرقمية في وقت لاحق، مثلما يمكن –تماماً- لأي مجرم أن يتنصل عن جريمته التي وثقتها أجهزة المراقبة الصوتية والصورية، تحت ذريعة أنها مفبركة!

التلاعب بالقصص
لقد صارت الحاجة إلى التنويه بمخاطر الفبركة العميقة ملحة في العراق، ففي الوقت الذي صار ت فيه تطبيقات (الجرافكس) محترفة في صناعة قصص وهمية وغير حقيقية، عن طريق التلاعب في حوليات تلك القصص، وتغيير الحقيقة للأفلام التي تتداولها مواقع الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي وحتى التلفزيون، فإن تطبيقات (الفبركة الرقمية) صارت تتمكن من معالجة القصص، بالتلاعب بأبطالها أنفسهم، بوساطة تزييف رقمي متقن لصورهم وأصواتهم، الأمر الذي يظهر ضرورات التوعية بمخاطرها في مجتمعنا المحلي ولفت انتباه المستخدمين إلى التعاطي الحذر مع القصص التي يتم نشرها وبثها، وعدم الإسهام في الترويج لمضامين الفبركة العميقة، التي يتوقع ان تكون تطبيقاتها مشاعة بالمجان في غضون أربع سنوات فقط، مثل تطبيقات متعددة أخرى، من قبيل فايبر وواتس أب.

في طريق المواجهة!
يحتم شيوع تطبيقات الفبركة العميقة في مقابل عجز برامج التحقق الرقمي عن كشف التزييف الحاصل في المضامين التي تنتج عبر تطبيقات تلك الفبركة على المؤسسات المعنية بقطاعات الاتصالات والتربية والتعليم في العراق بأن تباشر بحملات علاقات عامة للتوعية بمخاطر تلك الفبركة، وتنبيه المستخدمين من التعاطي مع القصص التي يعود نشرها بضرر اجتماعي أو أمني على صعيد المجتمعات والأفراد. لاسيما ان الإعلان عن بزوغ عصر (الفبركة العميقة) في أول مرة عن طريق فلم مفبرك لأوباما عام 2017، يأتي بالتزامن مع أعلان الجيش الأمريكي في العام نفسه إلى التحول إلى عقيدة (التقنين)، أي التحول من البوارج والأساطيل الضخمة وحاملات الطائرات، إلى الجندي السوبر، الذي يعتمد التقنية الرقمية في المواجهة، الأمر الذي يثير الاحتمالات ان تكون تطبيقات الفبركة العميقة هي احدى ادوات الصراع الدولي المقبلة.
ويمكن للطروحات التي تتحدث عن إمكانية توفير تطبيقات الفبركة العميقة بالمجان للمستخدمين على هواتفهم الجوالة منطقية، في حال المقارنة مع تطبيقات أخرى هي متوفرة اليوم كانت قد صممت في أساسها لاغراض عسكرية، ومنها نظام GPS، الذي كانت (داربا) قد صممته لاغراض استهداف المواقع بالطائرات، وجربته في العراق لأول مرة عام 1991، تحت مسمى نظام تحديد المواقع.
وتزيد خطورة تلك التطبيقات مع مواجهة العراق للإرهاب في أبشع صوره، الأمر الذي يجعل من مخاطر تلك التطبيقات تهديداً محتملاً للأمن الوطني، في حال استخدامها من قبل المجموعات الأرهابية، او حتى في مجال الابتزاز الإلكتروني، والتسقيط السياسي والاجتماعي، بالتزامن مع بزوغ نظام IPTV الذي يشكل أحد أبرز تحديات عملية البث التلفزيوني التقليدي على مستوى العالم.